هل هناك تحول في الموقف الأردني من المعارضة السورية المسلحة، بعد تدمير سلاح الجو الأردني آليات حاولت عبور الحدود السورية باتجاه الأردن؟
لا ينبغي التسرّع في إطلاق الأحكام على انقلاب في الموقف الأردني من عمليات المعارضة السورية المسلّحة، خصوصا أن عشرات الآليات لا تزال تنطلق بالاتجاه المعاكس، من الأراضي الأردنية باتجاه سوريا، وبرعاية الاستخبارات الأردنية.
لكن تدخل سلاح الطيران الأردني لتدمير آليات كانت تنقل أسلحة إلى الداخل الأردني، يعني انقطاع حبل الثقة بين الجماعات التي تسيطر عليها وتموّلها غرف العمليات المشتركة في عمان، من استخبارات سعودية وأردنية وأميركية، وأن هذه الجماعات لم تعد تحترم الاتفاق المعقود معها بتوجيه أسلحتها، وتهريبها نحو الداخل السوري فقط.
وكان بيان عسكري أردني ذكر أنه “عند الساعة العاشرة والنصف من صباح اليوم (أمس) شوهد عدد من الآليات المموّهة تحاول اجتياز الحدود السورية ـ الأردنية وبطريقة غير مشروعة، وفي منطقة جغرافية صعبة المسالك، وأن عددا من طائرات سلاح الجو الأردني قام بتوجيه رميات تحذيرية لهذه الآليات، إلا أنها لم تمتثل لذلك، وواصلت سيرها حيث تم تطبيق قواعد الاشتباك المعروفة وتدمير هذه الآليات”.
ونفى الجيش السوري أي صلة له بتلك الآليات. وقال مصدر عسكري، لوكالة الأنباء السورية (سانا)، إنه “لم تتحرك أي آليات أو مدرعات تابعة للجيش السوري باتجاه الحدود الأردنية، وبالتالي ما تم استهدافه من قبل سلاح الجو الأردني لا يتبع للجيش السوري”، فيما أصدرت “فرقة المغاوير الأولى”، التابعة لـ”الجيش الحر في الجبهة الجنوبية”، بيانا، ذكرت فيه أن “الآليات المدمَّرة تعود إلى الجيش السوري”.
ولا ينطوي الحادث على انقلاب السحر على الساحر، لكنه يشير أولا إلى تعاظم انتقال الجماعات المسلحة التي زرعت في درعا، بالاتجاه المعاكس، نحو الداخل الأردني وتصريف فائض السلاح الذي تم إدخاله في الأشهر الأخيرة، تمهيدا لعملية عسكرية واسعة ضد دمشق. ويشير تباعا إلى تفكك الجبهة الجنوبية للمعارضة المسلحة، التي شاركت عمان في بناء خطوط عملياتها، تحت ضغوط سعودية وأميركية، ولقاء تسهيل مساعدات مالية خليجية يحتاجها الأردن.
وتقول مصادر سورية إن الآليات التي دمّرها الطيران الأردني كانت عائدة نحو الأردن بعد أن أفرغت حمولتها من الأسلحة التي نقلتها إلى الأراضي السورية. وتعلل المصادر هذا الهجوم بأنه رد أردني على ابتزاز بعض الجماعات المسلّحة لعمان لدفعها إلى تسهيل نقل المزيد من الأسلحة نحو الجبهة الجنوبية في سوريا من قبل الفصائل المرتبطة بمن خطفوا سفيرها في ليبيا فواز العيطان قبل ثلاثة أيام.
ويعد تكاثر عمليات تهريب الأسلحة باتجاه الأردن، فشلا لحليف الاستخبارات الأردنية في المنطقة “أمير جبهة النصرة” بشار الزعبي، الذي يعد أقوى رجل للمعارضة المسلّحة في الجنوب السوري، وقائد أقوى فصيل مسلّح فيه.
وكانت الآليات، التي كانت تقترب من منطقة الرويشد عند تدميرها، تعبر في منطقة يسيطر عليها الزعبي، “أمير النصرة” في الجناح الجنوبي الشرقي لحوران، حليف الاستخبارات الأردنية والسعودية في هذه المنطقة، فيما يقود أبو المثنى، “إمارة النصرة” في القاطع الجنوب الغربي لحوران. ولعب الأردنيون دورا كبيرا في التقريب بين الزعبي وبين الاستخبارات السعودية، خلال اللقاء الذي نظم في الخريف الماضي بين نائب وزير الدفاع السعودي سلمان بن سلطان، المشرف على الجبهة الجنوبية السورية من فندق أردني. وجاء الزعبي برفقة زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني.
وكان الزعبي بدأ عمله في “لواء الفلوجة” في حوران، وجنّد في صفوفه أبناء بلدته الطيبة، والمسيفرة، والجيزة. والزعبي، سائق الشاحنة السابق والمهرّب بين سوريا والسعودية، نجح بالصعود في صفوف “الجيش الحر”، وبرز نجمه بعد مقتل رئيس “المجلس العسكري للجيش الحر” في درعا المقدم ياسر العبود.
وفرض الأردنيون الزعبي على رأس “النصرة” في المنطقة لضبط تحرك السلفيين الأردنيين في حوران، وتقليص نفوذهم على الجبهة الجنوبية. وقتل ثلاثة “أمراء لجبهة النصرة” في المنطقة في عام واحد، أتوا جميعا من التيار السلفي الأردني، الذي يقاتل أكثر من ألفي “جهادي” منه في سوريا، فقتل أولا إياد الطوباسي، وتبعه مصطفى عبد اللطيف يحيى، فمحمد الحيارى الذي قتل في 19 كانون الأول الماضي.
ويقول مصدر ديبلوماسي روسي، في باريس، إن الأردنيين بدأوا مراجعة إستراتيجيتهم في الجنوب السوري، مع استعادة السوريين المبادرة عسكريا على الأرض.
ويضيف المصدر أن الملك الأردني عبدالله الثاني ابلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته إلى موسكو الأربعاء الماضي، أن الأردن لن يخوض أي معركة على الجبهة الجنوبية السورية، وأن الأردن لم يتفق مع أحد للمشاركة في تلك المعركة.
وقال الديبلوماسي الروسي إن بوتين ابلغ الزائر الأردني أن بلاده لن تقبل بأي تدخل عسكري في سوريا، وحذر من خطورة فتح الجبهة الجنوبية السورية، وأن موسكو ستقف مع دمشق إذا ما وجدت نفسها إزاء هجومين منسقين في الشمال والجنوب.
وقال الديبلوماسي الروسي إن الأردنيين كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون الاستمرار في دعم المعارضة المسلّحة، من خط لوجستي ثان، لكنهم أمام احتمالات فتح الجبهة الجنوبية، وجدوا أنفسهم في الخط الأول للهجوم على جارهم السوري، وهو ما كانوا يخشونه على الدوام. ويضيف أن الأردنيين رأوا أن الضمانات التي أعلن عنها الأميركيون لحماية الأردن، ليست كافية، لحمايته من ردود الأفعال على الأمن الداخلي.
وتدليلا على تعهدهم في موسكو تهدئة الجبهة الجنوبية، تدخلت الاستخبارات الأردنية الأسبوع الماضي في غرفة عمليات حوران، ومنعت شن عملية تشعل الجبهة الجنوبية، حول درعا بالتزامن مع العملية التي كانت غرفة عمليات “أهل الشام” في حلب قد بدأتها في غرب المدينة ضد مقر الاستخبارات الجوية في حي الزهراء.
وكان من المنتظر أن يقوم “اللواء الأخير للجيش الحر” في درعا، وهو “شهداء اليرموك”، بتنظيم عملية واسعة بقيادة العميد عبدالله القراعزة، ضد مقر الاستخبارات الجوية، عند وادي الزايدي، على مدخل درعا. وكانت “ساعة الصفر” حددت الأحد الماضي، على أن يشارك في الهجوم على المقر، لواء من “جبهة ثوار سوريا” وكتائب من “جبهة النصرة”، قبل أن يقرر الأردنيون، مع ملكهم، أن الظروف لم تعد تسمح بشن تلك العملية.
سيريان تلغراف | محمد بلوط – السفير