قد يثير دخول أيّ بيت من بيوت مدينة حلب العجب لدى الزائر، فما تحتويه هذه البيوت الكئيبة يصعب أن يراه المرء في أيّ مكان آخر. حيث كان للأزمة السورية دفعة فائضة من الأذى حلّت بعاصمة سورية الاقتصادية والصناعية، وأقدم مدينة في التاريخ بحسب منظمة اليونيسكو.
” بلدنا أونلاين” كان في حلب، وجال في أرجائها ليصوّر حال الحياة فيها، هي حال يجهل الكثيرون تفاصيلها، ليس فقط حول العالم، إنّما في سورية نفسها.
اليوم .. باتت رؤية “البسطات” المنتشرة في كل الشوارع أمراً طبيعياً، وظاهرة التسول أضحت من أبرز الظواهر الّتي أسهمت في تشكيل صورة البؤس الّتي صبغت بها جدران هذه الأحياء. وكيف لا ونحن نتكلّم عن مدينة خلا قسم بارز منها ودمّر، ليغص بالسكّان قسمها الآخر.
في الطريق لزيارة أحد بيوت المدينة، ينبغي مراعاة حركة السيارات فيها، فهي تتراوح بين حالتين: ازدحام شديد وفوضى عارمة نتيجة غياب إشارات المرور منذ أكثر من عامين، والنقص الكبير في تعداد شرطة المرور. أو خلو واضح في الشوارع ناتج عن غلاء سعر المحروقات الّذي بلغ ذروته في شهر حزيران عام 2013 ليصل سعر ليتر البنزين إلى 1600 ل.س. وأكثر.
لا فائدة من محاولة رن جرس المنزل المراد زيارته، فالكهرباء لا تزور منازل الحلبيين كثيراً، ربما ساعتان أو ثلاثة في اليوم. كما أن المولدة الكهربائية متوقفة على الأغلب إثر غلاء أسعار المحروقات السالف الذكر. أمّا إن كنت محظوظاً، فصاحب البيت مشترك بـ “الأمبيرات” الّتي بدأت مدينة حلب تستعيض بها عن الطاقة الكهربائية… ولكن مرّة أخرى قد تكون مولدة الأمبيرات معطلة كالعادة، أو لم يبدأ موعد تشغيلها بعد، أو أن الزيارة صادفت وقت “استراحة” المولدة.
وبالحديث عن أزمة الكهرباء يقول الشاب (عصام طرابيشي): ” دراستي في كلية الهندسة الكهربائية والإلكترونية تحتاج إلى التجريب، و التجريب يعتمد على الكهرباء، هذا دون ذكر حاجة أي طالب إلى الإنارة والهدوء والحرارة المناسبة لخلق جو يلائم التحضير والدراسة”.
بعد دخول المنزل، لا تستغرب رؤية العشرات من أواني المياه والـ”بيدونات” تصطف بجانب بعضها إما مملوءة أو فارغة، فالمياه الّتي قد تغيب عن بيوت الحارة أياماً أو أسابيع تضطر الناس إلى حفظ أكبر كم ممكن من المياه في الأواني وأوعية التخزين المتعددة، وصولاً إلى أحواض الاستحمام. ويذكر أن فترة انقطاع المياه في حي الجميلية مثلاً والواقع وسط المدينة قد بلغت شهراً ونصف شهر خلال هذا العام بحسب سكان الحي.
يعلق (سامي هبّ الريح) أحد سكان المدينة على حال المياه فيها قائلاً: “لم أكن أعلم أن هناك ما هو أصعب من تحمل أيام وأسابيع بدون تيار كهربائي، إلى أن عشت أزمة المياه! حيث تحول غسيل الوجه في الصباح إلى حلم نشتاق إليه في كل لحظة”.
أخيراً، يرجى مسامحة أهل البيت في حال لم تر لديهم البهجة والسعادة المعهودة عند أهل حلب، إذ أنّ جذور معاناة هذه المدينة تمتد عميقاً في قصة الأزمة السورية التي ما زالت فصولها قيد الكتابة، وما زال شعبها بانتظار النهاية السارّة.
سيريان تلغراف