حملت نهاية العام 2014 كعادتها أحداث دولية كثيرة لكنها لم تختلف عما سبقها من سنوات في التعاطي الدولي مع قضايانا نحن العرب والمسلمون، انطلاقاً من التأمر إلى الإرهاب إلى التحريض على الشغب إلى سلب الحقوق، والتي كان أخرها الاستهزاء بالمجموعة العربية المكونة لدول الوطن العربي المنخرطة تحت لواء القانون الدولي من خلال عدم مقدرة الأمم المتحدة منح الفلسطينيون حق الاستفادة من إعلان الأمم المتحدة نفسها “الحق في التنمية” من خلال رفض إنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين خلال 3 سنوات قادمة ومنحهم حق تقرير مصيرهم بأيديهم بنهاية هذه السنوات.
ولعل هذا الحدث المهين لم يشمل المجموعة العربية المكونة لجماعات اللارأي في القرارات الدولية، بقدر اهانته إلى مجموعة دول العالم المنادية بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان، كما أنه لم يكن من صنع القطيع العربي وحده مقارنة بما صنعه بعض أعضاء هذا القطيع في مجال عدم تخفيض إنتاج النفط مقابل الانخفاض الكبير في أسعاره، الأمر الذي سمح للغرب الصناعي المستهلك للنفط -بإرادة القطيع العربي نفسه- سرقة ثروات الشعب العربي بالإضافة لما سبق أن سرقوه من كرامة هذا الشعوب بالتواطؤ مع حكامه.
فإذا توقفنا مبدئياً عند هذين الحدثين لما لهما من آثار كبيرة في رسم ملامح السياسة الدولية في العام القادم، ولتكرار هذين المشهدين في السابق، فإننا نجد أن المشهد الأول المرتبط بقضية العرب الأولى فلسطين يتكرر سنوياً منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني في أربعينيات القرن الماضي، ولم تهتز كرامة العربان لتكراره، بل على العكس من ذلك فقد آلف معظمهم الذل والهوان، وعملوا على ترويض شعبهم على امتهان كرامتهم، منذ قيام الكيان الصهيوني في منتصف القرن الماضي، وبعضهم منذ تم ترسيخ وجود هذا الكيان في المنطقة العربية بعد نكسة 1967، وبعضهم منذ توقيعه للاتفاقيات المختلفة مع هذا الكيان.
والمشهد الثاني قد تكرر بأوجه مختلفة في مواعيد ومواقيت مختلفة أيضاً، ولعل أبرزها ما حدث في نهاية ستينيات القرن الماضي وبداية السبعينيات منه، والذي نجم عنه الانقلاب على اتفاقية بروتن وودز التي ألغت ارتباط سعر صرف الدولار الأمريكي بالقيمة المقابلة له بعد أن سبقها مجموعة من الإجراءات التي دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية كالتلاعب بأسعار النفط وتدعيم وجود الكيان الصهيوني بالمنطقة، وبعض الحوادث المختلفة في دول أمريكا اللاتينية والتي أنتجت تخفيض المعونة الأمريكية المقدمة لدول أمريكا اللاتينية.
وقد توقفنا عند هذين المشهدين لأن العام القادم سوف يشهد أحداثاً مشابهة لما جرى في الماضي مع فروقات مميزة، فالتآمر الأممي على العرب لازال هو نفسه، ومحاولة توطيد أمن الكيان بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها لا يزال على حاله، ولعبة سرقة ثروات الشعب العربي من خلال التلاعب بأسعار النفط وكمية إنتاجه على حالها أيضاً، ليبقى الاختلاف الأبرز في الخطوات التي اتخذتها روسيا والقوى الصاعدة في العالم في مواجهة الحراك الأمريكي، فالغزل الممنوع الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية نحو كوبا قابلته مسبقاً مغازلة روسية أوروبية، وتدعيم الولايات المتحدة وحلفائها لوجود الكيان الصهيوني وترسيخ أمنه في المنطقة من خلال إضعاف منظومة الدول المجاورة له والحفاظ على وجوده المادي والمعنوي يقابله التطور الميداني لحلف المقاومة وما اكتسبه من مقدرات جديدة في الحرب التي تتعرض لها سورية، ولعبة أسعار النفط والدولار يقابلها بنك التجارة والتنمية الذي تعمل منظومة البريكس على تأسيسه مدعوماً بالمقدرة التجارية للصين والخبرة الهندية والطاقة ومناجم الماس الروسيين، وتكامل سلاح الغذاء والدواء والاتصالات لكامل منظومة البريكس.
ولعل البنود الفاصلة في تحديد المستقبل المأمول لاقتسام السيطرة على العالم أو التفرد به هو حسم الصراع على ثروات أفريقيا، وحسم الصراع في القسم الشرقي من المنطقة العربية، والمتمثل إلى الآن في المهارة السورية ببناء تحالفاتها المرتكزة على السيادة أولاً، ثم في بقائها دولة قوية ذات دور مؤثر في كبح جماح الأطماع الصهيونية وتوسعاتها وصولاً إلى إنهاء احتلالها للأراضي العربية، الأمر الذي رسخ معالمه الاستراتيجية الجديدة التي يقاتل بها الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب الذي يضرب سورية في أحد الجوانب، والذي كان حصيلته مجموعة من الانتصارات المرحلية والنوعية المتحققة، وفي جانب آخر، زيارة الدكتور بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة رئيس الجمهورية العربي السورية –المواطن القائد-إلى مناطق المواجهة النفسية والعسكرية الساخنة مع الإعلام الذي يدعم الإرهاب في سورية في ساعات احتفال العالم بأعياد رأس السنة، مؤكداً أنه الابن البار لهذا الشعب الصامد.
فلنرتقب عام المقاربات العالمية في طريق السيطرة على العالم وكل عام وأنتم بألف خير
سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)