نشر الكاتب والباحث سايمون هندرسون في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقالا جاء فيه ،أن السعودية فتحت ساحة جديدة لمعركتها مع إيران بدعمها لتنظيم “داعش” وتحركاته الأخيرة في العراق، محذرا من تداعيات الموقف الراهن في العراق ودور السعودية فيما يحدث، والدور الذي على الإدارة الأمريكية القيام به حيال تطورات الأوضاع هناك.
وأوضح هندرسون أنه على الرغم من صمت الملك عبد الله بن عبد العزيز تجاه التطورات الأخيرة في العراق، إلا أنه من المتوقع أن ينتهي هذا الصمت قريباً وأن يقطع الملك عطلته في دولة المغرب للعودة إلى السعودية، حيث أنه يرى أن ما يحدث في العراق يعد فرصة اضافية لتحقيق “نكسة استراتيجية” لإيران، وهو ما لم ينجح فيه في الحالة السورية.
وألمح الكاتب إلى التناقض الحالي في العلاقة بين الدول الخليجية وإيران، فمن جهة تبدو العلاقات في “مرحلة تقارب على مضض” حسب تعبيره، خاصة مع الزيارات المتبادلة والتي قام بها وفود تجارية ووزارية وزيارة أمير الكويت، ومن جهة أخرى أشار إلى تلويح السعودية بالقوة باستعراضها لصواريخها الباليستية الصينية القادرة على ضرب طهران لأول مرة منذ أسابيع، وكذلك بالنسبة للإمارات، حيث إقراراها التجنيد الإلزامي منذ أيام.
ورأى هندرسون أن اجتياح “داعش” المفاجئ لشمال غرب العراق، يبدو أنه من التكتيكات المفضلة لبندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وإن لم يتوفر دليل مادي على هذا.
ووصف هندرسون ما يحدث في العراق بـ”انتكاسة” لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، كانت بمثابة حلم راود عاهل السعودية لسنوات عديدة، فالملك عبد الله بن عبد العزيز يرى أن المالكي “دمية إيرانية”، مشيراً إلى عدم إرسال ملك السعودية سفير لبلاده إلى بغداد وتشجيع باقي حكام مجلس التعاون الخليجي على انتهاج سياسة متحفظة نحو المالكي.
وأضاف الكاتب “أنه على الرغم من تعرض السعودية وبلاد الخليج وخاصة قطر والكويت للخطر من جانب تنظيم القاعدة ومن الجماعات المتطرفة التي تتبنى فكرها، إلا أنهم دعموا هذه الجماعات في سورية بغرض إسقاط نظام الحكم فيها، بهدف إلحاق هزيمة استراتيجية بإيران وذلك في حسب استراتيجية السعودية السياسية الهادفة إلى دعم الإرهابيين عبر الحدود، بالتوازي مع محاولة احتوائهم وملاحقتهم داخل حدودها”.
ويضرب الكاتب المثال بدعم السعودية لبن لادن في افغانستان في العهد السوفييتي، وهو ما يتجدد الآن مع مسلحي “داعش” في سورية والعراق وقبلهم البوسنة والشيشان.
وأشار هندرسون إلى أن السعودية عادت مرة أخرى لهذا النهج في سورية مع بدء التمرد على النظام في 2011، ولكن بدافع القلق من البرنامج النووي الإيراني، وأن الاستخبارات السعودية دعمت الجماعات المسلحة المتطرفة حسب استراتيجية وضعها رئيس المخابرات السعودي السابق بندر بن سلطان، الذي أقيل بسبب فشله في التعامل مع منهج إدارة أوباما الحذر بشأن دعم المسلحين في سورية..مضيفا أنه حتى بعد إقالة بندر استمر الدعم السعودي لهؤلاء المتطرفين.
وأضاف الكاتب أنه على المستوى الإقليمي والدولي، يوجد متغيرين رئيسين قد يطرأا ن على الوضع الراهن في العراق في المستقبل القريب، ينبغي النظر لهم بعين الاعتبار، أولهما: أن واشنطن لم يصبح لديها رفاهية التراخي تجاه ما يحدث بالعراق الآن بسبب وجود ما يقرب من عشرين ألف أمريكي في العراقي.
والمتغير الثاني: هو موازنة قطر حتى الآن- الانتهازي الأكبر في المنطقة – حسب تعبيره- بين إغضاب منافستها الاقليمية السعودية بوقفها ضد مصلحتها في العراق من ناحية، أو إغضاب إيران من ناحية أخرى إذا فعلت العكس ودعمت الجماعات الارهابية.
وفي السياق نفسه، استبعد الكاتب أن يحدث مواجهة مباشرة بالوكالة بين إيران والسعودية مثل الحالة السورية في العراق ، لكنه لم يستبعد أن يقوم الحرس الثوري الإيراني بالتدخل العراق باعتبارها الباحه الخلفية لإيران.
وبالنسبة للموقف الأمريكي تجاه تعاطي السعودية مع “داعش” قال هندرسون أنه على الولايات المتحدة الآن تقديم المشورة إن لم تكن فعلت من قبل للسعودية والدول الخليجية الداعمة للإرهاب، سواء في سورية ضد الأسد ،أو في العراق على يد “داعش”، الذين تسببوا في نزوح مئات الآلاف من المواطنين العراقيين بسبب عملياتهم العنيفة في شمال غرب العراق، وخلق حالة ذعر للعراقيين في بغداد وما حولها من مدن.
وأضاف أنه بالنسبة للولايات المتحدة التي تعمل بمبدأ “عدو عدوي صديقي” مدى استفادتهم من هذا المبدأ حتى الآن محدودة، بسبب أن العراق تمثل على مستوى الجغرافية السياسية رابطا بين ما أسماه بـ”الانقسامات في العالم العربي” المتمثلة بحسب رأيه في الفجوة الدينية والتي تتزامن مع التناقض بين القومية العربية والقومية الفارسية الإيرانية .
وأشار إلى أن ما يحدث في سورية الآن سيكون له مماثل في العراق، فـ”داعش” تسيطر على منطقة بين البلدين تطلق عليه “دولة الخلافة”، منبهاً أن على الولايات المتحدة أن تجد مسمى جديد لهذه المنطقة في حال استمرار سياستها الحالية تجاه ما يحدث.
وأشار الكاتب إلى اتفاق كل من رؤية الإمارات والسعودية حول ما يحدث في المنطقة، قائلاً “الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للأمارات بسبب إصابة شقيقة الأكبر (خليفة بن زايد) بالسكتة الدماغية مؤخرا، زار الملك السعودي في الرابع من حزيران الجاري قبل زيارته إلى القاهرة، حيث يعتبر الاثنان أن نجاح الرئيس عبد الفتاح السيسي قوة استقرار اضافية للرياض وأبو ظبي”.
منبهاً إلى حصول السيسي على دعم إضافي من الرياض وأبو ظبي لكونه ضد جماعة “الإخوان المسلمون”، التي لديها خلاف تاريخي كبير مع الامتيازات الوراثية في الأنظمة الملكية العربية والإسلامية.. مضيفا أن كل من محمد بن زايد والسيسي ومن سيخلف الملك عبد الله، سيكون لهم دور هام في مستقبل المنطقة العربية.
سيريان تلغراف