أثمرت المساعي الرامية للوصول إلى تسوية في مدينة داريا، في ريف دمشق الجنوبي الغربي، عن صياغة مسودة اتفاق نهائي بين الجيش السوري والعديد من الفصائل المسلّحة في المدينة، والتي تطلق على نفسها اسم «القوى العاملة». هذه القوى تتكوّن من «المجلس المحلي لمدينة داريا»، لواء «شهداء الإسلام»، «لواء المقداد» و«لواء سعد بن أبي وقاص».
وقد أدار عملية التواصل بين الطرفين وفد من أهالي المعضمية (المتاخمة للمدينة التي سبق أن شهدت تسوية بدورها) ووفد من داريا، ومفتي ريف دمشق عدنان الأفيوني، إضافة إلى ممثلين عن لجنة المصالحة الوطنية. وبحسب مصدر مطّلع، جرى الاتفاق على معظم البنود الواردة في مسودة التسوية: «وقف إطلاق النار أولاً، ثم تسليم ما بحوزة المسلّحين من الأسلحة الثقيلة إلى الجيش، واحتفاظهم بالخفيفة منها، وتولّي المسلّحين إدارة شؤون المنطقة، وعودة المهجرين إليها».
في المقابل، بقيت عدّة نقاط عالقة «من الناحية الشكلية» بين الطرفين، ولا يزال التفاوض حولها جارياً، إذ طلب الجيش عن طريق الوسطاء «تسليم المسلّحين الأجانب في المنطقة، ثم جرى تعديل الشرط إلى انسحاب المسلّحين الأجانب من المنطقة، وإيجاد آلية لذلك، بعدما عرض الوسطاء صعوبة تحقيق الشرط بشكله الأول، لكونه قد يهدد بنسف التسوية، لأنه قد يفجّر صراعاً بين المسلّحين أنفسهم».
في المقابل، أطلقت «القوى العاملة» «ميثاق شرف خاصاً بالهدنة»، واتفقت من خلاله على «إرسال وفد لمقابلة ممثلين عن النظام لنقل موقفها بخصوص الهدنة معه، والاستماع إلى موقف النظام، ونقله إلى القوى العاملة في الداخل». كذلك طالبت بـ«إعادة انتشار الجيش على أطراف المدينة وإطلاق سراح المعتقلين، كشرطين أساسيين للدخول في مناقشة التفاصيل الأخرى»، فيما أكّد مصدر مطلع أن جهات أهلية، من أهالي داريا المهجرين، طالبت بالتوازي بـ«أن تشمل التسوية بياناً إحصائياً توضيحياً بمصير المعتقلين، يقوم على أساس الفرز بين المدنيين والمسلّحين، ويجري بموجبه إطلاق سراح من لم يرتكب أي جرم يحاسب عليه القانون، فيما تحدّد عقوبة كل من ارتكب جرماً»، ليكون ذلك بمثابة «إغلاق لملف الاعتقال في المدينة بنحوٍ نهائي».
وأكّد مصدر عسكري أنّ «الاتفاق سيجري توقيعه خلال أيام، بعد أن توافرت المعطيات الكافية لنضوجه، وأن النقاط التي تعدّ خلافية لن تكون سبباً لعدم حدوث الاتفاق من وجهة نظر الجيش». ونوّه المصدر بأن الأمر الجوهري هو «قبول المسلّحين بالتسوية كموقف عام»، ذلك أن «الجيش السوري كان قد اقترح التسوية في المدينة منذ عدّة شهور انطلاقاً من أولوية الحفاظ على أمان المنطقة الغربية وإخراجها من دائرة الصراع، أسوةً بالريف الجنوبي لدمشق».
وهذا ما سيفتح الأبواب نحو حل مشكلة مئات الآلاف من المهجرين في الريف الغربي والجنوبي، وما قد يوصد الباب نهائياً أمام الحرب في تلك المنطقة، التي تعد مدينة داريا الأكبر فيها. ويلفت المصدر إلى أن «رفض التسوية من جانب مسلّحي داريا سابقاً، بالرغم من حالهم المتردية، كان سببه الضغوط المطبقة عليهم من بقية الفصائل في الغوطة الشرقية، ومن الخارج أيضاً. ومن هنا تحديداً تأتي أهمية الوصول إلى هذا الاتفاق». ويأتي ذلك بعد حرص الجيش على إنجاح التسوية، في كل الأحوال، و«حمايتها والتصدّي لقوى الإعاقة التي هي حتماً موجودة، وتعمل على إفشالها».
والجدير بالذكر أنه في حال نجحت التسوية في داريا، تكون قد انطفأت أوسع بؤرة للتوتر في الريف الغربي كاملاً، والتي تمثّل نحو 80% من إجمالي المناطق المتوترة فيه، حيث لن تتبقّى سوى جبهات خان الشيح وريف الكسوة عملياً، والتي يتأثر مسلّحوها بشدّة بمجريات الوضع في مدينة داريا، مكان وجود قياداتهم العسكرية والسياسية.
سيريان تلغراف