في الوقت الذي تُظهر فيه الدول الخليجية رغبة جامحة في الدعوة إلى الديمقراطية في البلدان التي تتبع للأنظمة الجمهورية تحت مسميات “الحريات وحقوق الانسان”، تستمر معاناة نحو18 مليون شخص نسبة كبيرة منهم من دول عربية يعملون في دول الخليج نتيجة رزحهم تحت نظام الكفالة الذي يجسد بشكل أو بآخر العبودية في ابشع صورها، ويبدو أن الثورات التي تعصف ببعض الدول العربية قد بدأت تقض مضاجع حكام الدول الخليجية، تخوفاً من إمتداد رياح الربيع العربي مسحوبا بغبار أسيوي إلى بلادهم.
وكان قد ظهر نظام الكفالة خلال سبعينيات القرن الماضي حيث إزدادت حاجة دول الخليج لاستقدام أيد عاملة للمساهمة فى التنمية، وهو ما تطلب إيجاد صيغة تنظيمية لهذه العمالة، فنشأ ما يعرف بنظام الكفيل، ومعناه أن وجود العمال الوافدين إلى دول الخليج لا يتم إلا بوجود مواطن خليجى يكفلهم، بحيث يتحمل فيه الشخص الذي يستقدم العمالة مسئوليتها، فيتكفل بمرتباتها ومسكنها، واستخراج وثائق إقامتها ومغادرتها، وغير ذلك، ويكون فى الأغلب صاحب العمل نفسه.
ولا يوجد شكل واحد لنظام الكفالة فى دول الخليج، بل أوضحت الممارسات العملية أن ثمة أشكالا متعددة، ومنها نظام الكفالة الحرة، وهى جلب العمالة من موطنها الأصلي بعقود تطلق عليها تسمية عقود حرة، أي بدون عمل محدد، بحيث يتم استجلاب العامل إلى دول الخليج وتركه طليقا يبحث عن عمل يناسب قدراته ومؤهلاته، وهو ما ينطبق على العمالة غير المؤهلة وغير الماهرة.
أما نظام الكفالة المقيدة بعمل، فهى تعنى جلب العمالة الأجنبية وتشغيلها فى الشركات والمؤسسات التى أتوا على كفالتها. إن هذا النمط يعد أقل وطأة من النمط السابق إلا أنه يشوبه الكثير من النواقص، منها إجبار العامل على العمل قسرا فى تخصص غير الذى جاء من أجله، وإجبار العامل على العمل بأجر خلافا لما هو منصوص عليه فى العقد، وإجبار العامل على العمل أكثر من ساعات العمل المقررة قانونا والتعسف في منح الإجازات والتأخر فى صرف الرواتب.
وهناك الكفيل الأول أو المستورد، بحيث يقوم الكفيل باستيراد العمالة والتحكم فيها. وهذا الكفيل إما أن يقوم بتشغيل العامل لديه وبالتالي إخضاعه لكل شروطه وإرادته أو أن يقوم بتحويله إلى كفيل أخر.
خطوة قطرية مفاجئة
بعد أن كانت البحرين قد أعلنت في عام 2009 عن إلغاء نظام الكفالة في خطوة غير مسبوقة خليجياً، أعلنت إمارة قطر في خطوة مفاجئة وعلى لسان وكيل وزارة العمل القطرية حسين الملا، “إعتزامها إلغاء نظام الكفالة المثير للجدل، والمطبق على الوافدين إلى أراضيها، إضافة إلى السماح بإقامة هيئة منتخبة مستقلة لحماية حقوق العمال، وذلك لاستعداد البلاد لاستضافة كأس العام لكرة القدم في 2022″، مشيرة “إلى أنه سيتم تعويض ذلك بعقد مبرم بين الوافد وصاحب العمل، نظرا لما سببه لفظ “كفيل” من المشاكل في المنظمات الدولية”، تزامنا “مع الإعلان أيضا عن خطة لتوظيف مليون عامل استعدادا لاحتضان كأس العالم”.
الخطوة القطرية لم تكن متوقعة خاصة أن الإمارة النفطية كانت قد صمت اذانها في السابق عن الإنتقادات الدولية لنظام الكفالة والذي يحد من حرية العاملين، كما أن السبب الذي تذرع به وكيل وزارة العمل القطرية لإلغاء النظام “إستعداد البلاد لاستضافة كأس العام لكرة القدم في 2022” لا يمكن أخذه على محمل الجد.
الأسباب الحقيقية للخطوة القطرية
تشير المعلومات التي حصل عليها موقع عربي برس من مصادر رفيعة المستوى في دائرة القرار القطري إلى أن هناك مخاوف جدية تحيط بحكام قطر من إمكانية تنظيم العمال الأسيويين وبخاصة الهنود والبنغلادشيين إنقلاباً في الإمارة النفطية الصغيرة، رغم أن الحكومة القطرية عملت على تحسين أوضاع معيشتهم في الفترة الأخيرة بصورة غير مسبوقة بحيث أضحى العامل الهندي يتمتع بمزايا ترتقي في أكثر الأحيان إلى مستوى حياة المواطن القطري.
المخاوف القطرية الجدية من سقوط الإمارة بيد الهنود لم تأت من فراغ، فالعمالة الهندية في قطر أصبحت تشكل نحو نصف عدد المقيمين(حوالي مليون عامل)، والأغرب أن عددا كبيراً منهم بدأ يشغل مناصب حساسة في المؤسسات القطرية بالإضافة إلى القوات المسلحة، وأصبحت كلمتهم مسموعة بشكل كبير، ولعل الأجر الزهيد الذي كانوا يتقاضونه في السابق كان السبب في إيجاد وظائف لهم والخشية اليوم تكمن في إنقلاب السحر على الساحر.
المصادر تؤكد أن كأس الأمم الأسيوية التي أقيمت في الدوحة العام الماضي كان لها أثر كبير في إعادة الحسابات القطرية، وتنامي المخاوف الجدية من الصعود الأسيوي، فالجماهير الهندية التي واكبت منتخبها تمادت كثيراً في تصرفاتها تجاه جماهير المنتخبات المنافسة، وعجز الجميع عن ردع هؤلاء، لا بل أن الإساءات طاولت رجال الأمن القطري الذين وقفوا عاجزين عن فعل أي شيء حيالهم، بل إكتفوا بالدعاء لخروج المنتخب الهندي من البطولة كي لا يواجه نظيره القطري في الأدوار الإقصائية”.
أساليب المواجهة المستقبلية
بكل تأكيد أن إلغاء نظام الكفالة لن يحد من المخاطر التي تهدد عرش العائلة الحاكمة في قطر هذا ما تقوله المصادر وتتابع” بدأنا منذ فترة قصيرة دراسة الخيارات المتاحة للحد من خطر هؤلاء، وجدنا أنه لا يمكننا ترحيلهم لأنهم أضحوا حاجة ملحة في الوظائف التي يشغلونها، لذلك إنتقلنا لتنفيذ خطة أخرى قد يكون لها اثار إيجابية في المستقبل القريب، وجدنا أنه لا مفر من إستخدام مبدأ فرّق تسد بين العاملين وعلى إختلاف جنسياتهم، هناك لجنة كلفت بدراسة المذاهب التي ينتمي إليها الهنود، علّنا نستطيع إيقاع الخلافات بينهم على خلفية الصراع الإسلامي-الهندوسي من جهة، وتأجيج الخلاف بين الهنود والباكستانيين من جهة أخرى، كما لا يمكننا إغفال خطر تزايد العمالة المصرية والسودانية رغم قلة تأثيراتها”.
المصدر: عربي برس