بصورة باهتة تتعامل وسائل الإعلام الغربية الكبرى مع ما كانت تبدأ التوقعات بصدده قبل نهاية العام بشهر على الأقلّ، وهو حدث اختيار رجل العام من قراء ومتابعي هذه الوسائل الإعلامية، والحدث يبقى حياً لأشهر بعد بدء العام الجديد، وغالباً ما يرتبط الاختيار باسم الوسيلة الإعلامية وحجم شهرتها ليصير بمثابة الاختيار المتداول، وقد دأبت مجلة التايم على تقديم استطلاعها لاختيار شخصية العام كحدث عالمي بامتياز، وتتعامل معه وسائل الإعلام العالمية باحترام.
– منذ العام 1927 ابتكرت مجلة التايم الحدث وواظبت على تنظيمه سنوياً، وقد تناوبت عليه منذ ذلك التاريخ لثلاث سنوات شخصيات اجتماعية أميركية، لندبرغ قائد الطائرة الأول، وكرايسلر مبتكر السيارة التي نعرفها، ويونغ الذي صاغ التسويات المالية للحرب الأولى، ليكون السياسي الأول المهاتما غاندي الذي يحتلّ المركز الأول لشخصية العام 1930، ويليه لسنوات طوال رؤساء الغرب من رئيس وزراء فرنسا لافال إلى روزفلت وأيزنهاور وهتلر والملكة إليزابيت وتشرشل وترومان وصولاً إلى دوقة وندسور وجون فوستر دالاس وديغول وكينيدي، ويخترق اللائحة ستالين وخروتشوف ويعود جونسون ونيكسون وكيسينجر، ويخترق الناشط الأسود مارتن لوثر كنغ العام 1963، وقبله البابا يوحنا بولس الثالث والعشرون 1962، وبعدهما العربي الوحيد الملك فيصل بقرار حظر النفط العام 1973 ليحتلّ منصب رجل العام للعام 1974، ثم يتناوب ريغان وكلينتون وجورج بوش الأب والابن مجدداً وبينهم أكينو رئيسة الفيليبين وغورباتشوف ودنغ هسياو بنغ كإصلاحيين للنظام الشيوعي أحبّهما الغرب.
– في العام 2006 الذي شهد حرب تموز على لبنان بعدوان «إسرائيلي» مشهود كان موضع دعم وتأييد ورهان من واشنطن إلى الرياض وأنقرة وباريس ولندن والقاهرة، وخرجت المقاومة بقيادة السيد حسن نصرالله بمعجزة الانتصار، غاب اسم السيد نصرالله عن الاستطلاع الذي تجريه التايم ليفوز منشئ موقع ويكيليكس وليبرز اسم الرئيس فلاديمير بوتين في العام 2007، العام الذي يسجل الرجل الذي لمع اسمه في العام 2006 ويعود الرئيس باراك أوباما للعامين 2008 و2012 والربيع العربي للعام 2011 والبابا فرنسيس للعام 2013.
– في استطلاعات جانبية برز اسم السيد نصرالله رجل العام 2007 وفقاً لاستطلاعات الصحافة «الإسرائيلية»، وبرز اسم كل من رجب أردوغان والرئيس عبد الفتاح السيسي كمتقدّمين في السباق على صفحات التايم قبل حسم الفائز.
– بقياس صناعة الحدث، فالعام 2014 يختتم مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة قبل ربع قرن، وهي مرحلة الفوضى السياسية والعسكرية والأمنية التي اجتاحت العالم حتى حطت رحالها في سورية وكانت الحرب التي غيّرت وجه العالم، وسواء كان العالم الذي شنّ هذه الحرب مذعوراً اليوم مع ظهور «داعش» أو في حالة إنكار للفشل والتسليم بنصر سورية، أو في طريق الانخراط في التسويات والحلول التفاوضية، فإنّ رجلاً غيّر وجه العالم هو الرئيس بشار الأسد.
– لا نعلم إذا كانت التايم قد قدمت الرئيس الأسد في سباقها مع شرح مشابه لما فعلته لمفهوم رجل العام في تقديمها لأمير «داعش» أبي بكر البغدادي، بالقول إنّ اختيار شخصية العام لا يعني تأييد أو معارضة مواقف وأفكار الشخصية المنتقاة بل حجم تأثيرها، لكننا نعلم أنّ الرئيس السوري بشار الأسد بمعايير البصمة التاريخية، هو من يسدل الستار على حقبة ربع قرن من الفوضى نحو استيلاد نظام عالمي جديد استثمرت لبلورته روسيا والصين وإيران على صمود سورية، ونظام إقليمي جديد تراجعت فيه مكانة «إسرائيل» وتركيا والسعودية، الثلاثي الذي خيّم بظلاله لنصف قرن فوق الشرق الأوسط، ليتقدّم حلف المقاومة كلاعب محوري حاسم وصانع أول للسياسة.
سيريان تلغراف