تخلط الجبهات الأربع المفتوحة بوجه قائد تنظيم «جيش الإسلام»، زهران علوش، في بلدة دوما في الغوطة الشرقية أوراق التنظيم وحساباته. المتغيرات القديمة ــ الجديدة في البلدة انعكست في أول تجلياتها بتغيّر سلوك التنظيم داخل البلدة، سواء على صعيد الممارسات الداخلية أو على صعيد خطابات قائده الآخذة بالتبدل.
لم يعد «جيش الإسلام» ينظر إلى تقدم الجيش السوري في القرى والتلال والبساتين المحيطة بدوما على أنها مجرد تطورات ثانوية، على هامش الحرب الدائرة بين التنظيم والجيش في الغوطة الشرقية. المؤشرات الأخطر، بالنسبة إلى التنظيم، تمثلت في السقوط السريع لتحصيناته في مناطق تل كردي والريحان ومزارع عالية، وهو ما يرفع احتمالات عدم قدرة التنظيم على الصمود بوجه ضربات الجيش المحتملة على مناطق شرقي دوما.
في مقابل ذلك، برزت التغيرات في الخطابات التي اعتاد علوش أن يلقيها دورياً أمام أبناء المدينة من المقاتلين والمدنيين.
فهو الذي كان جاهزاً في ما سبق لـ«تعليق مشانق» من يطالب بالحوار مع النظام السوري، باتت خطاباته اليوم تغمز إلى أوساط جمعيات المجتمع المدني في دوما للعب دور أكبر في محاولات التواصل مع الحكومة السورية للتفاوض. مصادر من داخل البلدة مناوئة لـ«جيش الإسلام» قالت إنّ علوش «يريد لعملية التفاوض حول مخطوفي عدرا العمالية أن تتحول إلى منطلق لإنجاز صفقة مع النظام السوري في دوما». وتلمح المصادر إلى أن هدف العملية هو «الحد من تقدم قوات النظام في محيط دوما، حتى يرسخ تعزيزات أكبر لتنظيمه في الجبهة الشرقية». غير أن مصادر محلية أكدت أن «شيئاً من قبيل الحوار مع النظام، حتى على قضية مخطوفي عدرا العمالية، لم ينجز حتى اليوم»، فيما تلفت مصادر عسكرية مسؤولة إلى أن «التقدير لدى الجيش السوري أن كل هذه الادعاءات ليست مبنية على أساس الرغبة في المصالحة، إلا أنها محاولة للحد من سرعة تقدم الجيش حول دوما، وهو ما لن يحدث”.
وتكمن مشكلة علوش الأخرى في الداخل. وهي مشكلته مع «المجلس القضائي الموحَّد» و«الهيئات الشرعية» الأخرى التي لا تزال تحاول الحدَّ من مركزة السيطرة في دوما بأيدي القوى العسكرية فيها. تنقسم هذه الهيئات بين «الإخوان المسلمين» و«السلفية الجهادية»، ويعود الخلاف إلى أواسط العام الماضي عند انتخاب هيئات «المجلس المحلي لدوما». وفيما يبدي «الإخوان» تساهلاً مع ممارسات القيادة العسكرية المحسوبة على علوش، يقف عدد من شيوخ «السلفية» ضد ممارساتها. وما زاد الطين بلة، خلال اليومين الماضيين، محاولة القتل الجماعي التي طالت أكثر من 15 من أعضاء «المجلس القضائي»، بمن فيهم الشيخ أبو خالد البشش، مدير «المجلس» في دوما. جاءت العملية عن طريق تسميم كامل الأعضاء من خلال دس السم في طعام إحدى الموائد التي جمعتهم، في وقت نفت فيه مصادر محلية مقتل أيّ من أعضاء المجلس نتيجة التسمم.
تحالف علوش والتجار
ترتبط محاولة الاغتيال الأخيرة بمخاوف علوش من الحراك الشعبي المتصاعد ضد احتكار التجار للسلع الغذائية في البلدة. ففيما «نعاني من القلة والعوز، تكون مستودعات التجار متخمة بكل البضائع الضرورية، غير أن التجار يرفضون بيعها إلا بعد تلبية حاجات المقاتلين»، يقول أحد المشاركين في التظاهرة التي خرجت أول أمس في البلدة هاتفةً: «فوضى تخريب… دوما ما بتريد» و«يا دوما وين رجالك… الله يلعن خوانك… خوانك هنّي التجار». وإضافة إلى جشع تجار المدينة، ترتفع النقمة الشعبية بوجه «جيش الإسلام» الذي يسيطر على كل المساعدات الغذائية التي تدخل البلدة. وكان «المجلس القضائي الموحد» قد أصدر بياناً يحذر فيه من محاولات «تجار الدم» لاحتكار السلع والمواد الغذائية، قبل يوم واحد من عملية التسميم.
وتحمل التظاهرات ضد علوش مطالب تسعى إلى وقف القتال الدامي مع مقاتلي «جيش الأمة»، وهو القتال الذي حوَّل البلدة إلى ساحة للتفجيرات والعبوات الناسفة، والاشتباكات المباشرة داخل المناطق السكنية. وهذا ما يجعل علوش أسيراً للجبهات الأربع المفتوحة، بما ينذر بفقدان سيطرته على البلدة التي كان حتى الأمس القريب حريصاً على ضرب كل من يهدّد نفوذه فيها.
سيريان تلغراف | الأخبار