كيف يمكن لاستفتاء الصحراء أن يبني المغرب العربي؟ إن المتتبع لتطور القضية الصحراوية منذ 1975 إلى يومنا هذا يدرك أن هذه الأخيرة تكاد تصل إلى نهاية الطريق الغير مسدود (الحل) و الذي لن يكون بعيدا عن استفتاء تقرير مصير حر و يكفل للصحراويين الاختيار بين الانفصال, الذوبان أو الحكم الذاتي.
منذ 1975 لم تتغير مواقف البوليساريو (الممثل الشرعي للصحراويين بحسب الأمم المتحدة) و لا الجزائر (الداعم الرئيسي للجبهة الانفصالية) فيما يخص النزاع مع المغرب و لم يتنازل كل منهما عن مطلب الاستفتاء من أجل تقرير المصير و إن تغيرت الأساليب من الكفاح المسلح إلى المفاوضات المتعثرة (بسبب المغرب بحسب الممثل الأممي الأمريكي كريستوفر روس) في الوقت الذي يعطي فيه المغرب بعض التنازلات -من قبيل الحكم الذاتي- مجبرا بسبب ضعف حجته في الدفاع عن القضية الوطنية كما يسميها. آخر هذه التطورات هو حالة الصدام الغير معلن مع الأمم المتحدة و التي وجد المغرب نفسه يواجهها بصدر عار, فلم تعد باريس و واشنطن (الحليفتان التقليديتان للمملكة) تغطي سوءة الرباط كما كان الحال في الثلاثة عقود الماضية, و لم يعد للمغرب عمليا أي داعم ذا مصداقية على الصعيدين الإقليمي و الدولي. و إذا كانت العلاقات على محوري باريس-الرباط و واشنطن-الرباط تتسم ببرودة غير مسبوقة إن لم نقل حالة جفاء تهدد نظام المخزن في المغرب في المدى المنظور فهي على النقيض من ذلك على محوري باريس-الجزائر و كذا واشنطن-الجزائر فقد بلغ مستوى التعاون بين الجزائر و الدولتين العظمتين أوجه خصوصا على الصعيد الأمني بسبب إمساك الجزائر لخيوط اللعبة في الكثير من المناطق الحساسة خاصة فيما يخص مالي ليبيا و تونس, و إذا أضفنا إليها ثقل الجزائر فيما يخص القضية الصحراوية دون إغفال علاقة الجزائر القوية مع التركيبة الجديدة لمجلس الأمن الداعمة في غالبها للقضية الصحراوية, يمكن الجزم بما لا يدع مجال للشك أن حل مشكل الصحراء بات مسألة وقت ليس الا.
كيف سيكون الحل و ما هي نتائجه و ارتداداته على المنطقة؟ إذا كان التوجه الدولي و الإقليمي يدفع باتجاه حل لقضية الصحراء عن طريق الاستفتاء فان الكرة باتت اليوم في مرمى المغرب و الذي عليه أن يحدد طريقة قبوله لإجراء الاستفتاء:
– إما بتسهيل مهمة المينورسو و يمكن حينها للمغرب أن يسجل بعض النقاط التي قد تفيده في الداخل الصحراوي و تساعده في حملته الانتخابية آنذاك و الدعاية لأطروحته (مغربية الصحراء).
– و إما إن يتم فرض الاستفتاء من الخارج (مجلس الأمن) و حينها سيكون المغرب قد أحرق كل أوراقه في الصحراء, ففي النهاية الاستفتاء قادم لا محالة.
و في كلتا الحالتين ستحل القضية, إما بالانفصال أو الذوبان أو الحكم الذاتي في إطار المملكة. و عندها فقط يأتي ما هو أهم من قضية الصحراء و من المغرب و من الجزائر (قضية المغرب العربي الكبير).
في اليوم الموالي لإجراء الاستفتاء -النزيه بطبيعة الحال بما إن الأمم المتحدة هي من سيشرف عليه و ليس مخابر المخابرات في الجزائر و الرباط- ستشيد كل من العاصمتين (الشقيقتين العدوتين) بنتائج الاستفتاء أيا كانت,لتبدأ مرحلة جديدة في العلاقات الجزائرية المغربية. و قد تجد الجزائر حينها جارا و شقيقا يمتد من جنوب اسبانيا إلى شمال موريتانيا, وليس في ذلك إي حرج على الجزائر ان تتحالف استراتيجيا مع هذا الأخ المغربي, كما يمكن للمغرب إن يجد نفسه على حدود الجمهورية الصحراوية في الجنوب و الجزائر في الشرق و لن يكون عليه أي حرج في أن يعقد تحالفا استراتيجيا مع الجمهوريتين آنذاك, يومها لن يكون هناك عائق لبناء مغرب عربي يمتد من المحيط إلى الحدود المصرية (هذا إن لم تنخرط القاهرة و الخرطوم في الاتحاد) و سيدرك الغرب حينذاك أنه لن يكون بمقدوره أن يلعب مجددا في الساحة العربية بطولها و عرضها من دون رادع لان هناك دولا متحدة اسمها الجزائر و المغرب و لما لا مصر.
و ما ذلك على الله بعزيز.
سيريان تلغراف | سفيان