تتفاقم معاناة النظام السعودي جراء النكسات السياسية والعسكرية التي عاشها، بعد المغامرات غير المحسوبة التي خاضها وأدت إلى اصطدامه بقوى أكثر مناعة منه في كل المجالات، وراح يفتح النار على الخارج كي يرضي جبهته الداخلية التي ينخر الإرهاب أعماق أعماقها. فالداخل السعودي يتفسخ بسرعة، وسط غياب قيادة قادرة على تجديد الوحدة السياسية والدينية، بهدف استعادة زمام المبادرة. ولكي تستطيع العائلة الحاكمة أن تمارس دوراً فاعلاً في هذا المجال، لا بدّ لها في الأساس من أن تظهر صلابة قيادية، لا يبدو أنها قادرة عليها في هذه الظروف، ولو من حيث المظهر.
السعودية ليس لديها وليّ عهد قوي، فالأمير سلمان بن عبدالعزيز أكثر اعتلالاً صحياً من الملك عبدالله نفسه، كذلك الأمر بالنسبة إلى عميد الدبلوماسية الخارجية، سعود الفيصل، الذي يواصل عمله منذ عقود من دون كلل، فلم يوصِ بولي عهد بعد. أما القوات المسلّحة فمشتتة بين جيش وحرس وطني، وأمراء السياسة يتنازعون من حي إلى حي، ومن مدينة إلى مدينة، الأمر الذي يسمح بتغلغل التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة «خليفة المسلمين» المزعوم، أبو بكر البغدادي. فيكفي إلقاء نظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليرى المرء مدى تطرف الشباب السعودي وانبهاره بإنجازات «داعش»، وليدرك عمق الأزمة.
الرياض تخسر العقول كما خسرت القلوب لمصلحة «داعش» و«القاعدة»، وهي تواجه الكثير من الاستحقاقات وأبوابها مشرعة على كل الاحتمالات والمخاطر. ولم تعد المؤسسة الدينية الداعمة للملك تستطيع قراءة خطاب القيادة السياسية، بعد تصنيف تنظيمات دينية ذات وزن وتاريخ بأنها إرهابية، وعلى رأسها «الإخوان المسلمون.”
على حدودها الجنوبية مع اليمن، تقف القيادة السعودية أمام مجموعة إشكالات؛ فهناك تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية»، الذي يضم الكثير من السعوديين الفارين، وله أذرعه داخل المملكة، وهو يشكل خطراً داهماً لا يمكن تجاهله. هذا إضافة إلى أن هزيمة الحوثيين على يد «القاعدة» وتنظيمات إسلامية سنية متطرفة، تهدد أمن المملكة أكثر من تهديد تحالفهم مع إيران لها. شرّان أحلاهما مرُّ.
بالتالي ليس من مصلحة الرياض أن تلحق الهزيمة بالحوثيين، ولكن الوقوف مع الحوثيين أو دعمهم بمجرد غضّ الطرف، له تبعاته المكلفة على المملكة، في الأجواء الإسلامية السنيّة الشديدة التطرف السائدة في المنطقة. فالمتطرفون سيفسّرون ذلك على أنه ضعف أو تنازل لإيران في منطقة حيوية جداً. وهذا الأمر سيزيد من وهن الخطاب السعودي المترهل، أثناء هذا المفصل التاريخي الحرج.
لذا تبقى السعودية مطالبة من الشرق والغرب بأن تقطع حبل السرّة بينها وبين التنظيمات الإرهابية التي غذّتها وأسّستها على مدى أربعة عقود، لأن خطرها تخطى كل الحدود؛ فـ«داعش» حطم الأسوار وبات في صحن الدار. إنه يهدد العرش الأردني والعروش الخليجية، التي تعجّل باتخاذ إجراءات استباقية عصبية، من المرجّح أن ترتد عليها في مستقبل غير بعيد. وأكبر تجليات ذلك، مبادرة الأنظمة الخليجية بفتح النار حتى على جمعيات دينية عريقة، مثل جمعية «الإصلاح» الكويتية التي تأسست في ستينيات القرن الماضي.
أما طبقة التجار في الخليج التي دفعت وخاضت الحروب مع الأنظمة عندما كانت متطرفة، فلن تقبل أن تدفع الثمن وحدها عندما ترتد الحكومات على أعقابها. تتمتع هذه الطبقة بقدرات الدفاع عن نفسها، عندما تأتي الإشارة بسلخها قبل الذبح.
أما على مستوى العلماء المتطرفين، فقد خلع الجميع قفازاتهم واتخذ الصدام بين علماء التكفير والبلاطات الخليجية طابعاً يذكّر بفصل الدين عن الدولة في أوروبا في القرون الغابرة، باستثناء أن الحكام ليسوا علمانيين. الصدام بات حتمياً.
على مدى أعوام، جُعلت سوريا قبلة الجهاد، ولكن قطع الدعم عن التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ومساعدة الحكومة العراقية على الانتصار على «داعش»، يعنيان بصورة حتمية انتصاراً لسوريا والعراق على التنظيمات نفسها. الساحات تداخلت، والتنظيمات واحدة، والسيّد الأميركي نفد صبره من ذلك التابع الذي ساءت أفعاله وحساباته.
أسلحة دمار شامل
في هذا الظرف، مطلوب من حكام الرياض الذين لم ينجحوا قط إلا في تدمير الدول، في المهلة الأخيرة الممنوحة لهم، أن يتولوا التخلّص من النفايات الإرهابية الكثيرة التي تهدّد ليس بارتكاب عمليات شيطانية في الدول الغربية وحسب، بل قد تذهب إلى أبعد مما يمكن أن يتصوره إبليس، بأن تخوض حروباً بيولوجية وكيميائية وربما قنابل نووية قذرة وإسقاط طائرات مدنية، ولا سيما أنها وضعت أيديها على أسلحة دمار شامل في سوريا والعراق.
وأيضاً، تتداول الأوساط الاستخبارية الغربية معلومات عن انضمام علماء ساخطين إلى صفوف الإرهابيين. هؤلاء قادرون على صنع مفاجآت سوداوية لا يعلم أحد حجمها أو أضرارها. وقد حذرت سوريا مؤخراً، في رسالة رسمية، من حيازة «داعش» غاز «في. أكس.» السام، كما قدمت صوراً لفتيات قاتلن في عين العرب، وتعرضن للتشويه بأسلحة كيميائية استخدمها إرهابيو «داعش”.
وفي مقابل ذلك، تريد السعودية، وهي تذبح نسلها الإرهابي في سوريا والعراق، أن تبدو أكثر تشدداً مع «أعدائها التاريخيين»، فهي في الوقت الذي تعمل فيه على التخلص من التنظيمات المتشددة العاملة في سوريا، إرضاءً للسيّد الغربي، تصدر حكم الإعدام بحق العلامة الشيعي، نمر النمر، بعدما كادت أجهزتها تقتله بثلاث رصاصات أثناء إلقاء القبض عليه وهو أعزل من كل سلاح.
إدراج «حزب الله» على لائحة الإرهاب
في هذا الإطار، يمكن فهم فتح النار على «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«فيلق أبي فضل العباس» في مجلس الأمن الدولي مؤخراً، على لسان مندوب السعودية الدائم في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي.
ولكن كما لوحظ خلال الأشهر الماضية، فقد تعمّد المعلمي في الجلسة نفسها فتح النار على إسرائيل، مطالباً بإدراج مستوطنين إسرائيليين على قائمة الإرهاب. وهذه المطالب تندرج في إطار تبادل الأدوار مع المندوب الإسرائيلي، في الهجوم والهجوم المضاد، لتعزيز موقع المملكة عربياً، خصوصاً بعد تحالفها مع مصر. وما يبرّر ذلك أيضاً هو أن النظام السعودي في حاجة ماسة إلى استدراج انتقاد الإسرائيلي، بعدما كثرت اجتماعات المسؤولين السعوديين مع المسؤولين الإسرائيليين، على مستوى الأمراء.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يطالب فيها المندوب السعودي بإدراج «حزب الله» على قائمة الإرهاب. فقد كانت السعودية وقطر ودول خليجية كالكويت والبحرين والإمارات قد قدمت مشروع قرار إلى اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والشؤون الاجتماعية، يدين «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«فيلق أبي فضل العباس» “للجرائم” التي ترتكبها في سوريا إلى جانب «داعش» و«النصرة» وكل التنظيمات المتطرفة، وفق مشروع القرار.
ومضى القرار إلى أبعد من ذلك، ليدين الحكومة السورية على استخدام أسلحة كيميائية، من دون الاستناد إلى تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في هذا الخصوص.
سيريان تلغراف | الأخبار