نشر الباحث جاسم السلامي، الكاتب في المواضيع العسكرية لدوريات ومواقع أجنبية معنية “بالشرق الأوسط”، تقريراً في موقع “Medium” يشرح تفاصيل الغارات الصهيونية على دمشق في 7/12/2014. يقول “سلامي”:
بالاعتماد على الصور التي التقطت للغارات، ومسار الطائرات والصواريخ المُعترضة، صار بالإمكان رسم مخطط تقريبي لما جرى، وللتكتيكات التي اتبعها سلاح الجو الصهيوني.
أقتبس من البحث، (دخل تشكيلان صهيونيان سماء سورية من الشرق، أي من الأجواء اللبنانية، الساعة الرابعة ظهراً، وكان كل تشكيلٍ مكوّن من طائرتي “اف-15″ تحلقان على نحو متباعد عن بعضهما بعضا، وكانت هناك مسافة كبيرة بين زوجي الطائرات ايضاً. يرجّح الباحث أنّ الطائرات كانت تبثّ موجات تشويش قوية لمنع رادارات الانذار السورية من تعقّبها بدقة. التشويش الذي يقوم على بث اشارة رادارية قوية “تُعمي” رادار العدو عبر تقليد اشارته أو اغراقه بنبضات رادارية كثيفة قد تمنع تتبّع الطائرات وتوجيه الصواريخ ضدها، ولكنّه يفضح وجودها ايضاً. أجهزة الاستشعار السورية كانت على الأرجح قادرة على معرفة الاتجاه العام لبث التشويش، ما يمكّن الطواقم السورية من معرفة مكان وجود الطائرات المعادية، ولكن ضمن هامش خطأ كبير. هكذا، تقدر الدفاعات الجوية على توجيه بطاريات الصواريخ للبحث عن مقاتلات العدو ضمن “صندوق جوي” واستعمال الوسائل البصرية أو الرادارات لتحديد مكانها ومواجهتها. تباعد الطائرتين ضمن كل تشكيل، وتباعد التشكيلين عن بعضهما بعضا، بغية تصعيب رصد موقع الطائرات؛ فحين تمتزج موجات التشويش بعضها ببعض، ويزداد عرض الموجة، يزداد هامش الخطأ، ما يوفّر للطائرات المغيرة وقتاً أطول قبل أن تكشفها الطواقم الأرضية وتتعامل معها.
على الرغم من التشويش، تمكّنت بطارية “بوك أم2″ المتمركزة في مطار المزّة، وهذه المنظومة من أحدث الأسلحة التي حصل عليها الجيش العربي السوري من روسيا بعد عام 2007، من اطلاق صاروخين باتجاه الزوج الأول من الطائرات، حالما اقترب من تخوم دمشق من الجنوب، وهو يطير من الغرب باتجاه الشرق- نلاحظ هنا أن الكاتب يتحدث من موقع المراقب من لبنان حسب طبيعة الإتجاهات التي يعطيها لسير الأحداث- هنا، قامت الطائرات الصهيونية فوراً بانعطاف قويّ باتجاه الشمال، وانطلقت بسرعة كبيرة لترمي صواريخها، ثمّ تنعطف، مجدداً، غرباً الى داخل أجواء لبنان.
حين تُستعمل صواريخ الدفاع الجوي متوسطة وبعيدة المدى، فهي تُطلق باتجاه المنطقة العامة التي يُتوقّع أن تكون فيها الطائرات بحسب مسارها، حيث تفتح الصواريخ، بعد إطلاقها الى النقطة المحددة، أنظمة التوجيه فيها لتبحث عن الهدف. فكان التكتيك الاسرائيلي يقوم على تضليل الصواريخ عبر مناورة الطائرات التي جعلت صواريخ الـ«بوك» تتجه الى منطقة مختلفة ولا تجد أهدافها. ضربت الغارة الأولى أهدافاً في المطار الشراعي في منطقة الديماس.
الزوج الثاني من الطائرات الصهونية تلى الغارة الأولى مباشرة، فدخل الأجواء السورية متجها مباشرة صوب دمشق، حيث أطلق صواريخ بعيدة المدى والتفّ بسرعة عائداً أدراجه. انطلق هنا ايضاً صاروخان في وجه الطائرات، على الأرجح من منظومة “سام 3″، ولكنهما لم يكونا موجهين ضد الطائرات بل ضد الصواريخ التي أطلقتها، فأصاب أحدها قذيفة “بوباي 2″ الموجّهة، أُسقطت –في منطقة الحارة- وعُرضت صور حطامها في مواقع اعلامية سورية. امّا باقي الذخائر، فقد ضربت “معدات” موجودة قرب مدرج مطار دمشق الدولي.
يتبيّن من هذه التفاصيل أنّ الغارة كانت مدروسة بدقّة، وانطوت على مجازفة حقيقية، وخاصة انها جرت في وضح النهار، وكانت من الحالات القليلة التي واجهت فيها الطائرات الصهونية خطر صواريخ دفاع جوي حديثة، وجّهت ضدها مباشرة، وكان من الممكن لنتيجة المواجهة – نظرياً – أن تكون مختلفة ومكلفة للعدو). إنتهى الإقتباس.
* نتائج الغارة، أسئلة بلا أجوبة:
في كلّ مرة تعرضت سورية لغارة صهيونية، وخصوصاً خلال الحرب المفتوحة التي تُشنّ عليها منذ أربع سنوات تقريباً، تصرفت بكل شفافية ووضوح؛ حيث تبادر في كلّ مرة إلى إصدار بيان عسكري يتحدث عن العدوان، وتقوم ببث صور لآثار هذه الغارات من المواقع والأهداف التي ضربت، وتقوم بإرسال رسائل الإحتجاج إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن… لكن في هذه المرة لفتني بعض الإجراءات والأمور على نحو خاص، منها:
1- أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في بيان “أن الغارات أدت إلى خسائر مادية في بعض المنشآت”. إذا كان هدف الغارة الصهيونية ضرب المحطة الأولى “مستودعات الصادر والوارد في مطار دمشق” لتخزين أسلحة تسبب خللاً كبيراً في الميزان العسكري بين سورية وكيان العدو، مثل صواريخ أس300، من غير المعقول أن تكون هذه المستودعات من دون حراسة، فكيف يمكن فهم عدم سقوط الشهداء؟!. جميعناً يذكر كلام وزير الدفاع والبيان العسكري عن عن سقوط شهداء في الغارة الصهيونية على مركز البحوث في جمرايا، 2013.
2- إذا كان سبب الغارة على المطار الشراعي في الديماس “المحطة الثانية لشحنة الأسلحة المفترضة” منع سورية من نقل أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى حزب الله، فأين شهداء المقاومة الإسلامية أو الجيش العربي السوري الذي يحمي هذه الأسلحة؟!. لنفترض أن الجيش العربي السوري أخفى خسائره، هل أخفى حزب الله خسائره أيضاً؟ وهل يقدر على ذلك؟.
3- شحنة/شحنات أسلحة على هذا المستوى من الأهمية، بحيث تدفع كيان العدو إلى شنّ غارة في ظرف دولي وإقليمي غاية في الدقة، وإرتفاع شديد لعامل الخطورة بسبب التحديثات على منظومة الدفاع الجوي السوري، وإعادة إنتشاره في مناطق كان قد خسرها سابقاً ما وفر له تغطية أفضل للأجواء… هل يعقل أن تكون خسائر سورية وحزب الله البشرية صفراً؟!.
4- في كل مرة كانت طائرات العدو تغير على هدف عسكري كنا نرى ألسنة اللهب من مسافات بعيدة، ونسمع سلسلة طويلة من الإنفجارات تستمر لساعات بسبب إنفجار الذخائر والمعدات… لكن في هذه المرة لم نسمع سوى عدداً محدوداً جداً من الإنفجارات، ولم نرى سوى وميض هذه الإنفجارات المحدودة جداً، والأغلب أنها ناتجة عن الصواريخ التي ألقاها طيران العدو، فكيف يمكن لنا تفسير هذا المشهد؟!.
* غارة صيدها الوقوع في فخ مركب:
تأسيساً على سبق، سأحاول تقديم قراءة مغايرة عن سبب ونتائج الغارة الصهيونية، تعتمد بشكل أساسي على ربط ظروف ونتائج هذه الغارة… مع حدث أمني-ميداني آخر كبير ظهر في الأيام القليلة الماضية، إعتقال قيادي في موقع حسّاس في حزب الله بتهمة التعامل مع “الموساد”.
كشفت معلومات صحفية في الايام الماضية عن إلقاء جهاز أمن المقاومة القبض على القيادي الأمني المدعو “محمد شوربة” من بلدة مركبا الجنوبية، حصل ذلك قبل أكثر من شهر من الان. تقول المعطيات أن الرجل ومنذ عام 2008 عقب إغتيال المسؤول العسكري للمقاومة الحاج عماد مغنية، يرأس الوحدة “910” المكلفة بمهام الأمن الخارجي، مثل، حماية الحزب من أي إختراق يأتي من الخارج، تأمين المجموعات الخارجية والتنسيق فيما بينها، وربطها بهذه الوحدة التي تحصل على تقارير عبر أساليب أمنية… ليتم إيصال كلّ ذلك إلى شورى حزب الله.
الوحدة 910 التي يرأسها محمد شورية، منيت بإخفاق في عدد من العمليات الخارجية والملفات التي كانت تعمل عليها خلال عهده، أهمها الإنتقام من العدو الصهيوني لإغتياله الراحل عماد مغنية، وتسريب معلومات حساسة وصل بعضها للإعلام، وحصول إختراقات في جسم الحزب وبعض عملياته… ما كان يُدلل على وجود خرق ما، وعلى مستوى رفيع. قررت قيادة الحزب توزيع مهام هذه الوحدة، وتخفيف صلاحياتها، للحد من ضرر الإختراق “المفترض” من جهة، وتحديد مصدره من جهة ثانية، وأستمر التدقيق الأمني لسنوات حتى تسنى تحديد المصدر، محمد شوربة.
كان الفخ الأخير الذي أوقع محمد شوربة في المصيدة، أو أوقع فيه العدو الصهيوني، معلومات خاطئة عن شحنة أسلحة سيستلمها الحزب من منطقة الديماس، بعد أن تكون قد نقلت من مستودع الصادر والوارد في مطار دمشق الدولي. وصلت المعلومات من محمد إلى مشغليه في كيان العدو، تقرر تنفيذ الغارة على عجل بالرغم من إرتفاع عامل الخطورة. تقصف الطائرات أهدافاً وهمية، ويعلن الحزب عن القبض على أهم جاسوس لكيان العدو في واحد من أهم المواقع الحساسة في جسم المقاومة.
هنا يتبادر إلى الذهن مباشرة السؤال التالي: ما الذي جنته سورية من هذه الغارة؟ بإختصار شديد، اليكم بعض هذه الفوائد:
1- جاءت هذه الغارة عقب زيارة وزير الخارجية السوري إلى موسكو، وعقده سلسلة من الإجتماعات مع المسؤلين الروس، وفي مقدمتهم الرئيس بوتين، ويقف على رأس جدول أعمال الوزير “المعلم” إتمام صفقة صواريخ أس300، كما أعلن الوزير، وهذه الغارة ستعزز موقف سورية لإتمام الصفقة.
2- لن يقدم العدو الصهيوني على عمل قد يثير حرباً إقليمية، ستكون أمريكا طرفاً فيها حتى وإن لم ترد ذلك، دون إستشارة واشنطن، وهذا تحدّ واضح لموسكو في ظرف دولي-إقليمي غاية في الدقة، ولندقق هنا بكلام بوتين قبل أيام ” إنهم لا يريدون إذلالنا؛ بل إخضاعنا”، ما يعني إرتقاء بالعلاقة التحالفية بين دمشق وموسكو لمستويات جديدة، كان تعيين “ألكسندر كينشاك” سفيراً فوق العادة ومفوضاً لروسيا الاتحادية في دمشق أحد تجلياتها.
3- كلنا يذكر “البرود” الذي ظهر بين مؤسستي الرئاسة والخارجية في طهران من جهة، وسورية من جهة أخرى، وعقب هذه الغارة والتحديات التي تلتها، رأينا الحفاوة التي إستقبل بها وزير الخارجية السوري ثم رئيس الوزراء السوري، وحجم المساعدات الضخمة التي عادت للتدفق إلى دمشق. وهنا أود أن أنبه للتالي: لا أعني بما ذكرت أن دمشق تخدع موسكو وطهران للحصول على دعمهما في مواجهة كيان العدو، فهذا مستحيل لعدة أسباب، منها، نزاهة وصدق القيادة السورية، وإطلاع موسكو وطهران الواسع على مجريات الساحة السورية، والطبيعة التحالفية للعلاقات بين هذه الأطراف… بل إن هذه العوامل وغيرها يسمح لنا بطرح السؤال بطريقة مغايرة تماماً، هل نفذت سورية وحزب الله هذا الفخ بالترتيب مع موسكو وطهران لكي تبرر تدفق هذه المساعدات المتنوعة والضخمة -6.5 مليار دولار- دون إثارة أي تحفظات، وهو ما كان فعلاً؟!.
4- يقال بأن “محمد شوربة” كان في فترة ما عضو في الفريق المسؤول عن أمن السيد حسن نصر الله، حتى وإن كان هذا الكلام غير صحيح، فإن وجود مثل هذا الشخص في الدائرة القادرة على رؤية السيد حسن بيسر، يعني تهديد جدّي لأحد أهم حلفاء سورية على الإطلاق، وسلامة السيد حسن تستحق ما جرى وأكثر.
5- بحكم موقع “محمد شوربة” كمسؤول عن الوحدة “910”، التي تدير العمليات الخارجية للحزب في سورية وغيرها، فإن القبض عليه يمثل مصلحة سورية كبرى.
إنها حرب مفتوحة على كلّ الصعد، وحرب العقول والإرادات “البعيدة” عن أصوات الرصاص أحدها.
هكذا خدعت سورية وحزب الله كيان العدو
سيريان تلغراف