منذ لحظة إعلان الحرب على سورية، وازدياد التحرك الدبلوماسي الأمريكي والاستخباراتي وعلى نفس الخط كانت أميركا تلمّع أسماء وتقدمها للإعلام على أنها تمثل الشعب السوري، وصدّق هؤلاء أنّ الولايات المتحدة تحترمهم وتقيم لهم وزناً على رغم معرفتهم التامة بما كان يحدث داخل الاجتماعات وطريقة التعامل التي عوملوا بها من ممثلي الاستخبارات الأميركية أو من يعمل معهم.
وبالنتيجة كان صمود الجيش السوري ومن خلفه الشعب الذي ضرب الرقم القياسي في التحمل والصبر، إما على فلتان الأمن في بعض المناطق أو على غلاء المعيشة وفقدان المواد الرئيسية من الأسواق. أثر بالغ في ارتداد هذه الحرب على صانعيها وعلى مموليها وعلى العملاء أنفسهم الذين بدأت تصريحاتهم تتضارب وتختلف وتخضع لمزاجية اللحظة وليس لقراءة سياسية حقيقية.
فصار داعش بعد أن تكتم أهل الائتلاف على جرائمه وكانوا يعلنون عنها أنها انتصارات عسكرية. أما النصرة فهي جماعة تكفيرية وركبت موجة الثورة ـ بعد أن كان معاذ الخطيب يناضل لتوصيفها بالبنادق الشريفة.
ولأننا متفقون على أن داعش هو صناعة أميركية بامتياز، علينا أن نفهم أن كل فعل يصدر من مرتزقته وعلى كافة المستويات هو بعلم الولايات المتحدة إن لم يكن بطلب منها.
فإعلان داعش عن سبعين اسماً من الذين يطلق عليهم اسم معارضة وأكثرهم من الذين دعمهم المال القطري والسعودي والأميركي هو بمثابة ورقة طلاق بين الولايات المتحدة الأميركية والمعارضة السورية، فقرار داعش وضع تلك الأسماء على قائمة أسمتها المرتدين يعني أن أميركا ومن معها قرروا التخلص من تلك الجماعات وعلى أيدي عملاء آخرين.
واستثمار المعارضة لإعلان داعش هذا في سبيل تقديم المستهدفين على أنهم أبطال وممثلون عن الشعب السوري، وأن داعش يريد التخلص منهم لهذا السبب هو جهل حقيقي بطبيعة الولايات المتحدة التي لا تؤمن بوجوب استمرار العملاء على قيد الحياة، خصوصاً إذا كانوا من الدرجات الدنيا كما هي حال المعارضة السورية.
أما على المقلب الآخر فإن داعش هو هدف عسكري متنقل يجب ضربه عندما تدعو الحاجة إلى ذلك من خلال استصدار القرار الدولي رقم 2170 والذي ترك الباب نصف مفتوح للولايات المتحدة وحلفائها في استثمار داعش إلى أبعد الحدود.
ولأن القرار ليس بأثر رجعي، فإن الممولين الحقيقيين للإرهاب لن يتعرضوا إلى أي عقوبات فمن غير المنطقي أن يعاقب الغرب نفسه على ما صنعه في الشرق من خلال دعم مستمر للعصابات المسلحة والجماعات التكفيرية التي لم توصف إلا حديثاً في إعلامهم بهذا الاسم، بينما كانت على الدوام توصف على أنها قوات ثورية أو جماعات مناوئة للحكومة.
وطالما كان الخطاب الرسمي السوري والعراقي يطالب بوضع حد لتمويل الإرهاب الذي عبر من خلال الأردن إلى سورية ومن خلال تركيا إلى سورية والعراق ولكن المشروع الأميركي لم يجد أن الأوان قد حان بعد لتصديق الحكومتين في دمشق وبغداد… لعل عدد القتلى لم يكن كافياً بعد للقائمين على مشروع تقسيم المنطقة. والاندفاع الأوروبي اليوم في اتجاه تمويل الأكراد بحجة محاربة داعش ليس إلا عملية تمكين للانفصال في العراق وخلق كيان معترف به دولياً اسمه دولة كردستان والتي قد تمتد قريباً إلى تركيا وسورية.
والذي استمع إلى خطاب المقاومة في ذكرى انتصار تموز يفهم تماماً أن الحرب الدائرة اليوم ليست كما يحب طيور الظلام تسميتها على أنها حرب سنية – شيعية، إنما حقيقة هذه الحرب بين شعوب تريد الحياة الكريمة وبين جماعات تنفذ رغبات سيدها في واشنطن وتل أبيب من أجل إضعاف المنطقة وحرق كل تراثها الإنساني بحجة أن الصراع هو مذهبي.
فتهجير الناس من بيوتهم هو جريمة إنسانية مستمرة بدأت في فلسطين المحتلة على يد عصابات «شتيرن» و«الهاغانا»، وتستمرّ اليوم على يد عصابة ما يسمّى “داعش”.
كتب الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد:
يا صبر أيوب، لا ثوبٌ فنخلعُهُ
إن ضاق عنا… ولا دارٌ فننتقلُ
لكنه وطنٌ، أدنى مكارمه
يا صبر أيوب، أنا فيه نكتملُ
وأنه غُرَّةُ الأوطان أجمعِها
فأين عن غرة الأوطان نرتحلُ؟!
أم أنهم أزمعوا ألا يُظلّلنا
في أرضنا نحن لا سفحٌ، ولا جبلُ
إلا بيارق أمريكا وجحفلـُها
وهل لحرٍّ على أمثالها قَبـَلُ؟…
سيريان تلغراف