Site icon سيريان تلغراف

جائزة الصحافة العربية من المهد إلى اللحد .. بقلم ياسر سليمان

أنوه بداية بأن هذا المقال لا يوجه سهام النقد لأى جهة بعينها ولكنه عبارة عن جرس إنذار للإعلان عن فشل المنظومة الإعلامية العربية فى مساعيها الدؤوبة حتى ولو شكلاً للتخلص من سيطرة وتحكم الأنظمة السياسية الحاكمة عليها ، وأيضاً لتحكم رأس المال لتصبح أشبه بـ”سوق للنخاسة” والصحفيون هم بضاعته.

ولا أكذبكم حديثاً بأننى رغم عملى فى المجال الصحفى لمدة تزيد عن الـ 15 عاماً وقبله خمس سنوات فى العمل التدوينى لكنى كنت طيلة تلك الفترة بعيداً كل البعد عن أى فعاليات تكريمية أو مسابقات محلية أو دولية ربما بسبب عدم الإكتراث بها ، وربما بسبب إنخداعى وظنى بأن الأعمال التى تشارك فى تلك المسابقات يمتلك أصحابها مستوى حرفى ومهنى عالى المستوى.

ولكن فى العام الماضى قررت خوض غمار هذه التجربة كنوع من إستقراء حالة واقعى لتلك المسابقات والجوائز ، فوقع إختيارى على أكبر وأشهر جائزة عربية فى المجال الصحفى وهى ما تعارف عليه إعلامياً بـ “جائزة الصحافة العربية” وواقعياً “بجائزة دبى للصحافة” أو “جائزة نادى دبى للصحافة” والتى يتبناها “نادى دبى للصحافة” بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والذى يمثل الأمانة العامة للجائزة.

وقد شاركت فى مسابقة ما يُطلق عليه إعلامياً بـ “جائزة الصحافة العربية” بحوار صحفى لم أكن أتوقع له أن يحظى بالإهتمام من القائمين على الجائزة بالرغم من أهميته وتأثيره وإنتشاره لإنه ساهم لوحده فى قتل “فتنة” إعلامية فى مهدها كانت ستستخدم فى زيادة تركيع السياسة والدبلوماسية العربية لسنوات قادمة وكانت ستزيد حالة البلبلة والفوضاوية والتى أصابت الشعوب العربية منذ بدء ثورات الربيع العربى.

، وكان سبب توقعى بألا يحظى الحوار بالإهتمام يرجع لقناعتى بناءاً على شواهد سابقة بأن غالبية العاملين بلجان التحكيم فى المسابقات الصحفية والإعلامية العربية لم يتخلوا بعد عن الأساليب التقليدية فى التقييم المهنى ، تلك الأساليب الموروثة منذ عقود طويلة كابر عن كابر كأنها شريعة مقدسة غير قابلة للتطوير أو للإجتهاد.

ويرجع سبب مشاركتى بهذا الحوار دون غيره هو إنخداعى أول الأمر بالشعار الذى رفعه “نادى دبى للصحافة” لمسابقة هذا العام وهو شعار “الإبداع والتميز” والذى يحمل بين طياته معانى قوية وثورية تشير فى جوهرها إلى أن العمل المُقدم يجب أن يكون غير عادى وغير تقليدى.

فالحوار الذى أجرته الجريدة مع البولندية “آنيا ليوسكا” والذى نجحنا والحمد لله فى وأد فتنتها فى وقت قياسى ، ويرجع لنا “فقط” الفضل “بعد الله” فى وأد تلك الفتنة الإعلامية وعدم إستغلالها إعلاميا لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية ، وقد كانت “جريدة الإسماعيلية برس” هى “الوحيدة” – وحتى اليوم – من ضمن كل الأجهزة الصحفية والإعلامية العربية والتى نجحت فى إجراء حوار معها وإظهار حجم الموضوع على حقيقته بعيداً عن زيف العديد من الأجهزة الإعلامية والصحفية العربية ، وبالرغم من محاولات بعض الفضائيات الشهيرة وكبريات الصحف العربية إجراء حوارات معها ولكنها جميعها باءت بالفشل.

ومع ذلك فكنت على يقين بأن هذا الحوار لن يحظى بأى تكريم لأنه أولاً وأخيراً حوار مع “عاهرة” ، ولن تغامر مؤسسة كـ”نادى دبى للصحافة” بوضع نفسها بين “مطرقة القيل وسندان القال” حتى ولو كان الحوار مع أعظم “عاهرة” فى العالم وليس مع “عاهرة” محلية تبنت فكرة مجنونة شغلت بها العالم كله وأصبحت سيرتها وإسمها أداة أُستخدمت إعلامياً بشكل علنى فى تصفية الحسابات بين بعض القوى السياسية العربية ، مما دعى بعض الأنظمة العربية كما وصفتهم فى مقال سابق لأن “ينبطحوا إنبطاح دونكيشوت” للدفاع عن شرفهم السياسى.

وقد حمدت الله أننى لم أكن أحد المرشحين الثلاثة لجائزة الحوار الصحفى بعد إكتشافى حجم “السُخف” الممنهج فى جائزة صحفية تُعد “إعلامياً” من أعظم الجوائز العربية ، ولكنها برغم إمتلاكها للبريق واللمعان الإعلامى فهى بدون مضمون مهنى حقيقى ، وهذا لأجل أن أتحدث بدون حرج ، وحتى لا يُفهم حديثى على أنه حرباً تنافسية.

وأنا لن أتحدث عن كل أقسام الجائزة وأوجه سهام النقد لها إحتراماً لأعمال الزملاء ومجهوداتهم ، ولكننى سأتحدث عن القسم الذى شاركت فيه فقط وهو قسم الحوار الصحفى والتى أصابتنى نتيجة ترشيحاته بالذهول عند الإعلان عنها.

فـ”نادى دبى للصحافة” والذى يمثل الأمانة العامة للجائزة قد إحتكر مسمى “جائزة الصحافة العربية” إعلامياً ، وقد إلتصق به هذا الإسم كأنه إمتلكه حصرياً ، وربما يرجع ذلك لقيمةا لجوائز المالية المبالغ فيها والتى يمنحها النادى للفائزين ، وكان من الأولى على القائمين على هذه الجائزة أن يكونوا أكثر حيادية ومهنية فى إختيارهم للأعمال المرشحة والفائزة طالما إعتبروا أن جائزتهم تمثل العرب جميعاً.

وأكبر مثال على عدم الحيادية هو ترشيح “حوار مع المشير عبد الفتاح السيسي” والذى أجراه معه الكاتب الكبير وإبن بلدتى الإسماعيلية “ياسر رزق” والذي نشر على صفحات جريدة “المصري اليوم” قبل ان يترك “رزق” رئاسة تحريرها ليتولى مسئولية رئاسة مجلس إدارة مؤسسة “أخبار اليوم” والذى تلازم معه ترشيح حوارين آخرين أقل ما يوصفا بأنهما حوارين تكرارين ودون المستوى – هذا مع إحترامى وتقديرى لمن قاما بهما – لتكون النتيجة المؤكدة هى فوز حوار الكاتب “ياسر رزق” لأنه الأفضل حبكة ومهنية وخصوصاً بين حوارين أقل من مستواه بكثير .. وهذا ما أتوقعه بدون مواربة.

ولا أكاد أخفيكم سراً بأن الحوار الذى أجراه الكاتب “ياسر رزق” مع “المشير السيسى” هو من أفضل الحوارات العربية “مهنية” خلال العام المنصرف ولكنه لا يصلح أن يشارك فى أى مسابقة صحفية لسبب هام جداً – وأكاد أجزم وأوقن بأن القائمين على تلك الجائزة يعلمونه جيداً – وهو أن هذا الحوار ليس صناعة فردية ولكنه صناعة مؤسسية شارك فى إخراجه وإنتاجه عدة مؤسسات للدولة ومنها أجهزة سيادية ، ولذلك فليس من الإنصاف أو الحيادية أو حتى مهنية التقييم أن يدخل فى منافسة مع الأعمال المُقامة على مجهودات أفراد فى مسابقة يدعى القائمون عليها أنها مسابقة بين أفراد وليست مسابقة بين دول وحكومات.

وأكرر ما قلته سابقاً مراراً وتكراراً فى مقالات سابقة بأنه من حق أى شخص أو أى جهة أن يدشنوا مهرجانات وفعاليات وموالد تكريمية للصحفيين والإعلاميين بهدف التكريم أو بهدف الشو الإعلامى الشخصى أو لأى هدف آخر لكن بشرط ألا يحتكروا أو يستغلوا إسم قومية أو فكر أو نطاق جغرافى خارج سيطرتهم طالما كان فى نيتهم ألا يلتزموا بالحيادية الكاملة.

وقد إتضح جلياً مع إعلان نتائج الترشيح لهذا العام بأن “جائزة نادى دبى للصحافة” ما هى إلا جائزة أقل ما توصف به أنها “جائزة للرشوة السياسية والشو الإعلامى” ويتم فيها إستخدام رأس المال لإسالة لعاب الصحفيين العرب ومحو ما تبقى لهم من “كرامة مهنية” ، ليتم إستغلالهم فى مسرحية هزلية “هابطة” ستندثر قيمتها المعنوية مع الوقت ولن يتذكرها الإعلام العربى إلا كصفحة “صفراء” فاقع لونها فى تاريخه المليئة صفحاته بالبقع الملونة.

وأشير إلى أن أكثر ما تعجبت منه وأثار سخريتى فى خطوات تقييم الأعمال الصحفية لمسابقة “جائزة نادى دبى للصحافة” هو “السذاجة والسطحية” فى تبنى منهج السرية والذى يعتمد على حجب أسماء المرشحين ، هذا برغم أن غالبية الأعمال إن لم يكن كلها منشورة إلكترونياً ، ويكفى لأى عضو فى لجنة التحكيم أن يكتب أى جملة أو عبارة من ضمن نص العمل الصحفى الذى يقوم بتقييمه فى أى محرك بحث وسيكتشف بسهولة إسم صاحبه وإسم الجهة الناشرة ، هذا بالإضافة إلى تطابق الصيغ النصية للنشرات الإعلامية للمسابقة كل عام هذا مع إختلاف رقم السنة والشعار وعدد المشاركين فقط كأنه عمل روتينى فاقد لروح موضوع وشعار الجائزة.

وأيضاً تعجبت من أن “نادى دبى للصحافة” لا يعترف وحتى اليوم إلا بـ “مكرم محمد أحمد” كنقيب لصحفيين مصر والذى ما زال النادى يحتفظ بإسمه على موقع الجائزة الرسمى على أنه نقيب صحفيين مصر بالرغم أن النقيب الحالى “ضياء رشوان” يشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة الجائزة !! .. وحتى لو إفترضنا أن هذا خطأ سهو أو نسيان فهو عذر أقبح من ذنب ويعتبر أكبر دليل على أن القائمين على الجائزة لا يكترثون إلا بالشو الإعلامى الخارجى.

وإن نسيت فلن أنسى أن أذكر أنه من حق سمو الأمير/ محمد بن راشد آل مكتوم علينا أن نتقدم له بخالص الشكر والتقدير لرعايته ومجهوداته الواضحة المادية والمعنوية فى تبنى تطوير منظومة الصحافة والإعلام العربى بغض النظر عن بعض الأخطاء هنا أو هناك والتى لا يتحمل مسؤوليتها إلا القائمين على فعالياتها فقط وندعو الله أن يوفقه فى مساعيه.

وأخيراً وليس أخراً فنصيحتى للقائمين على هذه الجائزة هو إما أن يتخلوا عن أسلوبهم الغير مهنى والغير حيادى فى إختيار الأعمال المُرشَحة والفائزة لأهداف يعلمونها هم ، وإما أن يتخلوا عن إسم الشهرة الإعلامى للجائزة وهو “جائزة الصحافة العربية” ويكتفوا بالإسم الواقعى والحقيقى لها وهو “جائزة دبى للصحافة” أو “جائزة نادى دبى للصحافة” ، لإنهم حينها فقط يستطيعون منح جائزتهم لمن يشاؤون لإنهم فى هذا الوقت لا يمثلون إلا “أنفسهم” فقط ولا يمثلون كل “العرب”.

وبالرغم مما سبق ذكره لكننى أكرر ما كتبته فى أول المقال بأن هذا المقال لا يوجه سهام النقد لأى جهة بعينها ولكننى قد إتخذت “جائزة نادى دبى للصحافة” كنموذج فقط لأنها الأفضل تصنيفاً والأكثر ظهوراً إعلامياً.

وللحديث بقية …

سيريان تلغراف | ياسر سليمان – رئيس تحرير الإسماعيلية برس

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version