الحقيقة تعلن عن ذاتها، أو تتلطى بين السطور.
يقيني أن بعضكم سوف يعتبر بعض مفردات المقالة شركاً وكفراً وإلحاداً وله ذلك إن أراد ، لكن حذار فالأمر قد يكون غير ذلك حقيقةً .. أقول أنا . أصل الحكاية هي سكنى الله لأرواح ” عباده ” وقلوبهم ، وبسط الرواية أن الله ” حسب كل المؤمنين ” عالمٌ لما في القلوب وما في الصدور ولكل ما يدور في فضاءات الجسد، وفضاءات ما بين الجسد وما حوله ، وبما أن الله يسكننا ، يتابعنا ، يراقبنا ، يلاحظنا ، يتفقد سجلاتنا ، يراجع أفعالنا ، و يصيخ السمع لأقوالنا، والله ياعالم كل صغيرةٍ وكبيرة عن دسائسنا ومؤامراتنا وخبثنا ودهائنا ودمويتنا وجرائمنا! وتصلح في ذات الآن توسلاتنا وإبتهالاتنا، وهو وحده! هو وحده يقرر متى يشاء! ولغايةٍ في نفسه؟ متى وأين وكيف .. يستجيب! هو يراقب دموع اليتامى والثكالى والأرامل والجياع، تصله بطرقٍ نجهلها! مشاهد الذبح والنحر والصلب، يقول نفرٌ من المؤمنين أن هنالك حكمة ما هي فوق مستوى وعينا! تقف وراء تأجيل استجابته لرجاءات عباده، تأجيلٌ لا يدرك كنهه غير الله! ..
قد يكون عقاباً لآخرين، للملايين التي تلبس ثوب الإيمان فيما الشياطين تقيم حفلات كفر و دعارة في صالات أرواحهم، هذا ما يعتقده البعض، لكن البعض الآخر يتساءل .. ما ذنب من لا ذنب له؟ من لم ينل فرصة الحياة بعد، كي يختار بين طريقي الإيمان و الخطيئة؟ من يقتل وهو جنينٌ في رحم أمه؟ من يصلب جسده الطفولي على خشبةٍ من جوع؟ . بعيداً عن الغوص أكثر في تلكم الأفكار والسفر إلى مدًى أبعد في درب السؤال .لا ضير إن قلنا الآن، أن الله كان ولا زال شاهداً لا تقبل شهادته الطعن أو الدحض . هذا يفترض أنه وحده، العالم العليم بالهدف والقصد والمغزى من قادم المفردات . قد يكون المقال طويلاً، أو طويلاً جداً وشائكاً . كان هذا لحرصه أن يكون قريباً ما إستطاع من الجرح ومن الدم النازف، لكم أن تكملوا إن شئتم، وإلا فلكم أن تلعنوا صاحبه وتشعلوا نيران إحتجاجكم في حروفه..
بكل ما أملك من العفوية والتلقائية والبساطة سوف أستبق إحتجاج أو إعتراض بعضكم على عنوان المقال ، وربما على بعضٍ من فحواه لأقول : عن العنوان .. و بعيداً عن الأعراب والعروبة ، وإعتماداً على ما كان على أرض سوريا المباركة يوم لم تك العروبة قد إستوطنتها بعد، وإنطلاقاً فقط من ساعة البشارة بولادة المخلص ” يوم كانت بيت لحم واحدةً من مدن سورية التاريخية ، وكان لبنان كما الأردن يشكلان ركنين بديعين من لوحتها الزاهية . وإستناداً إلى حقيقة أنني أكتب عن جنةٍ إستوطنها الإنسان وإستقر فيها “دون أن يجاهد في سبيل أحد” .. منذ ما يزيد عن عشرة آلاف عام قبل الميلاد . ” هذا إن نحن اكتفينا بحقبة بدء العمل فيها في الزراعة والبناء ، وإلا لعاد بنا الزمن عشرات آلاف السنين إلى الوراء، إلى حقباتٍ عبرتها خلالها، أو أقامت عليها لفترات محددة، مجموعاتٌ بشرية كانت جزءًا من حضاراتٍ مختلفة. أكتب عن الأرض التي احتضنت ممالك أوغاريت وايبلا وماري وتدمر ، وكانت مسرحاً أبطاله سرجون وآشور وآرام . حق لنا و الحالة هذه أن نسمي الناصرة مدينةً سورية . وأن نفخر بأن العذراء مريم .. سورية، وأن المسيح .. سوري .. .
حرية .. حريات .. حوريات .
و أما عن المضمون فتلك قناعاتٌ شخصية تفرضها طريقة التفكير ومقاربة المبادئ التي تتعلق بالوطن أولاً .. و بالوطن ثانياً، وثالثاً، وأخيراً . وأذكر هنا أنها قناعات لم ولن تغادر حضن الوطن مهما صالت مفرداتها وجالت ، وهي في ذات الوقت قناعاتٌ تكفلها ” حريات الربيع العربي ” .. نعم، الربيع الذي ثقبوا آذاننا ببرامجهم ولقاءاتهم وحواراتهم وندواتهم ومؤتمراتهم و مرافعاتهم ومحاضراتهم عن – قواعده وضوابطه وأساساته وأهدافه النبيلة وطرق نيلها بالطرق السلمية ” التي تسلك درب التوحش والدم “! – . وأقول حريات بالجمع ، لأن رحم مفردة حرية لم يعد يتسع لذلك العدد الهائل من نطاف منويات ربيع وأصحابه . ولا لذلك العدد الهائل من الأجنة التي تعض وتنهش رقاب بعضها في محاولة قنص وغنم فوزٍ ما بمقعد منصبي آني أو مستقبلي على أرض سورية، عسكرياً كان أم سياسي، أو مقعدٍ فوق صفحات كتاب غينيس برتبة ” أكثر الأجنة الثورية دمويةً “، أو أكثرها جنوناً.. .
وبالمضي في ذات الشأن، أذكركم إن كان أحدكم قد نسي أو تناسى ، أن لحرية ربيع .. توابعها التي ينتشي البعض لذكرها حد الثمالة، حد فقدان السيطرة على مكابح العقل، لأنها ببساطة تناسب وتتواءم مع تركيبته التي لم تعرف الأخلاق يوماً . كحرية ممارسات الهوايات، كالحرق والتخريب والتدمير و الإختطاف و الإغتصاب و الذبح ، لكم أن تسموها حرية الجنون والعته إن أردتم. هنالك أيضاً حرية العمل .. أجيراً أو وكيلاً أو أداةً أو ممسحة أو مناديلاً ورقية لزوم المراحيض ( أعزكم الله ) !!، وحرية النذالة حد العمالة ، وحرية الجهاد بكل أنواعه، و للجهاد أنواعه كما لا شك تعلمون ، فهنالك من يجاهد على طريقة “السلف الصالح” بسلاحه، أمديةً كانت أم سيفاً أم ساطوراً، وهنالك من جمع بين العصرين فإحتفظ بأثر السلف الصالح و تبارك بعطايا أحفاد ذات السلف، عطاءاتٍ وهبات (لوجه الله تبارك وتعالى!! ) تبدأ من بندقية أو رشاش دوشكا ولا تنتهي بالآر بي جي والصواريخ المضادة للدروع والطائرات ..
وهنالك من يجاهد على طريقة سيده ونبيه و الناطق الحصري بإسم ربه، فريد كل العصور والأزمنة “محمد بن عبد الوهاب” وأولياء عهده من صهاينة آل سعود، فيحارب البدع بنبش القبور وهدم المزارات وتحطيم المساجد والكنائس و حرق المنابر التي كان يتردد فيها ومنها صوت الله . وهنالك من يجاهد جهاد المتعة .. ولا أظنكم ستدهشون أو يأخذنكم العجب .. فلا يعقل أنكم ما سمعتم عن الجهاد “مناكحةً”، وقد وصل صيته إلى سكان غير كواكب !! ، نعم، يضاجع مجاهداً، أو يجاهد مضاجعةً، إلى أن يقضي وطره، وثوابه، محفوظٌ مكفولٌ مضمونٌ في أعالي سموات الكون ، بل يجاهد نكاحاً ربما تمهيداً وتدرباً ليوم الجهاد الأكبر .. ساعة يتوجب عليه أن يكد أكثر ويتعرق أكثر ويلهث أكثر،و يوزع سيول ما في دهاليزه بقسمةً عادلة، أو ربما هي شلالاتٌ تشبه قطعان الجهاد، تنبع بغير جفاف، و تهدر في أصقاع الجسد كما على الأرض دونما كلل ولا ملل !! .. .
أسواق نخاسة الأديان والأوطان
هل ما كان قبل وأثناء وبعد صلب المسيح فوق الأرض السورية منفصلٌ عما يدور اليوم على ذات الأرض؟ تقول البداهة : بالطبع لا، هي لوحاتٌ من ذات المعارك والحروب بين الشيطان وجنده من جهة، وبين رب المحبة والمؤمنين بمحبته من غير جهة. وشيوخ الهيكل الذين هاجوا وماجوا في وجه تردد بيلاطس في محاكمة ” الفادي” ما هم حقيقةً سوى أجداد، وأجداد الأجداد، والسلف الطالح لشياطين الأرض في أيامنا هذه . كم من سمعانٍ بيننا اليوم و كم من يهوذا؟، وكم من الباعة المقيمين في الخارج، والجوالين، ينادون اليوم على بضاعتهم، وما بضاعتهم سوى الأرض و دماء من تسكنه و يسكنها ، أرض رسل المحبة .. سورية . لكن أحفاد شيوخ الهيكل تفوقوا بمراتٍ ومرات على أسلافهم، وأحفاد يهوذا هبطوا إلى ما دون ثمن خيانته للمسيح .. قطعه الفضية الثلاثين، ساعة باع بعضهم الله وأرضه ورسوله بالمجان .. ما عاقب أيٌ من الخونة نفسه على طريقة يهوذا، ولا أظهر بعضاً من الندم الذي إلتهم ضمير يهوذا ووجدانه على خيانته، على عكس ذلك، هم يغالون ف خياناتهم يوماً بعد يوم، ويجاهدون في سبيل تسجيل أسمائهم على قائمة الأصدقاء المقربين للشيطان وجنوده الأوفياء .. كسب الشيطان بعض المعارك على بعض جبهات القتال، وكسب جند الرب ما فاقها عدداً وأهمية .. لنا أن نترقب القول الفصل لهذه الأرض المباركة، لنا أن نصغي لصوت الله من خلال رصاص جنده، و يسمعه السوريون اليوم من الهمسات الإلهية .. .
في عالم اليوم يساق الدين إلى دكاكين القصابين ” المفتين، المفتنين، الطائفيين، التكفريين، الإلغائيين، الخوارج “، وتسلخ عنه هيبته ووقاره، وتقطع آياته، و تحرف أقوال رسوله، ويسجى جسده في أسواق نخاسة من طاب له الإتجار بكل ما ذكرت، إنهم تجار الهيكل الذين أخضعهم الشيطان لأوسع عمليات تفريغ وإستبدال لما كان يوماً في جماجمهم، بأكياسٍ من النفايات والفضلات الشيطانية، حتى باتوا طوع بنانه. واليوم ما عاد هدف الدين ” عند نفرٍ من مدعيه ” دعواتٌ للإيمان بالخالق ورسالته المحمدية، بل بات الهدف الأسمى هو فرض الإيمان ” بالنبي الوهابي ” الذي قام من بين ركام عظامه في صحراءٍ يحتلها من بات يدعي بدوره ملكية الدين القديم، وأحقية إدخال ما يشاء من تبديلات وتعديلات على شكله وصورته و قواعده ومبادئه ومضمونه و أهدافه. واليوم يتم حرق أوراق الرسالة الأولى من جديد ، ويتم نقش رسالةٍ جديدة على ألواح عقول الكثير من المسلمين ، رسالةٌ يريد لها أصحابها أن تحاكي رسالة الصلب الفجائعي للمسيح الذي أتى ليحمل عن البشر خطاياهم ، والنسخ المتكررة لذات الصلب منذ ما قبل “عاشوراء” ، بل يراد لها أن تفوقها بشاعةً وهمجيةً ووحشيةً ودموية .. . وأن تتغلب على كل ما إبتدعته شرور الشياطين إبان صلب الوطن ومئات الآلاف من أبنائه على أيدي التتار والمغول، وصولاً لصلب ما يقارب من مليوني طيف من روح المسيح على أيدي العثمانيين، ولن يكون ما يجري اليوم إنتهاءً، هي جولة أو معركة جديدة من ذات الحرب .. شياطين الكفر في مواجهة السلام والمحبة ..
مرورٌ على حواف الذكرى.
ماذا عساي أكتب اليوم في ذكرى الآلام والصلب والقيامة. كان ذلك منذ عقدٍ من الزمان، أذكر أن بركاناً من نوعٍ فريد حممه حزنٌ بغير حدود وغضبٌ بوسع الكون وقهر لا تكفي لغسله محيطات. تفجر جميعه في دواخل صدري وقلبي يوم شاهدت فيلم ” آلام المسيح .. للمخرج الرائع ميل جيبسون ” للمرة الأولى، – رغم أنني حفظت قبلاً تفاصيل الحكاية الحقيقة عن ظهر قلب وشاهدت نسخاً عديدة لغير أفلام تعرض للمناسبة والحدث العظيم – . ولن يكون بمقدوري أن أنسى جيش الأسئلة الحائرة التي هاجمتني ولاحقتني بعد العرض، تبحث عن إجاباتٍ بين العدم والمستحيل ، فتشت ونقبت عنها، وفشلت في إيجادها . كان ذلك الفشل إيذاناً بهجران عقلي لكل الساحات التي يتصارع فيها المسافرون نحو الله من خلال إثبات كل فريق أنه يمثل الحق و أن الآخر باطل ، وتسليماً لآخر معاقل عقلي في دفاعاته عن أية قضية خلافية دينية . عن تلك التجربة وما قبلها وما تلاها إن كتبت .. ما انتهيت . سأكتفي بهذا المرور على أن أتابع الكتابة في ذات الشأن محتفظاً بما أكتب لنفسي أو لساعةٍ يحين معها زمن نشره…
ظلال روح المسيح .. في سورية الأرض
كان ذلك منذ عقدٍ من الزمان، في الأمس وبعد سنواتٍ عشر تذوقت ذات الألم ، وأحسست بفجيعةٍ مضاعفة ساعة تابعت مشاهد صراع المحبة مع الكفر من خلال ذات الفيلم . لكنني هذه المرة، بدأت من حيث أردت أم لم أرد، أسمع في أقوال المخلص يسوع صدى وهمس الأرض السورية. كانت حاضرةً في كل تفصيل، في أشعار المحبة الخالصة، والافتداء والإيثار والغفران، كما في كل نظرات التحدي والأنفة والشموخ و الجلدة و التحمل و القوة الخارقة الإعجازية . في نزف دمائه، وترنح جسده، وتعثره، وفي عينيه التي نطقت من الكلام الصامت ما لا تتسع له مجلدات .. عن وضاعة بعض خلق الله، وإنعدام حسهم الإنساني، ووصولهم لما هو دون شريعة وحوش الغاب. نطق المسيح بروح الأرض السورية حين قال : أنا الطريق، ولا يجيء أحدٌ للرب إلا من خلالي. وردد صدى لواعجها ساعة قال : إن كنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي . صدق المسيح وصدقت الأرض فتلك المفردات البسيطة هي أساسٌ العلاقة بين الإنسان وربه من خلال الوطن… .
أيها البشر .. من لا يؤمن بالوطن شفيعاً ودرباً و حبلاً سرياً يصله بربه .. لا مكان لله في قلبه. لأن قلبه محجوزٌ لأحفاد شياطين وتجار الهيكل. أشعر أنكم بدوركم تشعرون، بل أؤمن أنكم تؤمنون، أن ذلك الإمتحان البشري القاسي تابع مسيرته عبر مراحل تاريخ شعوب هذه الأرض، وتجلى مراراً في فواجع وتجارب مماثلة يصعب حصرها، وهو اليوم يكمل طريقه في التجذر والتعمق والتمثل و التكرار، لكنه يأبى منذ ما يزيد عن سنواتٍ ثلاث إلا أن يلتهم عوضاً عن جسد المسيح عشرات الآلاف من أجساد السوريين، وأن يجلد عوضاً عن جسد المسيح أرواح كل من يركن الوطن إلى فيء قلوبهم . وأنكم ربما تؤمنون بحقيقةٍ لا تسر خاطر آخرين، وهي أن روح المسيح تتماهى مع إشراقة و ذرور شمس كل صباح، واحتجاب سناها في عتمة كل رواحٍ أو أصيل ، مع تراب الأرض السورية وملحها و مائها ، مع السماء التي تدفئها بشمسها حيناً، وتنبجس غدقاً عليها فتسقيها في غير حين، ومع كل ما يحلق حول أعمدة النور الواصلة ما بين الأرض السورية والسماء الإلهية من الأرواح الطاهرة .. قديمها وجديدها ..
لكن حالةً خاصة، من عناقٍ فريد، تجتذب روح الفادي لأرواحٍ بعينها .. تحاكي وجوهها وجهه السمح، وتلهج قلوبها بمثل محبته، ولا يتسع جدار مقال ولا كتاب لحصر أسماء وصور تلك القافلة ممن ارتحلوا على درب القداسة والشهادة. لكنهم .. جميعهم .. في البال، حفروا أسماءهم على بازلت الذاكرة بحبرٍ دمائهم. تقربوا إلى الله عبر إفتداء أرضه.لا أظنها موضع خلاف، القاعدة التي تقول، أن الله محبة، وأن محبة الأرض من محبة الإله. من هنا أتى إيمان السوريين أن هذه الأرض تشهد اليوم أكبرعملية تجلٍ وتماهٍ لكل القداسة التي اعتملت في صدر المخلص، وكل المحبة التي هطلت من فمه ، وكل الطهارة الحمراء التي سكبها جسده . هذا التجلي والتماهي أعلن عن نفسه من خلال حلول ظلال طيف روحه المقدسة في أرواح عشرات آلاف الشهداء الذين قضوا في سبيل المحبة. قد يسأل أحدكم : وهل هو شهيد من يموت في سبيل المحبة؟ لأجيبه أنا ومعي صدى أصوات معظمكم دونما تردد : هو كذلك يا سيدي، أليس الله محبة؟ أليس عشق الأرض من عشق الله والدفاع عنها دفاعٌ عنه؟ ألم ينطق المسيح بروح الأرض ساعة قال : أنا الطريق نحو الرب؟ .. .
بعد الآلام والصلب .. المسيح السوري إلى قيامة .
كما كانت جراحات المسيح لخلاص بني البشر من خطاياهم . كذا هي جراحات سورية لخلاص الكون من شرٍ مقيم .. من شياطين المنابر، و أفاعي الهيكل وتجاره، لم ترحل روح المسيح عن سورياه يوماً، لكنها ومنذ ما يزيد على سنواتٍ ثلاث، عانقتها في رحلة الخلود و الأبدية، نزعت الأشواك عن جبينه وتوجته بالمجد، وقلدت عنقه طوقاً من الياسمين، وعطرت قداسة جسده النازف بالبخور والرياحين. مسيحنا كان حتى سنوات ما قبل الألم الفاجع هو يسوع الناصري الذي “إستشهد” في سبيل المحبة ،هواليوم برضاه ورضا عاشقيه يتجلى في نزف جراحات الشهيد وذوي الشهيد والأرض التي سافرت روحه لأجل عيونها نحو السماء. مسيحنا السوري يجلد آلاف المرات كل يوم وجلادوه اليوم أكثر وحشيةً من أجدادهم ، سكاكينهم تحز عنقه بدلاً من السياط التي هوت يوماً على ظهره، مسيحنا السوري يسحل في الشوارع، يرمى به من الأعالي، على الصخر أو في الماء، مسيحنا السوري لا يطعن برمحٍ في خاصرته، بل يفتح صدره ليلوك إبن الشيطان قلبه ويلتهم كبده، مسيحنا يحرق اليوم حياً في الأفران ويشوى رأسه المقطوع أو يغلى في قدرٍ ليؤكل، يذبح آلاف المرات، مراتٌ وهو لا زال جنينٌ في رحم أمه، ومراتٌ وهو في المهد رضيع، مراتٌ وهو بالكاد يحبو ويغني للبراءة ، ومراتٌ وهو في مدرسته يراقص الكلمات. كم من مسيحٍ عندنا ذبح وهو لم يبلغ بعض سن الرشد؟ وكم من مسيحٍ لا زال ينتظر زمن الصلب، ويتحدى الجلاد والصليب؟ .. .
عذراؤنا القديسة الحبيبة مريم .. هلا عذرتنا إن سافر بنا الكلام إلى ما قد يحرجنا أمام طهر جسدك وملائكية وجهك؟ هلا صدقتنا إن قلنا أنا نراك كل يومن بيننا؟ أنت مقيمة في قلوبنا يا حبيبة، في كل البيوت الفقيرة البائسة التي عشعش الألم على أسقف وجدران أرواح ساكنيها، تغزلين الشمس أهزوجةً إفتداءٍ للرب ورسول الرب وأرض الرب وجند الرب. وتكتبين معلقاتٍ في المحبة والعطاء، وترسمين ملامح مهجة روحك وفلذة كبدك أيقونةً من السحر الإلهي، يا من صلبوا لك إبنك الفادي، نبض قلبك أمام ناظريك، فكان صمتك ودمعك، جوابك. جللٌ هو الحدث يا حبيبة المؤمنين والمؤمنات جلل. هل تسمحين لنا بسكب ما في قلوبنا وعقولنا في بحر آلامك؟ . هل تعلمين أن بيننا قديساتٌ صلب لهن من أبنائهن أربعة؟ وأن بيننا أخريات كان نصيبهن من الفقد ثلاثة،
وأن غيرهن قدمن على الصليب كرمى للرب الساكن في الأرض كما في السماء من أبنائهن إثنين، وأن آلافاً غيرهن تفخرن اليوم بأنهن أمهاتٌ لشهيدٍ عانقت دماؤه طهر طيف روح المخلص بين ذرات التراب السوري المقدس. ما قولك يا قديسات القديسات، أيتها الشفيعة المباركة، بجثامين تبني في عمق الأرض السورية أساساً لقيامة وطن؟ وطنٌ يستوحي من روح المسيح أسرار معركة الموجهة مع الشياطين، ويستنسخ صبر المسيح على الجلد، في وطنٍ يجلد بسياط الكفر والعهر كل يوم مراتٍ ومرات ؟ في وطنٍ آتيةٌ لا ريب قيامته من رحم الألم والموت كما كان للمسيح قيامته من ظلمات المغارة.
هل نجح ” المخلص ” في مسعاه؟ هل أوصلته درب الآلام إلى غاياته؟ كم من البشر بات نقياً خالياً من الخطايا؟ لو قيض لنا أن نسأل المسيح اليوم .. هل كان سيفعلها لو عاد بروحه الزمان ” 1981″ سنة إلى الوراء، فيسير بقدميه نحو من يعلم أنهم سيكونون جلادوه الذين سيعلقونه على خشبات الصليب؟ هل كان سيصلك ذات درب الآلام لتخليص الإنسان من آثامه وخطاياه ؟ هل كان سيفعل إن شاهدت عيناه الكفر المستشري على مساحة الأرض؟ الكفر الساكن لأرواح وعقول ساكنيها، هل كان ليفعل إن علم أن سمو الهدف يغتال كل يوم على أيدي أحفاد من نزف دمائه وروحه لأجل خلاصهم؟ قد يتمنى أحدكم أن يستوقفني الآن ليقول : كان خيار الرب وكانت مشيئته. ليجبرنا على إعادة ترتيب كلمات السؤال بهدوء، لنوجهه للرب فنسأل : هل كان سيضحي بإبنه لأجل إتمام المهمات المستحيلة؟ يقيني، كما يقين بعضكم أنه كان حينها سيطرق ملياً ويفكر ملياً قبل الإجابة. نقول له ختاماً : لا تغفر لهم يا سيدنا وأبانا وربنا، وإن أنت فعلت، فلن نفعل نحن، لأنهم يعلمون جيداً ماذا يفعلون ويصنعون، وهل تفعل الشياطين ما لا تعلم وتدرك؟ .. هل يستجيب الرب لمطلبنا؟ قد تنبأ أرواحنا أرواح غير أجيال عن الإجابات المستحيلة، لكن ما نحن واثقون منه أن لمسيحنا السوري المتجسد في الأرض وأرواح عشاقها وجنودها وشهداءها قيامة جديدة، و كما كان له ولأرواح أجدادهم من خلالها القيامة الأولى، وما تلاها من قياماتٍ، كذا سوف يكون هذا الكون على موعدٍ حتمي مقدس لقيامةٍ جديدة للمسيح السوري .. المسيح الذي يهز صمود أبنائه وجيشه أركان الكون، بهزاتٍ تحاكي تلك التي تلت صلب مسيح ذلك العصر . المسيح الذي يهدم صموده أعمدة هيكل الشياطين فوق رؤوس مشائخه وأتباعه . المجد لمسيحنا السوري الأصيل .. ولكل الأرواح التي سافرت نحو ملكوته من خلال إفتداء طيفه وظله .. الأرض السورية المباركة .. .
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)