على وقع ازدياد وتيرة الإنجازات الميدانية المتلاحقة التي يسجّلها الجيشان السوري والعراقي، والتي بدت لافتة في الأسابيع الأخيرة، هزّت عملية أمنية “من العيار الثقيل”، أبطالها مقدسيان، شباك الأجهزة الأمنية في الكيان “الإسرائيلي”، عبر استهداف كنيس صهيوني في القدس المحتلة، حاصدة خمسة مستوطنين، بينهم الحاخام البارز موشيه طبرنسكي، وتسعة مصابين آخرين، حال معظمهم خطرة، لتخرق جدار مختلف أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” مرة أخرى، بعد فشلها في تقييم قدرات المقاومة الفلسطينية إبان العدوان “الإسرائيلي” الأخير على غزة، وبعد شهور من اغتيال “باروخ مزراحي”، الذي كان يرأس إحدى أهم قواعد التجسس الإلكترونية في “إسرائيل”، والذي أدرجه حينها خبراء ومحللون عسكريون “إسرائيليون” في سياق “الرد الاستخباري السوري” على اغتيال مدير الإدارة العامة للاستطلاع في الجيش السوري؛ اللواء سمير الشيخ، العملية التي ربطها مسؤول رفيع المستوى في القيادة العسكرية الروسية بالتورط “الإسرائيلي” المباشر في قيادة عمليات مسلّحي “جبهة النصرة” وبعض الفصائل التابعة لها في درعا والقنيطرة، والتي أفضت مؤخراً إلى استيلاء المسلّحين على بلدتي “نوى” و”الشيخ مسكين”، عبر إسناد ناري “إسرائيلي”، واكبتها معلومات صحافية رجّحت أن تكون رداً على اغتيال المهندسين السوريين الخمسة العاملين في مجال الطاقة الذرية قرب دمشق.
عملية القدس “المنظَّمة جداً، والتي نُفِّذت باحترافية أمنية لافتة”، وفق توصيف القناة الثانية العبرية، التي أشارت إلى أن ساحتها هي من أقسى وأصعب ساحات العمليات في “إسرائيل”، بدت لافتة في “توقيتها ومكانها المناسبيْن”، وهي عبارة توّجت – وفق المسؤول الروسي – رسالة سورية عبرت الأسبوع الماضي إلى تل أبيب؛ عقب اغتيال المهندسين السوريين النوويين الخمسة، وفيها أن “بحوزة دمشق دلائل تؤكد وقوف فرقة بمهام خاصة في جبهة النصرة وراء عملية الاغتيال، تتبع مباشرة للموساد الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن العملية “القاسية” في القدس تعقب أياماً على تطورات دراماتيكية في بعض البلدات “الاستراتيجية” في الجنوب السوري، حيث أمّنت “إسرائيل” دعماً لوجستياً لافتاً للمسلحين، مُرفقاً بعمليات تشويش مستمرّة على مراكز الجيش السوري، تقوم بها أجهزة الاتصالات “الإسرائيلية” المتمركزة في بلدتي “داعل” و”نوى” في ريف درعا.
وفي حين وصف وزير الأمن الإسرائيلي “يتسحاق اهرونوفيتش” عملية القدس بـ”الصعبة والقاسية جداً”، مرجّحاً إلحاقها بعمليات مماثلة في أماكن “إسرائيلية” حساسة، توقّف المراسل العسكري في موقع “واللا” العبري أمام تبنّي “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” المعروفة بولائها لدمشق وطهران – وفق توصيفه – المسؤولية عن العملية، مذكّراً بأعداد الصواريخ الهائلة التي أطلقها مقاتلو التنظيمات الفلسطينية في غزة باتجاه غالبية المناطق “الإسرائيلية” وصولاً إلى عمق “إسرائيل”، ومن دون توقُّف على مدار أيام حرب القطاع الأخيرة، والتي كانت بغالبيتها إيرانية، إلى جانب صواريخ “M75” السورية الصنع، “من دون إغفال بصمات حزب الله في العمليات الأمنية المعقَّدة”، والمفاجآت البرية والبحرية التي خرقت المشهد الميداني، فيما ذهب المحلل العسكري في القناة الثانية العبرية “روني دانييل” إلى الإشارة إلى “الحرَفيّة الفائقة” التي طبعت عملية القدس، عبر اختيار أصعب الساحات في “إسرائيل” مسرحاً لها، مشيراً إلى رعاية طهران “الهامة” لمقاتلي “الجبهة الشعبية”، وتدريبهم على الأراضي الإيرانية، خصوصاً خلال الحرب الأخيرة على غزة وما بعدها، كما بتعويل دمشق على تلك الجبهة بعد انخراط مقاتلي حركة “حماس” تحت جناح “الإخوان المسلمين” المعادي لسورية، وفق تعبيره.
وإذ أشار إلى ما سمّاه ” تجنُّب دمشق” فتح جبهة مباشرة مع “إسرائيل” في الفترة الحالية، نظراً إلى انشغالها بمقارعة “المتمردين” على أكثر من جبهة سورية، أعاد “دانييل” التذكير بضربات “استخبارية سورية” موجعة تلقتها تل أبيب عقب استهداف طائرات حربية “إسرائيلية” لمنشآت عسكرية داخل سورية عام 2012، تمثّلت باغتيال “باروخ مزراحي” و”افيف كوخافي”؛ أحد أهم رؤوس الاستخبارات في “إسرائيل”، من دون استبعاده أن تكون عملية القدس مرتبطة بشكل مباشر باغتيال المهندسين النوويين الخمسة قرب دمشق.
ومهما يكن من أمر، تسجِّل عملية القدس نصراً إضافياً لدمشق وحلفائها، “عبر اللعب مرة أخرى داخل الملعب الإسرائيلي”، معطوفاً على تسديدها أهدافاً “استراتيجية” متلاحقة في المرمى الأميركي و”الإسرائيلي” والدول الخليجية التي تسير بركبها، على الساحتين السورية والعراقية على السواء، بانتظار استعمال أوراق ميدانية هامة لم تكشفها دمشق حتى الساعة حيال المرحلة المقبلة في سورية، ليس أقلها قدرة القيادة السورية الآن على فرض “حظر جوي” في أجوائها، وفي الأجواء المعادية القريبة أيضاً، حسب تأكيد مصادر إقليمية متابعة، وربطاً بمعلومات تقرير ميداني كشفها الصحافي “إدوارد دارك” لصحيفة “آل مونيتور” منذ أسبوعين، وفيها أن “على أردوغان أن يتوقّع نصراً بات وشيكاً للجيش السوري في حلب، وليتوقًع أيضاً مع استعادتها بداية تحوُّل استراتيجي في الصراع السوري لمصلحة الدولة السورية والرئيس الأسد”.
سيريان تلغراف