في الوقت الذي تستعجل فيه موسكو جمع ممثلين عن السلطة السورية والمعارضة حول طاولة واحدة على أراضيها قريبا، يعمل المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا على تسويق خطته لتجميد القتال في حلب، والتي تستنسخ الكثير من تجربة الحرب اللبنانية.
فعلى جبهة تجميد القتال في حلب، والاقتراح الذي قدمه دي ميستورا ووافق عليه الرئيس السوري بشار الأسد، بانتظار أن يبلور خطة ناجزة، يحمل في 13 كانون الأول الحالي مساعده رمزي عز الدين إلى دمشق، خلاصة مشاورات، أجراها فريق عمله خلال ثلاثة أيام عقدت الأسبوع الماضي في جنيف للاتفاق على ملامح خطة لحلب، وساهم في وضعها خاصة ديبلوماسي سويسري من أصل لبناني.
وكانت أيام المشاورات الثلاثة في جنيف قد انتهت إلى تطوير «تجميد حلب»، والتوسع في ترجمة الاقتراح عبر بعض الإجراءات العملية التي تستوحي الكثير من خطة تحييد بيروت خلال الثمانينيات، وفتح المعابر بين شطريها الغربي والشرقي في العام 1984. وبديهي أن تجميد القتال، في الخطة التي سيسلمها عز الدين للخارجية السورية الأسبوع المقبل، يعني وقف إطلاق النار، وبقاء السلاح والمسلحين عند خطوطهم الحالية لمدة ستة أشهر في المرحلة الأولى، قابلة للتمديد.
لكن حدود مناطق التجميد ستكون مدار بحث في اللقاءات المقبلة. ويقول ديبلوماسي غربي يواكب الحوار مع المعارضة المسلحة في حلب إنها قد تفضل تجميد القتال في حلب الكبرى، التي تضم جزءاً كبيراً من أرياف المدينة. ومن الصعب أن تقبل هذه بتجزئة وقف إطلاق النار، بين المدينة وريفها، ولا تحاول الاستفادة من فرصة استعادة الأنفاس التي يمنحها تجميد القتال، خصوصا أنها تعرضت لاستنزاف وخسائر كبيرة في الأشهر الماضية، مع تقدم الجيش السوري لمحاصرتها في شرق المدينة.
وكان رامي شحادة، من مكتب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان، وشكيب الريس، الديبلوماسي العامل مع دي ميستورا، قد التقيا قبل أسبوعين في غازي عينتاب ممثلين عن «جيش المجاهدين»، وكتائب «نور الدين زنكي»، و»أحرار الشام»، و»لواء التوحيد»، وجماعات حلبية محلية، لإبلاغها فكرة تجميد القتال في حلب، من دون أن تعترض عليها، طالبة المزيد من التفاصيل قبل أن تقرر موقفاً نهائياً. والراجح أن تقول رأيها عندما تستمع مجددا لدي ميستورا نفسه الذي يلتقيها مجددا في غازي عينتاب غدا الأحد.
ويرجح مقربون من دي ميستورا أن تتمدد خريطة التجميد نحو الريف، لسهولة بناء خط وقف لإطلاق النار حول المدينة، أو منطقة فصل بين المتحاربين في الريف الحلبي، فيما يصعب وضعها موضع التنفيذ في قلب التجمعات السكنية المزدحمة ومراقبة تحركات المسلحين وسط الكتل الخرسانية المدمرة.
ويحمل عز الدين جواباً عن سؤال الرئيس بشار الأسد لدي ميستورا عن آليات مراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة المجمدة، باقتراح يشابه ما عرفه اللبنانيون، من إنشاء لجان أمنية مشتركة من مسلحي المعارضة والجيش السوري، ينضم إليها مراقبون من الأمم المتحدة. وفي هذا السبيل، فإنه من المتوقع دراسة اقتراح بإحياء بعثة مراقبي الجنرال روبرت مود الدولية المنحلة، وإشراكهم في عمليات المراقبة.
وتتضمن العملية أيضا، بعد وقف إطلاق النار، إعادة الخدمات في المدينة، وهو أمر سيواجه صعوبات كثيرة، خصوصا أن «جبهة النصرة»، التي ترفض التجميد تسيطر على محطة المياه في سليمان الحلبي، كما أن المحطة الحرارية الكهربائية في حلب تعمل بإمرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش».
وسيعرض عز الدين على السوريين اقتراحات بفتح المعابر بين حلب الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، وحلب الغربية التي لا تزال بيد الجيش السوري. وتذهب اقتراحات دي ميستورا إلى عدم الاكتفاء بمعبر بستان القصر، أو الكاراج، وفتح أكثر من معبر بين شطري المدينة، وتخصيص بعضها لمرور المساعدات الإنسانية أو المرضى والجرحى.
ولا تزال مشكلة إغلاق خطوط الإمداد التركية من دون أي جواب، إذ سيكون صعباً تجميد القتال مع استمرار الأتراك بفتح خطوط الإمداد مع المدينة، عبر باب الهوى، وتجاهل ضرورة الالتزام بتطبيق قراري الأمم المتحدة 2170 و2178، اللذين يلزمان الدول المجاورة بمنع مرور السلاح والمسلحين إلى سوريا. ولن يكون لدي ميستورا بأي حال فرصة التحدث إلى الأتراك بضرورة تنفيذ التزاماتهم ما دام لم يلتق من المسؤولين الأتراك في الماضي من هو أعلى رتبة من الأمين العام لوزارة الخارجية التركية، فيما يرفض وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو استقباله، بسبب عدم رضى أنقرة الواضح عن المشروع الأممي الذي يعرقل خطتها لفرض منطقة عازلة في الشمال السوري.
كما أن الوسيط الأممي لم يجد باباً خليجياً واحداً مفتوحاً لاستقباله منذ بدء مهمته. فقد اقتصر لقاؤه الخليجي الوحيد على ساعتين من الحوار مع وزير الخارجية القطري خالد العطية في الدوحة قرب المطار. أما وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل فلا يزال يرفض، حتى اليوم، مجرد تحديد موعد للتحدث إلى الوسيط الدولي.
ومن دون حل سياسي يرافق «حلب أولاً» يخاطر السوريون بقبولهم بفكرة الديبلوماسي الدولي ببناء «بقع» مستقلة من الإدارات الذاتية داخل المدن المجمدة، إذا ما توسع إلى مدن أخرى، ليتحول إلى شبه كيانات مستقلة، وتقسيم الأمر الواقع لسوريا.
ويقول مصدر ديبلوماسي إن الحكومة السورية لن تؤيد، من قبيل الحذر، وجود مراقبين دوليين في المناطق المجمدة، خوفاً من تحويلها إلى محميات دولية، خصوصا أن مشاركة المراقبين يحتاج إلى قرار دولي تحت الفصل السادس. وكان السوريون قد وافقوا في الماضي على بعثة الجنرال روبرت مود، عندما كان ميزان القوى يميل لغير مصلحتهم في الأعوام الأولى للحرب، وتحت ضغوط ديبلوماسية دولية وعربية، ولقناعتهم بأن الهدنة آنذاك ستفضي إلى مصالحة، أو تسوية محلية.
وعلى الصعيد السياسي، يحاول الروس إقناع المعارضة السورية والخارجية السورية بلقاء ينظم في موسكو في 19 كانون الأول، ويلي اجتماعاً تعقده شخصيات من المعارضة السورية في 17 أو 18 الشهر الحالي. ولا يزال تحديد موعد نهائي لهذا الاجتماع يرتبط بجواب من الخارجية السورية على الأفكار الروسية.
ويتمتع الاقتراح الروسي، بدعم أميركي، يترك الروس يختبرون ما عجزوا عن إنجازه في جنيف، وجمع المعارضة والنظام حول طاولة واحدة، والتوصل إلى بناء عملية سياسية. ويجزم معارض سوري، يتابع الملف عن كثب، أنها ليست خطة روسية جديدة، بل هي خطة «جنيف واحد» نفسها بقراءة أكثر مرونة من القراءة الحرفية التي تبناها المبعوث السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي والأميركيون في الماضي، وأكثر استجابة لميزان القوى الحالي وخطر «داعش»، مع الأخذ بالاعتبار أن الحسم العسكري في الحرب السورية، ليس في متناول أي طرف.
وتقول مصادر ديبلوماسية إن الأميركيين قد وعدوا الروس بفتح قنوات تواصل ديبلوماسي مع دمشق، عندما تتقدم العملية السياسية، باتجاه الهيئة الانتقالية، وفي سياق التوسع في استراتيجية مكافحة الإرهاب، واعتبارها أولوية السياسة الأميركية، خصوصا بعد فشل واشنطن في إيجاد معارضة سورية خارجية وازنة، وتوحيد صفوفها. وعدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، لائحة تدعم الأفكار الروسية، تضم الخارجية الأوروبية والأميركية والأمم المتحدة.
ويغني التوافق على القراءة الروسية لجنيف المعارضة، إذا ما وافقت عليها، عن عقد أي مؤتمر مسبق للتفاهم على عناوين اللقاء والمفاوضات مع وفد حكومي سوري.
إذ من المفترض أن يأتي الجميع إلى موسكو، على حسابهم أولا تأكيداً للجدية، مع الموافقة على ما طرح عليهم خلال الاتصال بهم. فالبحث في الهيئة الانتقالية لن يكون نقطة البحث الأولية، لكنه سيبقى على جدول الأعمال، كما أن جدول الأعمال لن يتضمن نقطة البحث بتنحية الأسد، فضلا عن أن إعادة هيكلة قيادة الجيش، أو الأجهزة الأمنية سيقتصر على إعادة من انشقوا عنه في السنوات الماضية، ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء، ولم يشاركوا في الحرب ضده.
وتقول مصادر عربية إن المعارضين قدري جميل ومعاذ الخطيب ورندة قسيس، يتولون الاتصال ببعض المعارضين، لتوحيد الرؤية حول اجتماع موسكو. وعلى العكس من مؤتمر جنيف ينحو الروس، والتطورات بشأن مسار الحرب، إلى ترجيح حضور المعارضة الداخلية السورية في أي عملية سياسية، على حضور المعارضة الخارجية، لا سيما «الائتلاف السوري»، الذي ستدعى شخصيات منه إلى الحضور، إذا ما توصلوا إلى توافق في ما بينهم. وتشكل المعارضة الداخلية نقطة الارتكاز المقبلة للعملية السياسية، من «جبهة التغيير السلمي»، فـ»تيار بناء الدولة»، إلى «هيئة التنسيق»، فالمنشقين عن «الائتلاف»، وشخصيات وطنية متنوعة، العمود الفقري لهذه العملية. وتمتاز هذه التيارات بتوافقها على نبذ العسكرة والطائفية والتدخل الخارجي.
سيريان تلغراف | السفير