Site icon سيريان تلغراف

السفير : ما هو أكثر من التبليغ الأميركي لدمشق ؟

ليست صدفة أن مئات الضربات الجوية التي نفذتها المقاتلات الجوية الأميركية على الأراضي السورية، مرت حتى الآن من دون «أخطاء» تمس مواقع الجيش السوري على الأرض، على غرار «الأخطاء» التي ارتكبت في العراق. كما لم تقع احتكاكات جوية بين الطرفين الأميركي والسوري، على الرغم من تزامن العديد من عملياتهما الجوية، والتحليق المكثف الذي تقوم به الطائرات الأميركية في سماء مواقع مختلفة.

وخرجت المسألة من مرحلة التكهنات والتحليل، لتفسير هذا «التناغم الجوي» غير المعلن في السماء السورية، والذي تتضح نتائجه على الأرض. ولكن الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يقول بوضوح إن واشنطن «أبلغت» السلطات السورية ألا تتعرض للطائرات الحربية الأميركية التي تستهدف مقاتلي تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، فإنه بذلك يؤكد للمرة الأولى بمثل هذا الوضوح الأميركي، أن الحملة الجوية التي توسعت من سماء العراق إلى السماء السورية في 23 من أيلول العام 2014، في إطار الحرب على «دولة داعش»، ما كان يمكن أن تجد طريقها نحو تنفيذ سلس لأكثر من 400 ضربة جوية حتى الآن، إلا إذا تلاقت مع هدوء واقعي لأنظمة الدفاع الجوية السورية التي أسقطت تلقائياً وبشكل فوري المقاتلة التركية ما إن عبرت الحدود السورية في الشمال في حزيران العام 2012.

يتلاقى كلام أوباما وربما بشكل عفوي، مع «النأي بالنفس» الإيراني والروسي الذي اكتفى بانتقاد العمليات الأميركية الجوية على الأراضي السورية، وترك في الوقت ذاته، المساحة السياسية والعسكرية الضرورية للسوريين، للتموضع في خانة «الواقعية السياسية» التي تسمح لدمشق، بالاستفادة القصوى من الضربات الأميركية التي توجه إلى أعداء الدولة السورية.

تكاد الغارات الأميركية تبلغ الشهرين، ولم تسجل «أخطاء» جوية كالتي وقعت في العراق ضد مواقع «حليفة» على الأرض، سواء للجيش العراقي أو «سرايا السلام» التابعة للسيد مقتدى الصدر أو غيرها من «الأخطاء» التي قد تتسبب بمجازفة تدفع طهران وموسكو، ودمشق طبعاً، إلى التعامل مع الحملة الجوية على أنها محاولة لتغيير قواعد اللعبة، أو المس بالخطوط الحمراء المرتسمة في ما يتعلق بمشهد الصراع السوري والحرب على الإرهاب.

إذاً، كلام أوباما ليس عابراً ولا هي زلة لسان. فالقول بإبلاغ دمشق، يعيد التذكير بما جرى الإعلان عنه أو جرى تسريبه مع بدء الحرب الجوية. وقد استكمل الأميركيون الشروط الديبلوماسية والسياسية والعسكرية، للإقدام على مثل هذه الخطوة، وفي بال أوباما وكبار جنرالات القوات الأميركية المعارضين منذ بداية الأزمة السورية لخيار التصعيد في المواجهة مع دمشق، أن هناك، بحسب ما تبلغت دوائر الاستخبارات والجيش الأميركي، مخاطر ملموسة وقائمة تتمثل على الأقل بمنظومات «بانتسير» الروسية، وربما بمنظومة صواريخ «اس 300»، برغم الجدل القائم بشأن وجودها من عدمه.

والحديث عن المخاطر الكامنة في السماء السورية ليس تقديراً عبثياً. الأوساط العسكرية الأميركية خلصت إلى تقديرات بأنه برغم أحداث الأعوام الأربعة في سوريا، ونجاح بعض فصائل المعارضة المسلحة في ضرب بعض جوانب الدفاعات الجوية، كالرادارات وأنظمة الإنذار الجوي والصواريخ البعيدة المدى، فإن بحوزة السوريين إمكانيات لا يمكن تجاهلها، إذا ما أريد للحرب على «داعش» أن تصل إلى مبتغاها.

وكما هو معلوم، فإن دمشق حصلت في العام 2013 على منظومات «بانتسير سي 1» الروسية القادرة على إصابة الطائرات العسكرية على ارتفاعات تصل إلى 20 كيلومتراً، وبمنتهى الدقة على ارتفاعات 15 كيلومتراً. وتصل سرعة الصاروخ من هذه المنظومة إلى 1300 متر في الثانية، ويسمح برمي أربعة أهداف دفعة واحدة. أما «اس 300» فتتميز بقدرتها العالية على التعامل مع 6 أهداف جوية دفعة واحدة. ويبدأ عملها بتحديد الأهداف المعادية عبر رادار مراقبة يصل مداه إلى 300 كيلومتر، ويمكن للرادار أن يوجه 12 صاروخاً في وقت واحد، تستهدف 6 أهداف، وبإمكان الصواريخ التعامل مع الطائرات أو الصواريخ التي تطير على ارتفاع منخفض.

وعلى سبيل المثال أيضاً، فإن «معهد واشنطن» الأميركي، الذي أعد دراسة تناولت القدرات الجوية السورية ومخاطرها، يشير إلى أن الدفاعات الجوية تضم 22 موقعاً للإنذار المبكر، و130 موقعاً لصواريخ «سام»، وأربعة آلاف مدفع للدفاع الجوي، وبضعة آلاف من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف.

ولا يمكن تصور أن سلاح الجو الأميركي قرر الذهاب في خيار الحرب الجوية فوق الأراضي السورية، من دون الحصول على «طمأنة» روسية قاطعة، بأن «البراغماتية» السورية، جزمت بخيار عدم تشغيل الأنظمة الدفاعية الجوية واستنفارها.

وقد تحركت واشنطن قبل بدء الحرب الجوية، على أكثر من محور. فعبر القنوات الدبلوماسية، جرى الإعلان عن التبليغ من جانب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة الأميركية سمانتا باور لنظيرها السوري بشار الجعفري، ما يغطي الصفة القانونية إذا صح التعبير للخطوة الأميركية بإبلاغ الدولة المعنية في اطار العلاقات الدولية المتعارف عليها. كما جرى الاعلان عن زيارتين قام بهما مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض إلى دمشق، والتي حمل فيهما كما تردد رسائل أميركية غير مباشرة بمواعيد بدء الهجمات وأهدافها، فيما تلقى السوريون ضمانات ايرانية من قيادي ايراني بارز ساهم في رسم الخطوط الحمراء للعملية الجوية.

وبينما قام السفير الروسي في دمشق بتحرك مواز لدى السلطات السورية، قبل بدء الضربات الجوية الأميركية، فإن الأكثر إثارة للانتباه حدوث عمليات تنسيق كانت بيروت مسرحها، وترتيب تواصل مباشر وغير مباشر لتثبيت الوقائع الميدانية التي سهلت كما بدا حتى الآن، نجاح الطيارين الأميركيين في القيام بعملياتهم الجوية فيما السماء السورية تشهد في وقت متزامن انطلاق طيارين سوريين، في مهمات قتالية مشابهة، كما جرى مثلاً في ريف حلب والرقة ودير الزور، من دون وقوع التباسات أو احتكاكات بالخطأ، وهي طلعات لا يمكن أن تتم بهذه السهولة لطيارين من سلاحين جويين مختلفين في الوقت ذاته وفي نقاط تماس عديدة، بحسب ما يقول مصدر مطلع على المشهد العسكري في سوريا.

هو تحالف قسري على ما يبدو، أو كما يشير أوباما نفسه عندما يقول في مؤتمره الصحافي في استراليا أمس، أنه لا يبحث عن طرق لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من منصبه، لكنه استبعد في الوقت ذاته أي تعاون مع دمشق لمواجهة «داعش» لأن هذا الأمر سيؤدي إلى إضعاف التحالف الدولي.

وقال أوباما، في ختام قمة «مجموعة العشرين» في مدينة بريزبين الاسترالية، «الأسد قتل مئات الآلاف من مواطنيه بوحشية، ونتيجة لذلك فقد شرعيته بالكامل في غالبية هذا البلد». وأضاف «برأينا، الوقوف إلى جانب (الأسد) ضد الدولة الإسلامية سيدفع مزيداً من السنة في سوريا باتجاه دعم الدولة الإسلامية، وسيضعف التحالف».

ونفى أوباما نيته تغيير سياسته في سوريا، مشدداً على أن هذه السياسة تخضع للمراجعة لمعرفة ما يجدي فيها وما لا يعمل. وقال «بالتأكيد لا تغيير في موقفنا حيال الأسد». وأضاف «إنها معركة ضد التطرف من أي جهة تريد قطع رؤوس أناس أبرياء، أو تقتل سجناء سياسيين بوحشية لم نشهد مثلها إلا نادراً في العصر الحديث». وتابع «لكن بمعزل عن ذلك، لا توقعات بأننا سنغير موقفنا وندخل في تحالف مع الأسد»، معتبراً أنه «لا يتمتع بالمصداقية في بلده»، لكنه تابع قائلاً أنه لا يبحث عن طرق لإزاحة الأسد من منصبه.

وأعلن أوباما أن واشنطن أبلغت السلطات السورية ألا تتعرض للطائرات الحربية الأميركية التي تستهدف «داعش». وقال «أبلغنا النظام السوري بأنه عندما نلاحق الدولة الإسلامية في مجالهم الجوي، فإنه من الأفضل لهم ألا يهاجموننا».

واستبعد الرئيس الأميركي التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية يتضمن بقاء الأسد في السلطة، لكنه أقر بأن «طبيعة الدبلوماسية» تحتم أن تتعامل واشنطن في نهاية المطاف مع بعض خصومها لإحلال السلام في سوريا. وقال «في وقت من الأوقات سيتحتم على شعب سوريا واللاعبين المختلفين المعنيين واللاعبين الإقليميين أيضاً، تركيا وإيران، ومن يرعون الأسد مثل روسيا، بدء حوار سياسي».

في هذا الوقت، أقدم «داعش» للمرة الأولى على التباهي بذبح رهينة أميركي وجنود ومواطنين سوريين في شريط مصور واحد مدته 15 دقيقة، في خطوة تقود إلى غير ما يشتهيه التنظيم، حيث أن ذبح الاميركي بيتر كاسيغ والسوريين الـ15، من شأنه ان يخاطب الوعي الاميركي في مقاربتهم للمشهد السوري، بإظهار توحد الدم على ايدي القاتل نفسه، خصوصاً أن المتحدث في الشريط المصور وجه كلامه إلى أوباما قائلاً «اليوم نذبح جنود بشار الأسد وغداً نذبح جنودك» في إشارة تحد إلى استعداد التنظيم لمواجهة الجنود الأميركيين إذا نفذوا عمليات على الأرض.

سيريان تلغراف

 

Exit mobile version