في مشهد يذكّر بالانفجارات، التي كانت تقع في العراق بعد الغزو الاميركي لهذا البلد في العام 2003، دمر انفجاران قويان أمس حياً في دمشق وأوقعا عشرات القتلى ومئات الجرحى، ما دفع مراقبين إلى الحديث عن «عرقنة» سوريا، ولا سيما بعد تكاثر موجة التفجيرات في الفترة الأخيرة، وإضفائها أجواء ذعر في العاصمة السورية
قتل 55 شخصاً وجرح ما لا يقل عن 370 شخصاً في انفجارين هزا دمشق صباح أمس، في واحد من أعنف الهجمات التي تشهدها سوريا منذ اندلاع الاحتجاجات قبل اكثر من عام، ما دفع رئيس بعثة المراقبين الدوليين روبرت مود إلى دعوة «الجميع في سوريا وخارجها» للمساعدة على وقف أعمال العنف، لتليه موجة من الادانات العربية والدولية، فيما حمل المجلس الوطني السوري المعارض النظام مسؤولية التفجيرين.
وأعلنت وزارة الداخلية السورية أن الانفجارين «الارهابيين الانتحاريين» أوقعا 55 قتيلاً و372 جريحاً من المدنيين والعسكريين و15 محفظة لأشلاء مجهولة، مشيرةً إلى أن كمية المتفجرات المستخدمة تبلغ اكثر من الف كيلوغرام. كما أشارت إلى أن الانفجارين وقعا بنحو شبه متزامن قرابة الساعة الثامنة جنوب دمشق اثناء توجه الموظفين الى أعمالهم والطلاب الى مدارسهم.
ووسط دمار هائل بعد الانفجارين، أخذ المسعفون بملء اكياس من النايلون ببقايا جثث متناثرة فيما بدا الذهول على كثيرين. ووسط سيارات لا تزال تحترق، قام مواطنون بالتفتيش عن أقربائهم. وقال رجل، في موقع التفجيرين، «مسكينة سوريا، مساكين نحن»، فيما صرخ آخر «ابن عمي… أريد أن أعرف ما حصل لابن عمي». ووسط الساحة التي سادها الدمار والخراب، صرخ رجل «هل هذه هي الحرية التي تريدون؟»، وقال آخر «إنها هدايا (رجب طيب) اردوغان وحمد (بن خليفة ال ثاني)»، أي رئيس الوزراء التركي وامير قطر.
وتبنت «كتيبة أبي عبيدة عامر بن الجراح» التابعة للجيش السوري الحر، عبر صفحتها على «فايسبوك»، العملية الارهابية. وجاء في التعليق «تفجير فرع فلسطين بسيارتين مفخختين وعملية نوعية»، قبل أن يتم حذف هذا التعليق لاحقاً، فيما سارع المجلس الوطني السوري الى اتهام النظام بتدبير انفجاري دمشق. وقال المجلس، في بيان، انه «يدين التفجيرات التي طالت الابرياء في دمشق ويؤكد أن مثل هذه التفجيرات بالقرب من المراكز الامنية لا يمكن أن يقوم بها إلاّ النظام والقوة الكبيرة للانفجار تؤكد ضلوعه بهذه الجريمة». وأكد البيان أن «من ضحايا التفجير من أسماؤهم موثقة كسجناء لدى النظام حيث يقوم النظام بسرقة جثث الشهداء ووضعها في أماكن التفجيرات مدعياً أنهم ضحايا التفجيرات الارهابية، وهو بذلك يسعى إلى اثبات ادعائه وجود تنظيم القاعدة في سوريا».
وأثناء زيارة موقع الانفجارين، أطلق رئيس فريق المراقبين الدوليين العاملين في سوريا «اليونسميس»، الجنرال روبرت مود، نداء «للجميع في سوريا وخارجها الى المساعدة على وقف اعمال العنف» في سوريا. وأضاف مود في تصريحات للصحافيين«هذا مثال آخر على ما يعانيه الشعب السوري من اعمال العنف. لقد شاهدنا هذه الاعمال في دمشق وفي مدن وقرى أخرى في سوريا». ومع وصول الجنرال النرويجي الى مكان الاعتداءين، تجمع عشرات الاشخاص حوله، وهتف هؤلاء «بالروح بالدم نفديك يا بشار»، تعبيراً عن دعمهم للرئيس السوري.
وعلى إثر هذه التطورات، بعثت وزارة الخارجية السورية رسالتين متطابقتين إلى كل من رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، اعتبرت فيهما أن التفجيرين الارهابيين يؤكدان أن «سوريا تتعرض لهجمة إرهابية تقودها تنظيمات تتلقى دعماً مالياً وتسليحاً من جهات أعلنت تأييدها لهذا الجرائم الإرهابية والتشجيع على ارتكابها، كما تقف خلف هذه الأعمال الارهابية أجهزة إعلامية تحريضية معروفة تدعو إلى اقتراف المزيد من هذه الجرائم وتبررها وتقدم لها الدعم الاعلامي».
وأكدت الخارجية السورية ان «المجموعات الإرهابية المسلحة لم تكتف بانتهاك خطة المبعوث الخاص (كوفي أنان) والتفاهم الأولي الذي تم التوصل اليه، بل إنها اعتدت على موكب رئيس بعثة المراقبين ومرافقيه عندما كانوا في طريقهم الى محافظة درعا لتنفيذ مهامهم». وتابعت «ولم تنكر المجموعات الارهابية ارتكابها لهذه الجرائم بل أعلن قادتها على مختلف مستوياتهم وولاءاتهم انهم سيستمرون بارتكاب اعمالهم الارهابية وعزمهم على متابعة انتهاكهم لخطة انان، ويحمّلون مسؤولية ما يحدث لحكومة الجمهورية العربية السورية بهدف حماية الارهاب ودعماً لتلك المجموعات التي تعمل على افشال مهمة المبعوث الخاص والاستمرار في سفك دماء السوريين الأبرياء». وأضافت الوزارة «برهنت سفينة (لطف الله 2) التي اوقفها الجيش اللبناني على قيام ليبيا وتركيا، بالتعاون مع دول أخرى، بإرسال أسلحة فتاكة إلى المجموعات الإرهابية لممارسة القتل والدمار». وأشارت الى ان سوريا «تؤكد على اهمية قيام المجلس باتخاذ اجراءات ضد الدول والأطراف وأجهزة الاعلام التي تمارس الارهاب وتشجع على ارتكابه».
في المقابل، أعلن سفير اذربيجان في الامم المتحدة، اقشين مهدييف، أن مجلس الأمن أصدر بياناً باجماع اعضائه استنكر فيه «بأشد العبارات الهجمات الارهابية التي وقعت في دمشق». وأكد المجلس أن «الارهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل واحداً من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، وأن أي أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية وغير مبررة بغض النظر عن دوافعها».
وجاء بيان مجلس الأمن بعد جلسة تطرقت إلى الحرب العالمية ضد الارهاب، وأكد خلالها المندوب السوري الدائم لدى الامم المتحدة، بشار الجعفري، أن هناك زيادة في «حجم وتواتر الأنشطة والعمليات الارهابية في سوريا» منذ الاتفاق على وقف اطلاق النار. واتهم الجعفري «بعض الدول العربية، والدول الإقليمية والدولية» بارسال المقاتلين والأموال والأسلحة إلى «جماعات ارهابية» في سوريا، داعياً مجلس الامن «لاتخاذ الإجراءات اللازمة فوراً من أجل وقف جميع الانشطة الارهابية التي تجري في سوريا وممارسة أقصى قدر من الضغط على الدول التي تقوم بتسهيل وتمويل وتحريض الجماعات التي ترتكب هذا الارهاب».
وفي السياق، دان مبعوث الامم المتحدة الى سوريا، كوفي انان، الهجمات التي تعرضت لها دمشق. ونقل المتحدث باسمه، احمد فوزي، عن انان قوله «هذه الاعمال المشينة غير مقبولة ويجب أن يتوقف العنف في سوريا».
دولياً، اعتبر المتحدث باسم البيت الابيض، جاي كارني، أن «مثل هذه الهجمات التي تؤدي إلى القتل العشوائي للمدنيين وإصابتهم تستحق الشجب، ولا يمكن تبريرها»، مشدداً على أنها «تذكرنا أيضاً بالضرورة الملحة للتوصل إلى حل سياسي قبل فوات الأوان». وفيما قال كارني «لا نعتقد أن (هذا) النوع من الهجمات التي شاهدتموها في دمشق تعبر عن المعارضة»، أشار إلى أنه «يوجد بوضوح عناصر متطرفة في سوريا، كما نقول دوماً، تحاول استغلال الفوضى في البلاد.. الفوضى التي تسبب فيها هجوم الأسد الوحشي على شعبه.»
من جهتها، دعت الصين إلى جانب روسيا جميع الاطراف في سوريا إلى «وقف العنف». ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، قوله رداً على سؤال بشأن الهجومين في مؤتمر صحافي في بكين «يفعل بعض شركائنا الاجانب أموراً عملية حتى يتفجر الوضع في سوريا بالمعنى الحرفي والمجازي. أقصد تلك التفجيرات». ولم يحدد دولة بالاسم واكتفى بالاشارة إلى دول تشارك في محاولة تعزيز هدنة هشة. ونقلت وكالة الاعلام الروسية ووكالة انترفاكس عن لافروف قوله «زعماء المجتمع الدولي لهم تأثير عليها (الجماعات المسلحة). يجب ان يستغلوا نفوذهم من أجل الخير لا الشر».
من جهته، اعتبر الاتحاد الاوروبي أن عودة العنف الى سوريا يجعل مهمة كوفي انان «اصعب لكن اكثر اهمية ايضا». وقال المتحدث باسم الدبلوماسية الاوروبية مايكل مان، إن خطة انان «تبقى افضل طريقة للتقدم» نحو حل للأزمة السورية. وقال برنار فاليرو، المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رداً على سؤال حول التفجيرين، ان «النظام يتحمل المسؤولية الكاملة في الفظاعات التي تشهدها سوريا».
وحثّ وزير الخارجية البرياطني وليام هيغ، الحكومة السورية على «التنفيذ السريع والكامل لالتزاماتها في إطار خطة أنان ذات الست نقاط»، ودعا المعارضة السورية إلى «اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للتوصل إلى نهاية دائمة للعنف». وقال الامين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، إن تفجير سوريا يهدف الى افشال بعثة الامم المتحدة،.
إلى ذلك، اجرى الرئيس اللبناني ميشال سليمان اتصالاً هاتفياً مع نظيره السوري بشار الأسد. وقال بيان رئاسي ان سليمان اعتبر خلال اتصال مع الأسد ان «السبيل الوحيد والأمثل (لبلوغ الديمقراطية) هو الجلوس الى طاولة الحوار».