بهذه المرحلة تحديدآ وبعد الكم الهائل من الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وبدعم من قوى المقاومة «حزب الله» ابتداءً من معارك تحرير القصير بصيف 2013 الى معارك تحرير القلمون بربيع 2014… ومن الطبيعي ان تشكل جملة هذه الانتصارات بالميدان العسكري السوري حالة هستيريا وجنون للكثير من قوى التيار الآخر المعادي للدولة السورية ولقوى المقاومة بالمنطقة، فهم بعد الانتكاسات المتلاحقة التي لحقت بهم والهزائم بالميدان العسكري وجملة الانتصارات للدولة السورية بالميدان العسكري والسياسي «قررو بلحظة يأس ان يصبو جام غضبهم على حزب الله، وبهذا وجد الحزب نفسه من جديد ضمن معادلة «مركبة الأهداف والعناوين» فهو اليوم مستهدف داخلياً وخارجياً».
ففي هذه المرحلة المفصلية التي تعيشها المنطقة وفي ظل هذه الهجمة الشرسة من بعض الكيانات الوظيفية بالمنطقة وبدعم من مشغليهم بالغرب، على قوى المقاومة بالمنطقة بات واضحاً وبدون أدنى شك ان هناك قوى داخلية في لبنان وخارجه تسعى لضرب حزب الله وبمساعدة اقليمية – دولية وبمحاولة الوصول الى قرار اقليمي – دولي يسعى لضرب منظومة الحزب واستغلال الوضع اللبناني الداخلي وما يحمله من أزمات متراكمة وملفات معقده سهلة الحل أن وجد قرار وطني حر لبناني – ولكن لكثرة وتعدد المرجعيات الإقليمية والدولية نرى اليوم هذه الملفات تتحول تدريجياً الى ازمات قد تعصف بالدولة اللبنانية بأي وقت.
فبهذه المرحلة دخل عامل جديد الى ارض لبنان وهو الإرهاب التكفيري ضرب ببيروت بعرسال بطرابلس بصيدا بالهرمل بعلبك والخ وآخر فصوله كانت عرسال اللبنانية المحاذية للحدود السورية من جهة القلمون المحرر, فالآن ببساطة نستطيع أن نفهم أن هذا الارهاب التكفيري الذي ضرب لبنان ومازال من شماله لجنوبه وشرقه لغربه ليس ارهاباً من أجل الارهاب فقط بل هو أرهاب من نوع آخر، هل ارهاب من اجل الوصول الى مكاسب سياسية في لبنان؟ الوضع مختلف والمعادلة بسيطة تفجير أرهابي ببيروت يحمل عدة رسائل لكل الأطراف المتنازعة وقد يكون الانفجار مدبر لإيصال رسائل الجميع للجميع وهنا يمكن القول ان الارهاب بلبنان أصبح مشرعن من قبل البعض بل وأصبح ضرورة لإيصال رسائلهم لبعضهم البعض.
وهنا فمن الطبيعي الآن ان نرى ان حزب الله يتعرض الى هجمة سياسية وامنية شرسة وما تبع ذلك من التحريض عليه شعبياً بشكل غير مسبوق وخصوصاً من قوى «14 آذار» وبالتحديد تيار المستقبل وادواته الاعلامية , وكيف وجهت له اصابع الإتهام بأنه يجر لبنان الى دائرة النار الاقليمية وكيف أن الحزب هو السبب بأحداث عرسال الأخيرة وأنه هو السبب بعمليات الاغتيالات وسلسلة التفجيرات التي عصفت بلبنان بالفترة الاخيرة – والسؤال هنا؟؟ هل هؤلاء يتناسون عمداً وقصداً انهم هم اول من تدخل بسوريا منذ بداية الازمة وملف المدعو «بعقاب صقر» المحسوب على تيار المستقبل ودعمه وتسليحه للإرهاب من تركيا وتسهيل دخوله الى سوريا مازالت ذاكرة الكثيرين تحتفظ به ولن تنساه.
والحزب نفسه يعي حقيقة هذه المؤامرة الداخلية ومحاولة هذه القوى بتوريط الحزب في واقع معين يرسمونه هم بهدف عملية استنزاف تمتد لفترات ومراحل متعددة ومن خلالها وفق خطههم هذه انهم يستطيعون هم ان يضعفوا قدرات الحزب وهذا بمجمله وفق خطههم الدراماتيكية سوف يقود الحزب الى طريق يصل من خلالها الى وضع يتم من خلاله حصر الحزب «وتطويقه بدائرة ضغط كبرى» بحيث يتم العمل بعد عملية الاستنزاف هذه على جلبه لاحقاً الى طاولة التنازلات وعليه سيكون لاحقاً جزء من منظومة الحل وملفات التسويات المذلة الكبرى بلبنان والمنطقة بشكل عام بالمرحلة المقبلة.
وهنا فمن الطبيعي عندما نتحدث عن لبنان ان نذكر قوى الاقليم لأن الكثير من هذه القوى المعادية لقوى المقاومة في لبنان لديها مراجعياتها الاقليمية والدولية التي تتماهى مع المشروع الصهيو – امريكي بالمنطقة.
وإذا تحدثنا عن اكبر داعم سياسي ولوجستي لقوى (14) آذار فأول من يظهر على الساحة السياسية والمرجعية لهذه القوى هي السعودية، فقد اعتبرنظام «آل سعود» أن الحزب بتدخله بسوريا افسد عليهم نشوة الانتصار وفق ما يقولون «واهمين» ولهذا قرر نظام «آل سعود» ان عقاب الحزب على تدخله بسوريا؛ هو استنزافه في الداخل اللبناني ووفق رؤيتهم ان توريط الحزب بملفات داخلية تتعلق بأمن المجتمع اللبناني والحواضن الاجتماعية للحزب ككل هو أفضل ضربة توجه للحزب عقاباً له على مشاركته بالازمة السورية وفق رؤيتهم.
اما المرجعية الكبرى بالمنطقة لهذه القوى وهو «الكيان الصهيوني» فينظر إلى انه يجب إضعاف الحزب داخلياً وتحديداً في الحواضن الشعبية والقواعد الشعبية للحزب في الداخل اللبناني والاستمرار بضربه حتى يصل الى مرحلة يعلن فيها الموافقة على مسار تسويات مذل لم يكن يقبل حتى بفكرة طرحها للنقاش سابقاً ووفق رؤية الساسة والعسكر الصهاينة أن هذه الاستراتيجية هي الخطة الافضل للوصول إلى المواجهة الكبرى والتي ستضمن الحسم الصهيوني في أي معركة مستقبلية ستكون مع الحزب.
دولياً فحلفاء قوى «14 آذار» من أمثال صناع القرار في امريكا وفرنسا فيعتقدون ان هذه المرحلة هي المرحلة الافضل وأن الفرصة مواتية اليوم لوضع الحزب «بدائرة ضغط الكبرى وتطويقه داخلياً وإقليمياً»، في محاولة لجعل حلفائهم قوى «14 آذار» يستعيدون زمام المبادرة داخلياً عبر أدوات متعددة إعلامية وسياسية وبدعم من دول اقليمية، وأحداث عرسال الأخيرة خير شاهد على ذلك.
حزب الله بدوره يعرف مسار هذه المؤامرة الكبرى التي تستهدفه من اطراف داخليةً وإقليميةً ودولية فالحزب يعي اليوم وأكثر من أي وقت مضى ان لبنان اصبح ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات اغتيالات وتفجيرات وانتشار للجماعات الإرهايية – فالمناخ العام للقوى المعادية له داخلياً وإقليمياً ودولياً بدأ يشير بوضوح إلى أن حزب الله بات هدف لهذه القوى، وهنا حاول الحزب قدر الامكان تقديم مبررات ومعادلات الامن الذاتي والمبادئ الاخلاقية والحسابات المستقبلية لتوسع نفوذ وقواعد الجماعات الارهابية التي نشرت قواعدها بالقرب من الحدود اللبنانية – السورية كسبب منطقي لدخوله بقوة الى ساحة المعركة على الارض السورية.
وبالنهاية, فان محاولات تطويق حزب الله ,تأخذ المنطقة برمتها الى المجهول والسؤال هنا هل يرتبط هذا المجهول تحديدا بما يخص لبنان – بما يتردد حول سيناريو تكثيف عمليات جبهة النصرة وداعش بالداخل اللبناني مما سينعكس على تكثيف حالات الاغتيالات للساسة والعسكر بلبنان، وما سينعكس بعد ذلك بمواجهة داخلية بين الفرقاء بلبنان، مما سينعكس على استمرارفوضى تأخير استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، ام سنرى قريبا عملية عسكرية صهيونية واسعة بالداخل اللبناني، لدفع الامور نحو واقع معين جديد في المنطقة بعد انكسارهم بغزة؟ المرحلة صعبة والتأكيدات لما سيجري من عمليات قيصرية بالمنطقة بالمرحلة المقبلة هو مازال مجرد تحليلات وتكهنات لأنه لم يعد يأخذ منحى عابرا كما يتحدث البعض، ففي خفايا مايدور وراء الكواليس هناك تأكيدات حول تطورات دراماتيكية سيعيشها لبنان بالمرحلة المقبلة كجزء من حالة الاستقطاب بالمنطقة وحالة الفوضى المتوقعة مستقبلاً بالأقليم ككل ……
سيريان تلغراف | هشام الهبيشان
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)