في خطبة السيدة زينب عليها السلام في الكوفة قالت
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا صنعتم وأنتم آخر الأممِ
بأهل بيتي وأولادي وتَكْرِمَتي منهم أسارى ومنهم ضُرِّجُوا بدمِ
ما كان ذاك جزائي إذ نصحتُ لكم أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي
إني لأخشى عليكم أن يَحِلَّ بكم مثلُ العذاب الذي أوْدى على إرَم
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لَيَرِدَنّ عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول : أصحابي، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك
فأي عقاب أشد وطأة على أن يحرم الانسان من رحمة الله فلا يلقى رحمته في الآخرة ليتجنب عذاب النار وهؤلاء لن يلقوا رحمة الله حين سيكون بينهم وبين نبيهم حجاباً باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب……….
وإنه والله العقاب الامثل والذي بشرت به تلك السيدة العظيمة كل من خذل الامام الحسين وقبله أخاه وأباه وجده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)
قد يتساءل البعض (إما متجاهلاً أو جاهلاً ) بما أحدث أصحاب النبي (المعنيون في الحديث) بعده ؟؟
كيف لهم أن يتساءلوا والجواب المؤكد والمعروف هوانقلابهم على اعقابهم و خروجهم على إمام زمانهم الامام علي عليه السلام من بعدما بايعوه
في غدير خم في بيعة شهدت لها السموات واالارض ومابينهما وأهلهما
ذلك الإمام الذي منصبه ليس منصباً عادياً من فرد عادي بل منصب إلهي بصك نبوي مصادق عليه في اهل الشرائع السماوية جميعاً عن الله جلَّ وعلا
أجل ذلك الخروج عن ولاية أهل الحق وولاية الجبت والطاغوت الذي مهّد فيما بعد لخلق البدع في االاسلام
وخروج بالاسلام بالتالي عن نهجه الصحيح وصراطه المستقيم..تلك البدع التي أدت الى جعل يزيد بن معاوية يَفْجر ويزداد تعنتاً واستكباراً في الارض ..يزيد شارب الخمر الفاسق الفاجر المتحدي لقرآن الله وراميه المعتدي على الحرمات والذي نسف أبوه معاوية بدوره نظرية (وأمرهم شورى بينهم ) فيجهز عليها بعده فأراد أخذ بيعة (إمام زمانه الحسين بن علي عليه السلام قسراً ) .. فما كان من الامام الحسين إلا أنه رفض تلك البيعة (المحرمة على كل نفس حرة التي ترفض العبودية الممزوجة بعار لا يمحوه ولا يغسل عاره ويطهره مطر الكون بأكمله)…
فكان الخروج المبارك الى كربلاء بصحبة الاهل والابناء والاخوة والاصحاب عارفين بأن الموت ملاقيهم لا محال ولكنه كما جاء على لسان القاسم بن الحسن حين سأله عمه الحسين (ع) كيف يرى طعم الموت على نفسه فقال أحلى من العسل (مقارنة بقبول الظلم والطغيان) …
وكان هذا الموت (جميل الوقع) على النفوس طيب الذوق على القلب فشهد بها قلب ابنه علي الاكبر (ع) قبل لسانه فقال حين سأل أباه الحسين (ع)
((( أبتاه حسين، أوَ لسنا على الحق ؟! قال “ع”: بلى والذي إليه مرجع العبـاد! فقال إذاً أبتاه حسين: لا نبالي أًوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا))) .
ذلك الموت الذي يجعل من إمام الزمان وهو يستقبله فيقول أرضيت يارب خذ مني حتى ترضى ويجعل أخته زينب بنت علي عليهما السلام تقول كلمتها المعهودة بكل جوارحها مع أنات جراحها تقول (اللهم تقبل هذا القربان )
فإذا كان الإمام والقائد الحر هكذا فكيف بالرعية ؟؟
ذلك الموت الذي به حيت تلك النفوس فأحيت أجيالاً وأجيالاً لا تزال تنطق حقاً وصدقاً وعدلاً أن كربلاء حية لا تموت في نفس كل حر في هذا العالم يرفض الذل والهوان ويسعى الى تحرير النفس من كل طاغية يريد استعباد البشرية باسم الاسلام زوراً وبهتاناً وعدواناً وظلماً
ذلك الموت الذي يوحي لكل قلب وعقل وضمير حي أن كربلاء أبعادَها ومعانيها السامية الربانية المباركة لا تحويها لا أرض مدحية ولا سماء مبنية إنما يسع معانيها قلب عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالايمان فكان سرها المكنون بأن تذوب النفس في حب العاشق المطلق رب العالمين فلا يرى المستشهد فيها لا تراب ولا ماء يحوي جسده الطاهر ولا شمساً ولا قمراً يحوي نور نفسه المشرقة بنور الله ولا عيناً تدمع الا في الله وفي رضاء الله ولقاء وجه الله…
ذلك الموت الذي يجعل من صاحبه عاشقاً ذائباً في فلك محبوبه ومعشوقه فلا يرى سواه فيرى في لقياه والشهادة في سبيله حياة كيف لا والشهداء عند ربهم أحياء يرزقون
كيف لا وكل من عانقت نفسه حب الله عانقت بالتالي حب كل نفس ترنو الى الكمال والكمال لا يكون إلا بجوار الله مع المؤمنين
هي نفسها تلك النفس الشامخة العزيزة التي نطقت بها السيدة زينب عليها السلام في مجلس الطاغية يزيد اللعين حين ضرب ثنايا أبي عبد الله الحسين شيد الشهدا بمخصرته فقالت له من جملة ما قالت مخاطبة إياه بابن الطلقاء :
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى.
الا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما، لنجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، والى الله المشتكى وعليه المعول
هي نفسها تلك النفس الأبية التي تعرف قدرها عند الله ويجهل هؤلاء المرتدين قيمتها ويجهلون أي نفس أزهقوا تلك التي نطقت على لسان سيد الساجدين عليه السلام في نفس المحضر مفاضلاً ومذكراً بنسبه الشريف النجيب مقابل نسب يزيد النجس فقال :
أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا اله الا الله ، أنا ابن من بايع البيعتين ، وصلى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، يعسوب المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، سمح سخي بهلول زكى ، ليث الحجاز وكبش العراق ، مكي مدني ، أبطحي تهامي خيفى عقبى بدري أحدي ، شجري مهاجري ، أبو السبطين ، الحسن والحسين ، علي بن أبي طالب ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء ، أنا ابن بضعة الرسول
..هي نفسها تلك النفس الزكية المحترمة التي آمنت بقوة نصر محتوم لقوى الخير على قوى الشر في العالم …بوجود قوة المنقذ الناصر لها تلك القوة التي كانت نصب عين كل شهقة وزفير من أبطال ملحمة كربلاء المجيدة…
هي نفسها التي تدرك أن كمالها لا يكون إلا برفض الظلم والقهر والاستعباد وهي نفسها التي قامت بثورات التحرر بالعالم أجمع وهي نفسها التي قامت بها ديمقراطية الشعوب قاطبة.لأن سعيها كان دائماً وأبداً بالنهوض بالشعوب من النقص الى الكمال من العوز الى سد النقص بالافضل والاحسن .في كل مجالات الحياة النفسية والمالية والعقائدية والبنائية وووالخ. من العبودية الى الحرية وهكذا .وهي نفسها اليوم ترفض الشعوب المقاومة استعباد اهل الكفر والضلال والردّة والخروج عن الاسلام الصحيح باسم الاسلام (إكراه الشعوب على الدين باسم الدين) ..وهي نفسها التي تحارب من أجل إرجاع بوصلة الشعوب العالمية الى عنوان الاسلام الصحيح (أن لا إكراه في الدين ) وهي نفسها تعيد إحياء الاسلام على طريقة النبي محمد (ص) الذي تركه يوم تركه في غدير خم كاملاً بالولاية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً) اسلام دين إيمان لا اسلام (اسلام بلا إيمان )وهذا تجلى جلياً في قول االامام المعصوم الحسين عليه السلام وقت الخروج ( إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر )) . وكل نفس من هذا النوع حري بالشعوب احترامها لأنها تؤمن بأن الاسلام وأبعاده أبعد مايكون من أن يدنسه هؤلاء الذين اليوم كما الأمس في جيش يزيد الطاغية ان يتكلموا باسم الدين الاسلامي وأطهر وأنقى من أن تدنس قرآنه أيدي وألسنة اللاعقين بالدين على ألسنتهم باسم الدين االسلامية ..وأصفى وأحلى واجمل وقعاً على النفس من أن يدنس تعابيره وتأويل آياته المنزلة من السماء على لسان عرعوري هنا أو قرضاوي هناك يؤول كلماته حسب أهوائه اليزيدية …………….
هي نفسها العقيدة الكربلائية التي تتجسد اليوم في موقف عمالقة المقاومة في العالم ألا وهما السيد الرئيس بشار الاسد وسماحة السيد حسن نصر الله وموقفهما الراسخ رسوخ الجبال لا يتبدد ولا يتزعزع هؤلاء الشامخون الذين يرفضون ويقفون في وجه طغاة الارض رافعين راية هيهات منا الذلة والموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة
هي نفسها تلك مدرسة الجهاد الحقيقي المقدس التي تتصدى لكل قوى الشر في سورية وتدحره وتقف بالتالي في وجه الجهاد المزيف وتعري وتكشف عن وجهه الخبيث الحقود…
العقيد سهيل الحسن ومن معه مدرسة الجهاد الحقيقي أشداء على الكفار رحماء بينهم
مدرسة حضارية جهادية نفسية تعبوية عقائدية ينهل منها كل من معه وكل من عاصره
https://www.youtube.com/watch?v=_szZDoIM0zI&feature=youtu.be
وكذلك مجاهدو حزب الله النجباء في وجه حزب الشيطان اللعناء في حرب لبنان مع اسرائيل واليوم المرابطون على الحدود في وجه الكفرة والمعتدي والمرتدين وفي سورية أيضاً
وكذلك العلويون وكل شيعة علي في قبول الموت في سبيل الولاية اليوم ويقفون في وجهه واضعين كربلاء نصب أعينهم ولا يقولون إلا (مارأيت إلا جميلا )
لأنه حين نذكر كربلاء لا بد من العروج على مايحدث اليوم في العالم وخاصة في سورية (كربلاء العصر) وخاصة بعدما جسد احرار العالم ممن شاركوا في التصدي لإسلام خوارج العصر المرتدين الذين يقتلون ويستبيحون الدماء وينحرون الرقاب ويقطعون الرؤوس باسم الدين هؤلاء حفظة القرآن عمداً تاركي أركانه لا شيء بينهم وبين الاسلام وقرآنه وتلاوته غير أنهم لا يعرفون من الاسلام سوى اسمه ولا من القرآن سوى رسمه
نعم اليوم العالم الحر بأجمعه (المجمع على حقيقة المؤامرة على نهج المقاومة أين حلت في سورية ولبنان والعراق وفي أي مكان ) على مدار الكرة الارضية (كلٌّ من عنده يقاوم) لا فرق بالوسيلة بالقلم أو البندقية يتصدى لمشروع عالمي شأنه ان يهدم معاني الانسانية والحرية ليحل محلها معاني الوحشية والعبودية .
وبالتالي هم يعيشون كربلاء اليوم بكل تفاصيلها القتالية الميدانية والاعلامية الالكترونية وبأشخاص كربلائية ولكن بوجوه عصرية ويصرون على متابعة السير قدماً على الانتصار إما نكون أو لا نكون
هي كربلاء العصر
إما نكون أحراراً على شاكلة حرية الامام الحسين (ع) حرية النفس فينتصر الدم على السيف وهذا هو الحق وإما نكون عبيداً لعبيد مأجورين فتنتصر البِدَع على الانفس الحرة وهذا مرفوض في قاموس الشعوب المقاومة قاموس كربلاء الصامدة في وجه كل يزيد عصر
لأنه كما يوجد ليزيد بن معاوية الفاجر أتباع في كل عصر فيوجد بالمقابل علويون (على نهج الامام علي في مقاومة الظلم والمفترين والمارقين والخوارج) و حسينيون (على نهج رفضه الخضوع والتمرد على التمرد الأموي اليزيدي عل ىالاسلام ) و كربلائيون (ثائرون على كل نهج عبودي حجري جاهلي ) مرتقين بذلك الى معاني الانسانية الكاملة التي أراد بنو أمية وبنو العباس بعدهم أن يطمسوا معاني الانسان في المخلوق البشري بقتلها وتشويه صورتها ورسمها كما يشتهون لا كما أراد الله تعالى لها ان تكون نفس محرمة حرام قتلها الا بالحق .. ويجعلوه اي الانسان حيواناً ناطقاً ينطق ما يريدونه لا مايريده الاسلام الحقيقي (تركة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع….
كربلاء باختصار رسالة لكل معتدٍ على انه العاقبة للتقوى والقتل بالقتل والنفس بالنفس ولو بعد حين
وإحياء كربلاء وبقاء ذكرها حياً بعد قرون عدة من حدوثها وذكر طاغوت العصر آنذاك وجرائمه ضد الانسانية الى الان أيضاً باختصار هي رسالة لكل معتدِ في كل عصر ليقول كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوء وأن الاسلام كان وسيبقى محمدي الوجود علوي البقاء والمقاومة شاء من شاء وأبى من أبى وبالتالي كربلاء محمدية الوجود علوية البقاء مترسخة صلبة في قلب كل من لا يعرف الهزيمة والا الانكسار…….
علوية البقاء لأن الحسين بضعة من علي وعلي بضعة من روح النبي بل نفسه والامام علي عليه السلام لم يكن حكراً على طائفة بل علي طائفة كل الشعوب الحرة في هذا الكون.وكربلاء كذلك ليست حكراً على طائفة لأنها طائفة كل الشعوب المظلومة والمستضعفة في الارض..
اخيراً
ذكر ان نمرود قوم موسى (ع) كان هلاكه على يد خلق من خلق الله الضعيف “ذبابة” وأن هلاك يزيد بن معاوية (لعنه الله ) الذي حرم الامام الحسين الماء كان بسبب “شربة ماء” حين استسقى أعرابياً فحين عرف أنه يزيد قاتل الحسين عليه السلام هب لقتله والثأر لإمام زمانه فهرب منه يزيد وتعلق في هذه الأثناء بالركاب ولم يستطع الاستواء على فرسه فظل هذا الفرس وهو مسرع يضرب به كل حجر ومدر حتى هلك
فلا غرابة أن يجعل الله تعالى وينصر عباده المؤمنين اليوم فيهلك قتلتهم وأحفاد قتلة الانبياء والمرسلين بأبسط الاسباب واصغرها شأناً وليس على الله ذلك بعزيز…………..
فـــــــي رحـــــــاب الـعـــــــــــــــــــلوية
https://ar-ar.facebook.com/alawiyoun.nosra
سيريان تلغراف | عشتار
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)