إن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حافل برؤساء من لون البشرة البيضاء بما يتناسب مع ما يطلقون عليه البيت الأبيض الذي تشير تلون غرفه وتنوعها إلى تنوع الإجراءات التنفيذية لتحقيق الاستراتيجيات الأمريكية التي تصب في بوتقة واحدة وهي السيطرة على العالم وحكمه عبر إثارة النزاعات والفتن والصراعات واقتتال الشعوب والأمم فيما بينها ليأتي بعدها السيد الأمريكي بطلقة الرحمة التي تنهي النزاع لمصلحته وتحقق له ما يريد. وبما يتناسب أيضاً مع معيار الواسب WASP أي أن يكون الرئيس أبيضاً وأنجلوسكسوني وبروتستانت، فلن يتم اختيار رئيس مخالف لهذا المعيار إلا إن كان باستطاعته أن يقدم لأقلية الواسب دوراً محورياً توسعياً مؤقتاً يساهم به في زيادة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وتسريع تحقيق استراتيجياتها.
ولعل عدم إدراكنا نحن العرب أن العالم لا يقوده فقط أولئك القادة وأحزابهم التي تتربع سدة الحكم والقرار في بلاد الغرب بل يقوده معهم أيضاً منظمات عالمية سرية وشبه سرية، وتحكمهم جميعاً في كثير من الأحيان الشعوذات التي تشير إلى قداستهم وعليائهم ورمزيتها.
لذلك علينا أن ندرك أن انتخاب أوباما كما كان في السابق اختيار كندي لم يكن محض صدفة أبداً ولم يكن وليد ديمقراطية أمريكية نزيهة، إنما كان بداية تطبيق إستراتيجية جزئية تتوجه بشكل رئيس نحو منطقة شرق المتوسط التي يطلقون عليها شرق أوسط، فأوباما ذي الأصل نصف الأفريقي ونصف المسلم ومخالف لبروتوكولات واسب، والذي استمر بإسناد وزارة الدفاع إلى غيتس الذي أشرف شخصياً على تأسيس القاعدة والذي عُين في هذا المنصب قبل وصول أوباما إلى البيت الذي يشبهه، وتركه قبل إعلان مقتل بن لادن بأيام قليلة جداً. إن دلالات اختيار أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية تجسدت عملياً في السلوك الأمريكي المستتر تحت حقوق الإنسان وحماية الأقليات والمطالبة بتحقيق العدالة الزائفة والمساوات الواهمة بين شعوب المعمورة، فكان القتل والتدمير وإبادة شعوبُ وأممُ تحت هذا الشعار وكانت بغداد العرب والمسلمين المثل الأكثر شهرة في بدايات القرن الحالي، وتجسدت أيضاً في استخدام الإسلام لضرب الدين الإسلامي وبسط سيطرة الأمريكيين على بعض المناطق التي لم يتمكنوا من استعباد شعوبها كلياً بوسائلهم ومغرياتهم النتنة، فتم القضاء على القاعدة شكلياً في بدايات أحداث الربيع الدجال بعد أن انتهت صلاحيتها وصلاحية قادتها قبل ذلك بكثير، ليتم صناعة إسلاميين على الطريقة الأمريكية وهوى البيت الأسود من أجل شرذمة العقيدة التي بقيت صامدة في وجه الفكر الغربي، وكانت جبهة النصرة الواجهة التي سوف يتم مواجهتها وإشغال الجميع بها ريثما يتم تجهيز (داع ش) التي تحقق لهم ما يريدون.
فإذا كنا ندرك أن الغرب المستعمر وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة التخريبية وقزمهم الموجود في البيت الأسود ومن يتطلع إلى سكن هذا البيت أو يرتبط به بأي صلة لن يطلقوا شعاراً أو يبدوا حركة أو يتبنوا رسماً أو وسماً إلا وله غايات وأهداف يتم العمل على تحقيقها، فما هي دلالات النصف الأفريقي والتي لم تتجسد بعد بالشكل المطلق بالنسبة لأوباما، وهل تكتفي أمريكا بإغراق أفريقيا بالأوبئة والأمراض وبعض الإرهاب المخفي إعلامياً في القارة السمراء، وما هو سر عودة كلينتون التي خسرت منافسة المقعد الرئاسي لصالح أوباما وهي التي تجسد أقلية واسب الحاكمة في أمريكا، وكيف يمكن تفسير هذه العودة المتمثلة بكتابة مذكراتها وتسريب أشياء يعتبرها البعض نصراً ويعتبرها البعض الأخر خطيرة جداً حول دولة الخلافة المزعومة وتأسيسها والدور الأمريكي القذر المناط بها في المنطقة.
لم أبد هذه التساؤلات لعرضها فقط، إنما ما أود قوله أن الولايات المتحدة سربت عمداً الخريطة الجديدة لمشروع الشرق الأوسط الجديد في عام 2006 تحت مسميات تقرير حدود الدم، وها هي –بعد أن اعتقد الجميع أن المشروع قد باء بالفشل- اليوم هذه الخريطة يتم العمل على تنفيذها وفق أدوات الدم بين شعوب المنطقة وأبنائها، فحدود الدم لم يكن اسماً عبثياً أبداً، إذ أصبح الدم هو من يقوم على رسم حدود الكانتونات الجديدة التي تسعى إلى تحقيقها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، والدم الطاهر الشريف نفسه من يقاوم هذه المشاريع وقذارتها.
لذلك أعتقد أنه من الواجب التفكير ملياً لمن الأولوية في المرحلة القادمة بالنسبة للراغبين في سكن البيت الأسود، للنصف الإفريقي المسلم ومن على شاكلته لاستمرار تدمير البلاد الإسلامية وإفريقيا ذات الثروات الباطنية والذهب واليورانيوم، أم لأنثى الواسب البيضاء ذات الشفافية والمصداقية الأمريكية الزائفة في سيناريوهات جديدة تقوم على التمكين وحقوق الإنسان وغيرها، وأؤكد على كلمة أنثى لبعض الدول التي لم تنتبه لها بعد.
سيريان تلغراف | د. يحيى محمد ركاج
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)