تزدحم صفحات التواصل الاجتماعي وأحاديث السوريين هذه الأيام بقصص وحكايات لاتحصى عن يوميات السوريين خلال شهر رمضان لهذا العام، وعن حجم المعاناة التي يقاسيها معظم السوريين، حتى أولئك الذين لم يضطروا إلى هجر منازلهم أو ترك وظائفهم، فما بالك في من دفعته الحرب الدائرة على مساحات واسعة من أراضي سورية إلى هجر منزله أو خسارة وظيفته أو فقدان مورد رزقه أياً كان ..القصص قاسية حد الوجع؛ فهذا يتحدث عن عائلة لاتجد ماتسد به رمق أبنائها، وذاك يشرح لك إلى أي حدّ اختُصرت مائدة الإفطار، بحيث اقتصرت صنوفها اليوم على صحنين من الزيت والزعتر !
اللغة الدارجة في الأسواق
ربما تكون عصية على الترجمة، فلا قواميس تفسر هذا الفلتان الذي تخطى حجم الأزمة في البلد، ولا حلول قادرة على إعادة الأمور إلى ماكانت عليه في السابق، أو حتى إلى مايقاربها، كل ذلك جعل الحديث عن ارتفاع الأسعار مملاً ومتعباً وغير مجدٍ؛ فالارتفاعات كثيرة وكبيرة، ولم تستثن أي مادة من المواد، ومنذ أن حلت علينا لعنة أسعار الصرف والمنحنى التصاعدي لم يتراجع بشكل فعلي ومؤثر كما وعدتنا الجهات الرقابية ، ما وضع المستهلك أمام خيارات محدودة جداً وفي بعض الأحيان معدومة.
أشد المتشائمين لم يكن يتوقع أن تستمر الأزمة في سورية طيلة هذه الفترة، وهاهو ثالث رمضان على التوالي يأتي في قلب الأزمة، وقد يكون هذا الشهر الأقسى والأصعب على المواطن السوري، ليس فقط من حيث الناحية الأمنية والإنسانية والاجتماعية؛ بل الأصعب من الناحية الاقتصادية؛ فالقوة الشرائية للمواطن تراجعت بشكل كبير جداً والارتفاع الحاصل في الأسعار التهم دخل الطبقات الفقيرة، وقذف بالطبقات المتوسطة إلى الوراء، وجعل كافة طبقات المجتمع تعاني من واقع الأسعار في الأسواق المحلية .
مقارنة بسيطة
المسألة لا تحتاج إلى إثبات، وهناك إجماع كامل من قبل أعضاء الحكومة والخبراء الاقتصاديين والمتابعين للشأن المحلي، بأن الارتفاع الكبير في الأسعار غير منطقي، ولا يوجد له تبرير، ولا يوجد أي مجال للشك أو الإنكار للواقع السيئ للأسعار. وإذا أجرينا مقارنة بسيطة لواقع الأسواق في شهر رمضان عام 2011 وشهر رمضان 2014 فستكون النسب كبيرة جداً وربما صادمة، إلا أنه الواقع المرير. وإظهار المشكلة وإبرازها، ووضعها على الطاولة أفضل من الاستمرار في تجاهلها؛ لأنها ستتفاقم وتخلف تأثيرات جانبية كثيرة، والمواطن العادي في غنى عنها في هذه الظروف
وحتى هذه اللحظة، لم تظهر أي إحصائية من جهة رسمية أو غير رسمية لحجم الارتفاع الحاصل في الأسعار، إلا أن الواقع خير دليل، وأبلغ من أي إحصائية، مهما كانت الجهة الصادرة عنها، والمتابع لحركة السوق سيدرك تماما أن هذا هو الواقع الحقيقي دون مبالغة أو تضخيم حيث حددت وزارة الاقتصاد اليوم سعر البندورة نوع أول مستورد بـ80 ليرة، والبندورة نخب ثاني بكافة أنواعها بـ65 ليرة مع أنها كانت قبل الأزمة 12 ليرة وسعر كليو البطاطا نخب أول 130 ليرة، والبطاطا نخب ثاني بـ 110 ليرة سورية وسعر الخيار البلاستيكي نخب أول بـ100 ليرة، والنخب الثاني بـ90 ليرة، أما الكوسا فقد حدد سعر الكيلو بـ170 ليرة، والباذنجان الأسود المستورد بـ145 ليرة سورية.
ووفقاً للنشرة بلغ سعر جرزة البصل الأخضر والفجل بـ10 ليرات، وسعر الملفوف بـ50 ليرة، أما الزهرة فقد حدد سعرها بـ95 ليرة سورية
وحددت النشرة، سعر البصل الأحمر اليابس بـ25 ليرة ، والثوم اليابس الصيني بـ135 ليرة، وحددت سعر الفليفلة الرقيقة بـ200 ليرة، والليمون بـ75 ليرة سورية
أما بالنسبة للفواكه، فقد حددت النشرة سعر كيلو البرتقال أبو صرة بـ60 ليرة، في حين حدد سعر كيلو التفاح بكافة أنواعه، نخب أول بـ200 ليرة والنخب الثاني بـ 180 ليرة، والنخب الثالث بـ145 ليرة سورية في المقابل، لاتزال أسعار الخضروات والفواكه مرتفعة في أسواق دمشق، حيث أرجع أصحاب المحال التجارية غلاء الأسعار إلى صعوبة وصول الخضراوات، واستيراد أغلبها بسبب ضعف الزراعة السورية منذ بداية الأزمة، بالإضافة إلى تكاليف النقل نظراً لغلاء أسعار المحروقات وتأخر وصولها في أغلب الأحيان
هناك مواد أخرى شهدت ارتفاعات بنسب أكثر بكثير من المعروض سابقاً وخاصة المواد الكهربائية والأدوات المنزلية والمواد الأخرى التي ترتبط بشكل مباشر في أسعار الصرف، وبمقارنة بسيطة بين أسعار المواد الأساسية للشهر الحالي وبين أسعارها في ذات الفترة من عام 2011 نجد أن نسبة ارتفاعها وصلت إلى أكثر من 300% كحد أدنى لها، مع التنويه أن هذه النسبة “غيض من فيض”، فإذا ما تم رصد كل السلع، سنجد أن بعضاً منها ارتفع لأكثر من 1000% وخصوصاً المستوردة .
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من جهتها، ورغم كل ما يحصل في الأسواق تؤكد أنها مستمرة في ضبط الأسواق ضمن الإمكانات المتوافرة، فتتدخل إيجاباً من خلال طرح كميات إضافية من المواد عبر مؤسسات القطاع العام مع الحرص على وفرتها وسهولة إيصالها إلى الناس، لكن فارق سعر الصرف هو الذي أثر بشكل أساسي على ارتفاع الأسعار، حيث أن جودة المواد تتابع، ونظافة السوق يتم التركيز عليها أيضاً، لتبقى المشكلة في السعر.
هذه الارتفاعات المتتالية في الأسعار والتي وصلت إلى أرقام قياسية مع قدوم شهر رمضان المبارك، خطفت الأجواء الرمضانية التي كانت في السابق، سواء الاجتماعية منها أم الاقتصادية، والاقتصاد في المنزل غدا سيد الموقف؛
فالتقتير لم يعد خياراً والأجواء الشعبية اختفت والأبعد من ذلك والأخطر هو الحالة السلبية التي يتعرض إليها الكثير من المواطنين في هذا الشهر والقصص الواردة من بعض المناطق تشير إلى حجم وعمق المشكلة، والكثير من العائلات سعيدة الحظ، أصبحت تقتصرعلى وجبة واحدة وطبق واحد دون أي أصناف أخرى وحتى مقبلات، الأهم من هذا، تلك الظواهر التي اعتدنا على رؤيتها في الشوارع أثناء آذان المغرب والأكلات المتواضعة لعوائل بكاملها تفترش الشوارع لتأكل الخبز وتشرب الماء فقط، وأخرى تجدها تنتظر ما قد يأتيها من عابر سبيل يرأف بحالتها
الموائد الرمضانية لم تختف تماماً هذا الشهر، إلا أنها دون المطلوب بكثير وربما لم ترتق إلى حجم المعاناة الكبيرة لبعض العائلات والأسر المشردة التي بقيت دون مأوئ واليوم دون مأوى أو طعام، واللوم الكبير يقع على الجمعيات الخيرية التي كان من المفترض أن تقوم بعمل مضاعف، لأن واقع الأزمة وتأثيره مضاعف .
وبالعودة إلى التأثيرات الاقتصادية التي تسببت في معاناة الكثير من الأسر والعائلات التي أصبحت تعيش تحت خط الفقر الأعلى جراء الأزمة من جهة والإجراءات الاقتصادية التي لم تمنع الاستغلال والاحتكار والارتفاع الكبير في الأسعار، فأي معاناة إنسانية تعود معظم أسبابها اقتصادية أو تقف وراءها عوامل مادية، خاصة في هذه الظروف.
ووفق ما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية الذي يحدد أن الإشكالية الأولى هي أن حوالي 50 % من الدخل ينفق على الغذاء والحاجات الضرورية؛ لذا فإن ارتفاع أسعار الغذاء والمواد الضرورية يعني انخفاض في القوة الشرائية لدخل العائلة السورية أيضاً بنسب كبيرة، عدا عن ارتفاع أسعار الكثير من السلع الأخرى غير الغذائية والضرورية .
من جهةٍ أخرى، لا توجد إحصاءات لارتفاع نسبة البطالة في الفترة الأخيرة، إلا أن واقع السوق يشير إلى أن هذه النسبة ارتفعت بنسبة لا بأس بها، وبالتالي فإن دخل الأسرة السورية تأثر إلى حدٍ كبير، ولارتفاع نسبة البطالة وجه آخر؛ وهو انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع الفقر،عدا عن تأثره بارتفاع الأسعار، وإذا نظرنا إلى أسباب ارتفاع الأسعار نجدها عديدة منها زيادة الطلب على بعض أنواع السلع ومنها الإرباكات في عملية الاستيراد والنقل، وتحويل ثمن الصفقات التجارية، إلا أن لمعظم هذه الزيادة سبباً غير مبرر وغير مقبول؛ وهو السبب الاحتكاري
سيريان تلغراف | مجد دوبا – بلدنا