إنسان ” نياندرتال”، أحد أنواع جنس “هومو”، و هو نسخة تجريبية بسيطة من الإنسان الحالي، استوطن “أوروبا” و أجزاء من غرب “آسيا” و “آسيا الوسطى”، هي الآن تلك المساحة الممتدة من “أسبانيا” حتي “طشقند” عاصمة جمهورية “أوزبكستان”، إحدي جمهوريات الاتحاد السوفيتي قبل أن يتفتت إلي قوميات متطاحنة،
أول آثار هذا الكائن البيئية، و بعض تفاصيل حياته، ظهرت في “أوروبا”، و تعود لحوالي “350” ألف سنة مضت، و من المرجح أنه انقرض هناك، لسبب غير مفهوم حتي الآن، قبل حوالي “24” ألف سنة..
كشفت بعض الدراسات الحديثة عن شكوك ممتلئة حول وجود إنسان “نياندرتال” في “فلسطين”، و في “ليبيا”، بالقرب من بلدة ” بلغراي” الليبية،
و هذه مقاربة، إذا تأكدت صحتها، تؤكد ضلوع إنسان “نياندرتال” ذاك في لغز، كهوف “تاسيلي”، الذي عثر عليه عام “1938”، الرحالة و المستكشف ” بربنان”، بينما كان ، في واحدة من رحلاته، يجتاز الحدود بين “الجزائر”، و “ليبيا”، دون أن يدور بباله حينذاك، أنه باكتشافه هذا سوف يترك ارتباكاً في أفق العلم ما زال نابضاً حتي يومنا هذا، و أنه، باكتشافه هذا، وجه للسماء دون أن يقصد، لطمة تفوق اللطمة التي وجهها للسماء قبله بقرون، “كوبرنيكوس” بنظريته الشهيرة عن دوران الأرض حول الشمس، لذلك، اعتبر البعض هذا الاكتشاف حدثاً يفوق، من حيث القيمة، اكتشاف مقبرة ” توت عنخ آمون” !..
لقد عثر “بربنان” في أحد كهوف ” تاسيلي “على رسوم و نقوش جعلته يشهق من فرط الدهشة و الانفعال، و هذا الكلام علي عهدته هو شخصياً ، من كان يصدق أن جنساً سحيقاً عاش حول صحراء “تاسيلي”، يدون علي الجدران رسوماً و نقوشاً لمخلوقات بشرية تطير في السماء وهي ترتدي أجهزة طيران، و رواد فضاء، و سفن فضاء، ورجالاً ونساءً يرتدون ثياباً كالتي نرتديها نحن في زماننا الآن !
عام ” 1956″، اصطحب الرحالة ” هنري لوت ” مجموعة من العلماء إلي تلك الكهوف، التقطوا لها صوراً فوتوغرافية، و عكفوا فيما بعد علي دراسة متأنية و عادلة حولها، استخدموا فيها التحليل الذري للوقوف علي عمرها، و كانت المفاجأة التي أدرك علي إثرها الكثيرون أن “تشارلز داروين” لم يكن ينطق عن الهوي، و تناقص بعصبية عدد الذين كانوا يستعذبون نظريته، مع ذلك، لا يرون فيها سوي هواجس مضللة ليس لها أي مضمون ..
عمر هذه الرسوم حوالي ” 27 ” ألف سنة، و هنا موطن لطمة الرحالة ” بربنان” للسماء، فعمر ” آدم ” في التوراة، وفق أكثر الروايات تطرفاً و عصبية، لا يتجاوز ” 3005 ” عام !
و يبدو أن إنسان ” نياندرتال “، تلك النسخة التجريبية من الإنسان الحالي، لم ينقرض كما اعتقد الحمقي، فها هو يستأنف من جديد وجوده، و ها هي آخر طبعة ملتحية من هذا الكائن تظهر في الحجاز، و تنتحل اسم ” عبد الله الداوود” !
هذه الرمزية البسيطة، السهلة الإدراك، هي مجرد خط للتذكير بالمعني الأساسي المقصود .
و إن كنت أظن أن بين الكائنين تطابقاً في قدرة العقل علي التفكير، فلأن هذا علي الأرجح هو الصحيح !
هذا الوهم الذي يفترض العصمة التي لا تقبل القسمة علي اثنين، و لا النقاش، لتراث الأولين، و الوحدة التامة بين الدين و الدنيا، عمل من أعمال الإنسانية التي انحرفت عن الصواب، و تجاوزها العالم في رحلته نحو الرقيِّ بآلاف السنين الضوئية ..
و هذا الملتحي، و من علي شاكلته، هم المصادر الجذرية لإحساس الشباب الذين انفتحوا علي العالم الكبير، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بشتي صورها، بالغربة في عالم الدين، الدين الإسلامي علي وجه الخصوص، و تفاقم رغباتهم المحتجزة في البحث عن عالم آخر يحترم عقولهم، و جذور جديدة ..
و هو ، يتكلم من خلال الدين من داخل إطار نفسه، و ما يتردد في نفسه من أصداء الماضي، و هذه هي المشكلة،
ربما لأن مجرد وعيه بأن وجوده ليس سوي أكذوبة و مظهر وهمي للوجود الإنساني، كان ذلك سبباً في إحاطة نفسه بهالة من الغرابة المنفرة، لتمكن اسمه من امتصاص بعض الضوء، حتي لا يكون أي شئ من الناحية الاجتماعية، بل نملة تدوسها الأقدام ..
لقد كان اكتشاف وسائل التواصل الاجتماعي، ” تويتر ” و ” الفيس بوك ” بشكل أكثر عمقاً، لا يقل قيمة عن اكتشاف ” أمريكا”، فقد أضافت إلي الأرض مهجرين جديدين، يضاهان ضعف مساحة الأرض، يهاجر إليهما المنبوذون في أوطانهم بحثاً عن عالم بديل، أبيض، يجدون فيه القيم التي يفتقدونها في أوطانهم، و يفصحون فيه بكل حرية، بعيداً عن رقابة الأوصياء التقليديين، عما يدور في عقولهم، و أسرارهم الصغيرة ..
و كما كان يحمل المهاجرون معهم في كل زمان و مكان، إلي المهاجر الجديدة، آلهتهم و طيورهم و آلامهم و عاداتهم و طقوسهم الخاصة، لتتفاعل كلما تقدمت في العمر مع آلهة و طيور و آلام و عادات و طقوس السكان الأصليين، لينجم، في الألفة، عن هذا التفاعل عادة حضارة تتماهي مع حضارات أخري، لكنها الأرقي، كذلك، حمل المهاجرون إلي وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، عاداتهم و آلامهم وثقافاتهم و طقوسهم الخاصة و اهتماماتهم، و هذا شئ صحي، لولا أن ” تويتر ” محايد و كريم، لا يضع أسواراً تمنع الموالين للماضي من الهجرة غير الشرعية إليه ..
( عبد الله الداوود )، حفرية حجازية، هاجرت إلي تويتر تحمل معها الماضي فقط، و في أشد نقاطه ظلاماً، و أصبحت تنشر من حولها، في “140” حرف، غابات من الظلام الدامس، فضلاً عن هذا، هي لا تستحي أن تلجأ حتي إلي الكذب الصريح لتدعم ظلامها، و لها في هذا المسار حادثة، كنت شاهداً عليها، بل كنت أحد أطرافها ..
منذ أقل من عام، نهق ” عبد الله الداوود” علي حائطه بـ ” تويتر”، نهقة مصحوبة برابط، و حكي للبسطاء من متابعيه، أن صورة المرأة الأنجليزية المنقبة التي يؤدي إليها الرابط، كانت امرأة مسلمة تكتم إسلامها، و ترتدي النقاب، و انتاب بعض العقلاء شك في هذه الحكاية الغريبة، و تتبعنا مصدر الصورة، فاكتشفنا أن الصورة مبتورة من مقال بالإنجليزية يحكي كيف كان ” الإنجليز “، قديماً، يلتقطون الصور لأطفالهم دون أن يظهروا في الصورة،
لقد كانت المرأة تجلس مغطاة تماماً وهي تحمل طفلها علي فخذيها،
لتصبح في القرن الواحد و العشرين، بفضل صفاقة مزور كـ ” عبد الله الداوود “، بل المبالغة في الصفاقة، لا مجرد امرأة تريد أن تثبِّتَ وجه طفلها في لحظة للذكريات، إنما منقبة تكتم اسلامها، و هذه حادثة مشهورة !
في نفس الوقت تقريباً، كانت “السعودية، قد سمحت للنساء، للمرة الأولي، بالعمل في المحال التجارية، فنهق ” الداوود” لمتابعيه، دون أن يدور بباله أن الظروف التي دفعتهن للعمل تحت سماء تظل أمثاله، ربما إذا مر هو ببعضها لوضع شرجه، عن طيب خاطر، في فنادق ” دبي “، تحت تصرف من يدفع،
قال باختصار شديد، بلهجة قائد عسكري : ” تحرشوا بالنساء في المحال التجارية “!
كذلك، أفتي، لا فض فوه، بتحريم الخلوة بالطفل الوسيم، و صرح بارتباط الاحتلال بقيادة المرأة للسيارة، باختصار، وراء كل دعوة لتشجيع الردة إلي مضارب “عبس”، و ” حنين النوق “، و الغارة، و تبجيل الرقِّ، هناك دائما، ستجد المظاهر البيئية لتلك الحفرية الحية .
إذا كان احتلال دولة أرقي، كما يقولون، يغير ثقافة الشعب المتخلف، تُري، كم دولة تحتل ” السعودية ” نحتاج، لتغيير عقل “عبد الله الداوود ” وحده ؟
من المؤسف، أن هذا هو الشكل الأثير لرجل الدين بالنسبة لكل سلطة قمعية ..
كان من آخر ما تبرز به هذا الكائن المتحفيِّ علي جداره في ” تويتر” :
#ياعلماءنا_كفى_صمتا فوالله لن يتمكن التغريب إلا بسكوتكم، و والله إن صدور بيان منكم في الشورى ينسف قراراتهم، و والله إن أعراضنا في رقابكم!
وأضاف :
” لو أستمرينا في الصمت والسكوت على تطبيق هذا القرار، ستكون الرياضة أولى خطوات التغريب والدعارة !
لقد قال هذا تعقيباً علي قرار ” السعودية “، بعد أن فطنت إلي سوء سمعتها في كل أصقاع الكون، بسبب انخفاض سقف الحرية فيها، السماح للنساء بممارسة الرياضة ..
و بسبب هذا البراز الأخير، نما الضوء في اسمه أكثر مما يجب، و تناولته بعض الصحف العالمية، بالسخرية طبعاً!
أفهم أن البحث عن الشهرة من خلال الثورة علي أشياء تافهة و حوشية و مهجورة، موجود بشتي صوره، و أكثر مما ينبغي، لكن، ليس إلي هذا الحد ..
الموالون للماضي، تلك الجثة الأمينة، و الواقفون حيث توقف الوقت و تجاوز الأساليب، عملات انسانية تافهة توقف العالم من حولنا عن استعمالها، تماماً كعملة أهل الكهف ( بعد أن استيقظوا من موتهم ) !!..
أليس منكم حفرية رشيدة، تسأل نفسها، ما هي سعة الموجة التي سوف تحدثها في محيط الكون، ممارسة المرأة الرياضة، أو قيادتها السيارة، أي معايير سوف تختل، أي نجوم سوف تخسر وضوحها ؟
أو، تسأل نفسها، لماذا أفلح الألمان وقد ولَّوا أمرهم امرأة ؟
إنه الإحساس بالدونية، و عبثية الماضي، بمجرد انكماش السؤال !
أو، بدلاً من مواجهة هذا السؤال الصعب، لماذا لا يحاول أولئك الكهنة أن يتزحزحوا عن نطاق نفوسهم بضعة ملليمترات، لعلم يستطيعون ترميم جراح تراث الأولين، و هي كثيرة، يستطيع، بكل سهولة، كل من يريد، أن يربي شكوكه في دمها ..
أو غير هذا، ارشدوا ظلال القطيع، يا ظلال الله في أرضه، إلي السد الذي يختبئ خلفه “يأجوج و مأجوج ” ..
و إلا،
ليت ” تويتر ” يعتمد الانتقائية، بل العنصرية في اختيار مستخدميه، فهذا الكرم الحاتميُّ مُضرٌّ ، أو علي الأقل، عليه أن يفرض علي أولئك المتحجرين العزلة القسرية، في ركن يخصهم وحدهم، يسميه، ” Twefossils “، مثلاً ..
سيريان تلغراف | محمد رفعت الدومي
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)