كلما تعمقنا في دراسة بيولوجيا جسم الانسان نتوصل اكثر فأكثر الى حقيقة مهمة جداً فيه لها علاقة بحجم الأشياء و أهميتها. لايهم الحجم كثيراً في الحياة لان التحكم عادة يأتي من أشياء صغيرة. فالانسولين مثلا يفرز من ١٪ فقط من البنكرياس وهو يتحكم بمعدل الاستقلاب لكامل جسم الانسان. الغدة النخامية صغيرة الحجم ( بحجم حبة البازيلاء) ولكنها تتحكم بكامل وظائف الجسم. هرمون السوماتوستاتين مؤلف من ١٤ حمض أميني فقط و لكنه قادر على تثبيط اي هرمون في الجسم مهما بلغ حجمه. الخلايا الرئوية من النمط الثاني تشكل اقل من ٣٪ من السطح المغطي للاسناخ الرئوية ولكن بدون مادة السرفاكتنت التي تفرزها تنخمص الرئة وتصبح حياة الانسان مهدد بالخطر.
لذلك الحجم و الأهمية غير مرتبطان. كما لايهم اذا كانت الأغلبية العظمى من الكون يشاهد مباريات كأس العالم و انت هو الانسان الوحيد على الارض المهتم بالفلسفة الكونية رغم انني من متتبعي الاثنين الا ان الإدراك الشخصي اهم بكثير من الحجم الكلي للبشر.
سوريا دولة صغيرة المساحة جغرافيا (١٨٥،١٨٠ كم مربع) وتحتل المركز ٨٩/ ٢٤٩حسب تقارير الامم المتحدة في المساحة على مستوى العالم ولكن أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للعالم برزت بشكل كبير وخصوصا في الأحداث الدامية خلال الأعوام الثلاثة الماضية. رغم ألمي الكبير على ما فقدناه من أهل وأصدقاء استشهدوا و ذكريات مدن ممزوجة بالحنين والحب عشناها منذ ياسمين الطفولة. إلا انني أرى قيامة قادمة من بين الركام وأمل يلوح مع زيادة الدراسات حول الثروة النفطية في منطقتنا والمشروع النووي الذي يعلن عن احتياجه للعلماء و عن النهضة العمرانية من بعد بركان الدماء.
قد يختلف الكثير من الواقعيين و المتشائمين معي على المستقبل ولكن لايختلف اثنان ان سوريا استطاعت ان تنتصر على القوى الظلامية لمدة عقود وخصوصا في السنوات الاخيرة بفضل إرادة السوريين المحبين للحياة و النور ، و سوريا برهنت انها مهمة وتتحكم في مسار الأمور رغم صغر مساحتها بالامتار المربعة. و كما قال لي احد المسؤولين في احد الجامعات العربية مؤخراً عندما طرحت هذا المفهوم: “السياسيين مع الأسف لايفقهون علم البيولوجيا وعلاقة الحجم بالأهمية”.
قد يختل الجسم في المرض و تموت اجزاء منه و لكن حب الحياة و النور يبقيان في الانسان الى الأبد ويحضرني هنا قول أمير الشعراء احمد شوقي : ” بِالفِعلِ وَالأَثَرِ المَحمودِ تَعرِفُها
وَلَستَ تَعرِفُها بِاِسمٍ وَلا لَقَبِ
هَزَّت دِمَشقُ بَني أَيّوبَ فَاِنتَبِهوا
يَهنَئونَ بَني حَمدانَ في حَلَبِ
وَلا المَصائِبُ إِذ يَرمي الرِجالُ بِها
بِقاتِلاتٍ إِذا الأَخلاقُ لَم تُصَبِ”.
سيريان تلغراف | د. البير حنا الحاتم
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)