” نوستراداموس”، هذا هو الشكل اللاتيني لاسمه، وهو أيضاً، “ميشيل دي نوسترادام”، صيدلانيٌّ و منجِّم فرنسيّ، لابدَّ أن ينشط الضوء في اسمه، في زوايا الكون الأربع، عند وقوع أيِّ حادث جلل،
فهو، بلا شك، أشهر من اجترح استبصارات المستقبل، أكثر من هذا، لقد وضع تعريفاً جديداً للزمن، حيث لم يعد الزمن بفضله درجات متعاقبة، بل هو شئ منبسط ينطوي علي الماضي والحاضر والمستقبل في نفس النقطة ..
و عند وقوع أي حادث جلل تنشط أيضاً في الأسواق مبيعات كتابه “القرون”، و يعرف أيضاً بـ “تنبؤات نوستراداموس”، الذي ظهرت الطبعة الأولي منه عام “1555 م”، وضمنه تنبؤاته بالأحداث التي اعتقد أنها سوف تحدثُ في عصره وحتي نهاية العالم !!
و من الجدير بالذكر، أن نهاية العالم هي إحدي نبوءاته أيضاً، فقد توقع أن ينتهي العالم عام “3797 م”، هذه هي الرواية الصحيحة لا كما نسب إليه البعض نبوءة بنهاية العالم في شهر يوليو عام “1999 م”، وهي :
“في السنة “1999” و سبعة أشهر، من السماء سوف يأتي ملك الرعب العظيم، إنه سيعيد الى الحياة ملك “أونكوموا” العظيم، قبل ذلك وبعده، ستسود الحرب كما يشاء لها الحظ”،
واضح أنها منحولة، فهي لا يمكن أن تتفق مع اللغة التي استراح لها “نوستراداموس” كوعاء لتنبؤاته، كما أن له نبوءاتٍ تمتد إلي ما بعد عام “3700” !!
لذلك، من الواضح أن أهل زماننا لن يستمتعوا، لسوء الحظ، بمشهد النهاية إطلاقاً ..
“نوستراداموس” من أسرة فرنسية بسيطة لا تنتمي ، كما كان الاعتقاد سائداً، إلى سلالة الأطباء اليهود الإيطاليين الشهيرة التي تعمل في بلاطي الملك “رينيه الأنجوي” و ابنه من بعده، إنما كانت تنتمي إلي نسب متواضع، و تعيش في المناطق التي تحيط بمدينة “أفينيون”، ثم حدث، لسبب غير مفهوم، أن تخلت في عام”1512 م” عن الديانة اليهودية و اعتنقت المسيحية الكاثوليكية،
و كان هو في التاسعة من عمره، عندما أدرج والده على أنهما عضوان في الجماعة المسيحية الجديدة ..
و كان هو أيضاً، الابن الأكبر لهذه الأسرة، وكان له أربع أخوة،
الذكاء المهيب الذي كان يمتلكه كان واضحاً وهو لم يزل في طور الصبا، حتي أنه فطن إلي صحة نظرية “كوبرنيكوس” التي تقول بأن العالم كروي، يدور حول الشمس، تلك النظرية التي كانت بداية مطاف و نهاية منظومة من المفاهيم الخاطئة، حدث هذا قبل اتهام “جاليليو” بالهرطقة بسبب هذا الاعتقاد ذاته بأكثر من مائة عام !!
و تعقيباً علي ذكائه النادر، و قناعاته التي من السهل أن تقوده إلي الاتهام بالإلحاد، و هي عقوبة كانت في ذلك الوقت ترشحه للإعدام بكل سهولة، حدث أن أرسله والده عام “1522 م”، خوفاً عليه، لدراسة الطب في مدينة “مونبيلييه”، كان عمره آنذاك “19” عاماً ..
لقد أوكل أمر تعليمه إلى جده، اليهوديِّ السابق، الذي علمه في عمر مبكر قواعد اللاتينية و الإغريقية و العبرية و أصول الرياضيات و التنجيم الذي كان يسميه هو ” العلم السماوي”، هذا ما قيل،
ما لم يقله مؤرخو سيرته أن لجده “جان”، الأثر الأكبر في مسيرته، فلا شك أن الرجل علمه أصول “الكابالا” اليهودية، وهي طقوس معقدة ولدت علي أيدي كهنة المعابد المصرية، و صارت فيما بعد هي الكتاب المقدس عند “البنائين الأحرار” ..
حتي مفردة “كابالا” تتماهي في بعضها مع “كا” وهي المدلول الشهير لمفردة الروح عند المصريين القدماء،
و “الكابالا”، هي الحلولية الجسدية في أشد صورها تعقيداً، و لا تزال حية في أطراف “مصر” ، بين سكان القاع تحديداً، إذ يعتقدون أن بمقدور الروح أن تسكن أي جسد باستخدام طقوس وتعاويذ معينة، لذلك، في “صعيد مصر”، حتي كتابة هذا السطر، (رداً للحسد)، يصنعون عرائس من ورق علي شكل المتهم بالحسد ويخزونها بالإبر ظناً منهم أن هذا يؤذيه فعلاً !!
هذا يدفعني إلي الظن الذي يكاد يلامس اليقين بانتمائه إلي “الماسونية”، و لست واقعاً تحت تأثير نظرية المؤامرة هنا، و الماسونية ليست سيئة إلي هذا الحد، لكن هكذا أسلوبهم، و عثور “فرسان الهيكل”، الذراع السياسي للماسونية، علي وثائق “الكابالا” في الحفائر التي قاموا بها تحت “هيكل سليمان”، نظرية مشهورة ..
هو أيضاً ألمح من طرف خفي إلي عضويته في جمعية سرية، لعلها جمعية “سيون” الفرنسية النشأة، مثله في ذلك مثل”دافينشي” و ” “فولتير” و “موزارت” و غابة من العقول الممتازة، في إحدي نبوءاته، قال :
“حينما ترتجف أعمدة الخشب العظيمة في ريح الجنوب، مغطاة بالدم. أن جمعية عظيمة مثل هذه ستتسبب في ارتجاف فيينا وأرض النمسا” !!
لاحظ أن البروتستانتية، أكبر لطمة وجهت إلي المسيحية، وهي من إبداع “البنائيين الأحرار”، ولدت في “ألمانيا” التي كانت تتضمن “النمسا” في ذلك الوقت !!
بالإضافة إلي أن “نوستراداموس” ، قد أقر بنفسه أنه يقدِّر بشكل خاص كتاب قديم اسمه “أسرار مصر” وهذا الكتاب من تأليف “يامبليكوس اليوناني”، و قال أنه وجد في هذا الكتاب علماً لم يعرفه أحد، وأن كتاب “أسرار مصر” ليس إلا أسرار الكون إجمالاً، كما أنه يستطيع عن طريق هذا الكتاب أن يعرف ما الذي سوف يجري في كل زمان و مكان !!
و يقول في رباعيتين من رسالة وجهها لابنه “قيصر”، عن الطقوس التي يراعيها قبل أن يتنبأ :
” جالس لوحده ليلاً في مكتب سري، إنه من نحاس موضوع على حامل ثلاثي الأرجل، لهب ضئيل يخرج من الفراغ، و ينجح ذاك الذي يجب أن لا يصدق به عبثاً” !!
ثم يقول أيضاً :
” الصولجان باليد يوضع في وسط الحامل الثلاثي الأرجل، بالماء يرش أهداب ثوبه و أقدامه، صوت, خوف, إنه يرتجف وسط ردائه، إشراق إلهي, الرب جالس في مكان قريب “
طقوس تتحد تماماً ببعض طقوس الكهنة التي احتفظت بها جدران المعابد، و “كتاب الموتي”، كما أن رش الثوب والأقدام بالماء من عادات الأقباط النابضة حتي اليوم، فيما يعرف بـ “المية المصلية” !!
و بالرغم من أنني لا أثق في المفكرين الروس، لأنهم أحياناً يضحون بالحقيقة في سبيل مشاعرهم الخاصة تجاه الآخرين، مضطر أن أقول أن الكاتب الروسي “سبيروفيتش” في كتابه “حكومة العالم الخفية”، ذكر جماعة النورانيين، وذكر “نوستراداموس” كأحد أبرز شخصيات تلك المنظمة !!
كما أن لقب “الإسماعيليين”، و هم “الحشاشين”، و هي الطائفة التي أسسها “ابن الصباح” في جبل “لبنان” و ” بادية “سوريا”، وعلاقتهم بـ “فرسان الهيكل” مشهورة، يتردد كثيراً في كتابه !!
ربما لكل ذلك، يتأمل الناس في كل مكان نبوءاته و كأنهم يقفون أمام باب هام، و يصغون إلي أغنية قديمة الإيقاعات ..
مع ذلك، نبوءاته مظلمة، رباعيات شديدة الغموض، و منفتحة علي التماهي مع الكثير من التأويلات المتضاربة،
فوق هذا كله، هي مكتوبة بلغة تتجاوز لهجة زمانه إلي جذور بعيدة ، مفردات مهجورة من عدة لغات، الإغريقية و الإيطالية و اللاتينة و العبرية و لهجة سكان أفنيون الفرنسية، مسقط رأسه، لذلك، لابد أن يضطر أي مترجم لها إلي لغة أخري أن يلجأ الي مفردات طللية من لغته الأم !!
و يبدو في كثير من الأحيان واضحاً أكثر مما ينبغي أنه كان يستعير أصابع “فرجيل”، شاعر “روما” القديم..
قيل أنه كتبها بهذا الشكل خوفاً من اتهامه بالهرطقة من قبل الكنيسة، قيل أيضاً أنه تعمد خلق حالة من الاضطراب في تسلسل النبوءات لهذا السبب نفسه، و أنا أرجح هذا الاعتقاد، فقط، لأنه كان يعيش في عصر محاكم التفتيش، أشد عصور أوروبا انحطاطاً..
لكن، و بالرغم من حرصه الشديد، و بالرغم من جذوره اليهودية قبل كل شئ، و الحرص يلمع في شخصية اليهودي كالخنجر، لم يسلم من الاتهام بالهرطقة، و أرسلت الكنيسة في طلبه من أجل أن يذهب إلي “تولوز”، لكنه اختبأ لست سنوات عن عيون الكنيسة، حدث ذلك في عام “1538 م”، لأنه أبدي تعليقاً عن غير عمد قبل ذلك العام بثلاثة أعوام علي فنان يقوم بصب تمثال لـ “مريم” في قالب من البرونز بأنه إنما يصنع ( الشياطين) !!
ربما، في هذه الفترة تحديداً، ذهب، كما قيل، إلى “اللورين” و “البندقية” و “صقلية”، لإيجاد المقاييس الصيدلانية لكل مكان، مدوناً أسماء كل ما كان جيداً أو رديئاً بالنسبة لكتابه، “رسالة في الغيبيات”..
و ربما، في هذه الفترة أيضاً أطلق أشهر نبوءاته علي الإطلاق !!
لقد رأي في “إيطاليا” راهباً شاباً كان يعمل مربياً للخنازير يمر به في الشارع، فركع أمامه مباشرة وناداه بـ “قداستكم”، و لقد أصبح ذلك الراهب الشاب الذي يدعى “فيليتش بيرتي”، بعد وفاة “نوستراداموس” بوقت طويل، عام “1585 م” تحديداً، البابا “سيكستوس الخامس” !!
بصفة شخصية، لا أحب دائماً التعاطي مع الأمور بعد تحققها قبلياً ..
ربما لهذا السبب نفسه، لا أحب الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن، فالقرآن علي قارعة الطريق، فلماذا إذاً يجعل بعض المحتالين من عقولهم مجرد غرف انتظار لباحث، ربما كان ملحداً، و ربما لم يسبق له أن سمع أصلاً بعقيدة اسمها الإسلام، – و ليس هذا غريباً، فشركاؤنا في النصف المضئ من هذا العالم لا يكترثون مثلنا لاختبارات السماء – ، ليبدأ بعدها التنقيب في الكتاب الوحيد الذي بني عليه كل معرفته، عن آية تليق كانعكاس لهذا الاكتشاف؟!
سقوط أخلاقي طبعاً، كما أنه ليس من مصلحة الدين وهو الثابت السطح أن يوضع في تجربة سطح متحرك كالعلم..
و يجري في مجري هؤلاء طبعاً أولئك الباحثون في نبوءات “نوستراداموس” بعد حدوث كل حادث جلل..
مع ذلك، بعض نبوءات “نوستراداموس” قد تحققت بحذافيرها، أكثر من هذا، لقد ورد اسم “هتلر” في تلك النبوءات مصحفاً، كما انتهك في طيات الغيب مصيره، وهذه النبوءة تحديداً هي التي ربطت هذا الاسم بثقة العالم الدائمة في صحة نبوءاته، لقد قال في إحدي نبوءاته :
“البهائم التي يدفعها الجوع ستعبر الأنهار، الجزء الأعظم من ساحة المعركة سيكون ضد “هسلر”، سيُجرُّ القائدُ العظيم في قفص حديدي عندما لا يراعي “ابن ألمانيا” أي قانون” !!
وقال أيضاً، و هو يصف ولادته، وحربه ضد روسيا و المجر، وكيف أن مصيره سوف يكون مثاراً للعديد من الشكوك :
” بالقرب من نهر الراين، سيولد قائد عظيم للشعب في شمال الألب، وسيأتي متأخرا ليدافع عن نفسه ضد روسيا و هنغاريا، و سيكون مصيره مجهولاً ” !!
و الرجل لم يتجاوز الحقيقة، فمصير “هتلر” ما زال مثاراً للشكوك ..
و لقد قرأت زوجة “جوبلز” وزير الدعاية السياسية في حكومة “هتلر” خلال الحرب العالمية الثانية بعض نبوءات “نوستراداموس”، فأيقظت “جوبلز” من نومه، فانزعج بدوره من هذه التنبؤات، ولجأ علي الفور للدعاية المضادة، واستخدم في ذلك المنجم “كرافت”، وكان يهدف من وراء ذلك إلي خلق تأثير عكسي على شعوب “أوروبا”..
و بدأت الطائرات الألمانية تلقي بنبوءات “نوستراداموس” المنحولة، في كل الأراضي التي هاجمتها “ألمانيا”، فرنسا بشكل خاص، لكن الكمية الأضخم هي التي انهالت على الشعب الإنجليزي..
منذ تلك الليلة، أصبحت عظمة نبوءات “نوستراداموس” لا تكمن دائماً فيما تمثله، و إلا كيف نستطيع أن نفسر اهتمام النخبة التي لا تؤمن عادة بالتنجيم، بكتاب يتعرض للتنجيم في جوهره ؟!
و من الثابت في سجلات حرب “بريطانيا” مع “ألمانيا”، أن الحكومة الإنجليزية تكلفت “250” ألف جنيه أسترليني، لتقاوم نبوءات “نوستراداموس”، حدث ذلك بأن نشرت بدورها هي الأخري نبوءات منحولة علي نفس الرجل !!
اتضح فيما بعد أن “كرافت”، كان يستعين ببعض تنبؤات “نوستراداموس”، ويري في ضوءها، و بالطبع تحققت في النهاية نبوءات “نوستراداموس” بهزيمة ألمانيا..
الغريب أن “هتلر” قد استعار هذا الكتاب من زوجة وزير دعايته !!
و كان “نابليون” من قبله، يحمل نسخة من ذلك الكتاب أينما ذهب، يقال أن زوجته “جوزفين” هي التي أهدته تلك النسخة، و في الكتاب نبوءات تشير إلي كل معاركه، وزحفه الفاشل علي “روسيا” وانسحابه منها، و هزيمته في “واترلو”، و نفيه إلي جزيرة “سانت هيلانة”!!
كما تنبأ أيضاً باحتراق الأسطول الفرنسي في “الإسكندرية”، و لعل هذه كانت هي النبوءة التي أكدت لـ “بونابرت”، حتي قبل أن يلقب بـ “نابليون”، أن هذا الرجل لا يمزح، قال :
“يغرق الأسطول بالقرب من البحر الأدرياتيكي، و “مصر” تهتز كلها، والدخان يتصاعد ويحتشد المسلمون”!!
ومن المشهور، أن الإنجليز بقيادة “نلسون” قد أغرقوا “الأسطول الفرنسيِّ” في معركة “أبي قير”، عام “1798” !!
و فزع “نابليون” في النهاية من هذا الكتاب و أمر بحرقه..
تنبأ بالحرب العالمية الأولي أيضاً، قال:
“إن حرباً مخيفة ستدور رحاها في الغرب، وفي السنة التالية، سيأتي مرض ساري رهيب جداً، بحيث سيهاجم الصغار و الكبار، حينما تكون النار و الدم و الحرب و الطيران في فرنسا !!
وصف واضح للحرب العالمية الأولى وانتشار وباء الطاعون بعدها في عام “1918”، ليعصف بحياة “18” مليون إنسان، و يصف في نفس النبوءة حالة فرنسا أثناء الحرب ..
تنبأ أيضاً بما حدث في مدينتي “هيروشيما” و “ناجازاكي” اليابانيتين، و أول استخدام للقنبلة الذرية، قال :
” قرب الميناء، وفي مدينتين، ستحدث كارثتان ليس لهما مثيل، جوع وطاعون، في الداخل ناس يطرحون خارجا بفعل السيف، سوف يبكون من أجل الحصول على مساعدة من الله العظيم الأبدي !!
من الجدير بالذكر أن التوقيت الذي اقترحته النبوءة يكاد يتحد بتوقيت هذه الكارثة الحقيقية..
كما تنبأ، و بشكل مذهل، لا يقبل القسمة علي اثنين، بهزيمة “مصر” في يونيو “1967”، قال :
” قانون جديد، أراضي جديدة ستحتل في سوريا و الأردن و فلسطين ، و ستتقوض القوة العربية و تنهار عند الانقلاب الصيفي “12” يونيو” !!
و بما حدث في حرب “1948 م”، وسطو اليهود علي أرض “فلسطين”، قال :
“فالدولة الجديدة تحتل أرضاً حول سوريا ويهوديا وفلسطين، وتنهار القوات البربرية”
لحرب “العراق” أيضاً نصيب من تنبؤاته، قال :
” سوف يأتي ملك أوروبا مثل الدولفين، يرافقه أولئك الذين في الشمال، سيقود جيشاً كبيراً من الحمر و البيض، و سيتوجهون لمقاتلة ملك “بابل” !!
عبقرية هذه النبوءة تكمن في وصفه لملك “إنجلترا” بالدولفين، فإن من المعروف من جغرافية “بريطانيا” أنها بلد مائي، مجموعة من الجزر !!
و في رأيي الخاص أن أعظم نبوءاته علي الإطلاق و أشدها وضوحاً هي نبوءته بمقتل الرئيس الأمريكي “كينيدي”، و أخيه من بعده أيضاً، تلك النبوءة التي قال فيها :
“الرجل العظيم في أعظم دولة تصرعه صاعقة في عز الظهر، وأخوه بعد ذلك”.
لكن النبوءة التي بدأ الضوء يخطو نحو اسمه من عندها تحديداً، كانت هذه، قال :
“سيتغلب الأسد الصغير علي الأكبر في ميدان القتال، وفي قتال فردي سيفقأ عينه وهما في قفصهما الذهبيِّ، جرحان في مكان واحد، ثم يموت ميتة قاسية !!
لقد تحققت تلك النبوءة حرفياً، حين توفي “ملك فرنسا” إثر إصابته في مبارزة ودية مع قائد الحرس الإسكتلندي ،
كانت الإصابة في الرأس فوق العين، توفي الملك بعد ذلك بأيام ظل خلالها يكابد أشد الألم من جراء تلك الجراح، و مما يجدر ذكره هنا، أن الملك كان له رمز أسد على درعه الذهبي، وكان لقائد الحرس علي درعه الذهبي رمز شبل صغير قوي !!
كانت هذه الحادثة هي السبب الذي وفَّر له ثقة الملكة، سليلة البابوات، “كاثرين آل ميديتشي”، لقد استدعته إلي قصرها الملكيِّ، و وضعت له ثمانية خيول على طول الطريق؛ فوصل إليها من جنوب فرنسا بعد شهر، و طلبت إليه أن يقرأ طالع أبنائها السبعة، مكثت معه أربع ساعات، و تنبأ لها أن أولادها سيكونون جميعاً ملوكاً، لكنه، لسبب ما، كتم عنها الكوارث التي سوف تصيبهم جميعاً، و تضع نهاية مأساوية لهذه الأسرة، ليرث الملك من بعدهم ذلك الشاب الذي نجا من “مذبحة القديس بارثولوميو”، الشاب الذي قال قولته المشهورة، ليعلن بها تحوله إلي الكاثوليكية من البروتستانتية التي لا تعترف بالقداس و العشاء الرباني و الصور كطقوس مسيحية، ليتسني له حكم “فرنسا” ذات الأغلبية الكاثوليكية :
” إن فرنسا تستأهل قداساً” !!
كان ذلك الشاب، هو هو، ذلك الطفل الذي تنبأ له “نوستراداموس” نفسه بأنه سوف يصبح “ملك فرنسا” !!
لقد حدث في عام “1550 م” أن انتقل “نوستراداموس” إلى مدينة “سالون” الفرنسية، معقل البروتستانتيين ، المدينة التي بدأ فيها كتابة تنبؤاته، و مات فيها أيضاً في أوائل يوليو من عام “1566 م”، و دفن قائماً في حائط إحدي كنائسها , و أثناء الثورة الفرنسية نبش بعض الجنود قبره و أخرجوا نعشه و لكن رُمته دُفنت مرة ثانية في كنيسة “سانت لورانت”، حيث لا يزال قبره موجوداً مع رسم له يعلو الضريح ..
لعل حادثة نبش قبره هذه هي مصدر نبوءة من النبوءات المنسوبة إليه، و هي من صنع الخيال الشعبي بالتأكيد، قيل أنه بعد انتهاء الثورة الفرنسية باربعة أيام، عام “1799 م”، قام ثلاثة سكارى فرنسيين بنبش قبره، فوجدوا جثته، معلق على صدره تميمة كبيرة، محفور عليها بخطه تاريخ وفاته على جانب، وعلى الجانب الآخر وجدوا نبوءة هذا نصها :
“بعد انتهاء الثورة الكبرى بأيام، وكُتِب تاريخ اليوم الذي نبشوا فيه قبره، سيقوم ثلاثة سكارى بنبش قبري، وعندما يقرأون آخر نبوءاتي سييصيبهم الذعر، و تطاردهم الشرطة، فتقتل اثنين ويصاب الثالث بالجنون” ..
لقد حدث كل هذا، لكن في عالم السينما فقط، فهذه النبوءة ليست سوي مشهد من فيلم سنيمائى عن قصة حياته قام ببطولته الفنان “أورسن ويلز”، حمل اسم ” الرجل الذي رأي الغد”، محض خيال ..
ابتعدنا، أو هكذا يبدو، فلنعد إلي قصته مع الطفل الذي تنبأ له أن يصبح ملك “فرنسا” ..
في “سالون”، طلب ذات يوم رؤية شامات موجودة على جسم طفل في الحاشية، كان ذلك شكلاً من أشكال التنبؤ الشائعة في ذلك الوقت، غير أن الطفل تواري عنه خجلاً،
توجه “نوستراداموس” في اليوم التالي لرؤيته وهو نائم، ثم، أعلن بعد ذلك أن هذا الطفل سيكون في يوم من الأيام ملكاً لـ “فرنسا” على الرغم من أن “كاثرين آل ميديتشي” كان لها ولدان على قيد الحياة، كان ذلك الطفل هو “هنري النافاري، الذي أصبح فيما بعد صهر “كاثرين آل ميديتشي”، ثم الملك “هنري الرابع”، ملك “فرنسا” ..
كان “نوستراداموس” فرنسياً محضاً، و كاثوليكياً عرضة للريبة، لذلك، ليس من الصعب أن ندرك أن كل تنبؤاته تنطلق من فرنسيته أولاً ثم انتمائه المشكوك فيه إلي الكنيسة،
ربما، لذلك، اعتبر، في رسالة للملك “هنري الثامن”، ملك “فرنسا”، سنة “1792 م” بداية لعهد جديد، في دلالة واضحة علي أهمية تلك السنة وخطورتها، الغريب في الأمر، أن هذه السنة هي سنة قيام الجمهورية الفرنسية، وهي السنة التي انسحبت بعدها الكنيسة إلي ركنها المهجور، ككيان تافه يتذكره الناس و هم يكتمون سخريتهم السائلة من أساليب الكهنة المتحجرين، في المآتم و الأفراح فقط ..
من الجدير بالذكر، أن هذه النبوءة كانت واحدة من النبوءات النادرة جداً التي يذكر “نوستراداموس” فيها تاريخاً محدداً لحادثة ما !! ..
النبوءة الأخري التي نعثر فيها علي تاريخ محدد بدقة، كتبها، حسب التاريخ الوارد في هامشها، في مارس العام “1955”، كانت :
” حيث أنه وفق العلامات السماوية فان العصر الذهبي سوف يعود بعد فترة اضطرابات ستقلب كل شئ، و التي ستأتي من لحظة كتابتي لهذا بعد “177” سنة و ثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً، و التي ستجلب معها فساد الأفكار و الأخلاق و الحروب و المجاعات الطويلة” !!
بعملية حسابية غير معقدة، نستطيع أن ندرك أنه كان يشير إلي سنة “1732 م”، تلك السنة التي وصل فيها من”سويسرا” إلي “فرنسا”، المفكر الكبير، “جان جاك روسو”، صاحب نظرية “العقد الاجتماعي” التي شكلت و ما زالت تشكل ثقافة “أوروبا”، و مهدت للإلحاد، كما فعلت روايته ” أميل” أيضاً، و عصف من جميع الجهات بنظريات الآباء الأوائل التافهة !!
غريب أمر هذا الرجل، و مذهلة تنبؤاته، أو علي وجه الدقة، مذهلة تأويلات الآخرين لهذه التنبؤات، فإذا كان “نوستراداموس قصد فعلاً ما ينسب المؤجلون له لكان أقل من إله و أكبر من بشريٍّ، أكبر جداً !!
مع ذلك، لم يستطع هذا الرجل أن يتنبأ بموت زوجته و أولاده من جراء الطاعون، كما لم يستطع، وهو الطبيب الذائع الصيت، علاجهم، لقد لفظوا آخر أنفاسهم بين يديه !!
في الواقع أن بعض الملوثين تدخلوا من خلال لعبة السياسة القذرة للاستفادة من تلك التنبؤات، و صعدوا بها ذروة لا تستحقها، للسيطرة علي عقول العامة قبل كل شئ و توجيه إرادتهم، كما حدث من “جوبلز” إبان الحرب الثانية، و كما حدث في “مصر” أثناء عام “د. مرسي” !!
نعم، لقد روج بعض الناقمين علي حكم “الإخوان المسلمين” شائعة تزعم أن “نوستراداموس” في نبوءاته، تنبأ بقتل “د. مرسي” من قبل المصريين، و أن الشيطان يقف من وراء “د. مرسي”، و أنه الرجل الذي سوف يغلق دائرة القدر!!
أكثر من هذا، في قذارة منقطعة النظير، ذهب البعض إلي أن اسم “مرسي” مذكور في تنبؤات “نوستراداموس” صراحة، “Moors” !!
و هذا حقيقي، هذه المفردة موجودة فعلاً في كتاب القرون، لكنه كان يقصد بها، مثل كل الناطقين بلغة تنبؤاته، الأندلسيين، لا “د. مرسي” !!
أيها الأوغاد، رفقاً بعقول الناطقين بالعامية ..
كما أن هناك الكثير من هذه التنبؤات لم يشتعل الضوء فيها بعد، ربما لأنها لم تتحقق بعد، و ربما لأنها بلا قيمة ، مثل :
حينما تقلب دوامة الربح المحفات، و تغطي الحجب الوجوه، سيتعكر صفو الجمهورية الجديدة من قبل شعبها، و في هذا الوقت يسيء الحمر و البيض الحكم !!
و مثل نبوءته :
” بسبب الغضب و الأحقاد الداخلية، سيدبر المنفيون مؤامرة كبرى ضد الملك، و فى السر سيضعون له أعداء بمثابة تهديد، و سيكتشف أنصاره الخاصون القدامى الفتنة الموجهة ضده !!
جاء في تنبؤاته أيضاً :
” من العامة المستعبدة، أغان و ترانيم و طلبات، فيما يقبع الأمراء والملوك أسري في السجون، هؤلاء سيستقبلهم حمقى دون رؤوس في المستقبل، على اعتبار أنهم مصلون مقدسون” !!
أيضاً :
” دم الشخص العادل سيطلب من لندن، التي تحترق بحريق في ثلاث عشرينات وستة، السيدة القديمة ستسقط من مقامها الرفيع، و كذلك سيتعرض الكثير ممن ينتمي للملة ذاتها للقتل” !!
و أيضاً :
” يستولي على المدينة من طريق المكر و الخداع، تُأسر بوساطة شاب وسيم، يقوم “روبين” بصولة قرب لود، هو و الجميع موتى لأنهم أحسنوا الخداع” !!
كذلك :
” الموت المفاجىء للشخصية الرئيسية، سيكون قد غير الحكم ووضع حكماً آخر، بعد ذلك بفترة قصيرة، و لكن بعد فوات الاوان، يتبوأ منصباً رفيعاً و هو صغير السن، و سيكون من الضرورة الخوف منه في البر و البحر” !!
و كذلك :
” سوف يكون التغيير صعبا جداً، سيربح في ذلك كل من المدينة و الريف، رجل عاقل من مقام رفيع سوف يطرده الى خارج المدينه شخص ماكر، في البر و البحر سيغير الناس ممتلكاتهم” !!
أيضاً :
” في تلك الازمنة و الامكنة التي يفسح فيها اللحم المجال للسمك، يصبح القانون الشائع معارضاً، النظام القديم سوف يصمد بقوة، ثم يزال من أرض الواقع، ثم توضع كل الاشياء المشتركة بين الاصدقاء بعيداً إلى الوراء” !!
و أيضاً :
” بعد الانقلاب الصيفي بقليل، سوف يلدغ العقرب الرمادي الملك، دم وضفادع ودراج ميت، الأجراس ستدق بنشاذ واضح، كل أبواب المدينة مفتوحة علي الوهم” !!
في النهاية،
إن تأويل الأشياء بما يهدئ من مخاوفنا الخاصة، ويتفق مع مشاعرنا الخاصة، أو تحميلها أكثر مما تحتمل، خطأ ناقص، و الخطأ الناقص هو أكبر الأخطاء علي الإطلاق ..
سيريان تلغراف | محمد رفعت الدومي
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)