قد يسأل سائل .. كيف لنا أن نغرق في بحرٍ من الثقة بالنصر؟ ما إسم هذا البحر ؟ وما وسعه ؟ وما شكل أمواجه وقاعه؟ فالإنتصار المرتقب طال زمنه أم قصر، لشعب وجيش هذا الوطن بعد صموده في وجه أقذر وأعتى وأقسى ما عرف التاريخ من الحروب، ، تبشر به رسائل الميدان، و ترسم حروفه وألوانه بنادق ودماء رجال الله على أرضه . من أين يستمد هذا الشعب هذا الصمود؟ ومن أين يأتي بتلك الثقة المتنامية بملامح المشهد الأخير؟ وكيف يحول هذا الوطن الكفر الذي يغزوه إلى إيمانٍ جديد بقداسةٍ جديدة تبدأ آياتها وتنتهي بإسم الوطن؟ لكل هذا الحشد من التساؤلات جوابٌ يقول أن لذلك أساساته وحججه وبراهينه ، وعنها يروي ما يلي من المفردات .. .
هي سابقةٌ أتت نتيجةً لسابقة . إنه الصمود المستحيل ساعة يترسخ واقعاً يومياً معاشاً ، انها الحرب المجنونة الغير مسبوقة ، هي من أيقظ في ساحة الوطن السوري ذاك الصمود المستحيل ، الصمود الذي يبني رغم الدمار الذي ينهش الصورة ، أساساً لسوريا الغد ، وصورةً مشرفة ومشرقة بالقياس لما خطط له من يحاول رسم الأوطان على المقاس الصهيوني من ثعابين حلف العدوان . كانت عقارب الساعة تدور في إتجاه البوصلة السورية ، وكان عامل الزمن قاسياً جداً، ومريراً جداً ، لكنه آثر الحفاظ على مستقبل ووحدة هذا الوطن ،وأعلنه لهيباً قد يشعل المنطقة ، ورايةً لا مكان للسلام ولا للأمن دونها أو بعيداً عنها . إنه الصمود الذي كان وسيبقى أكثر صفائح الفولاذ صلابةً في أساسات بناء سوريا المستقبل ..
أساسٌ آخر يدعم يقيننا بالنصر ، هو تفاقم وتعاظم حالة التيه والتشتت التي غزت معسكر العدوان على سوريا ، يوماً بعد يوم وإنتصاراً بعد إنتصار ، فأوباما وتوابعه حائرون في سبيل الخروج من الورطة الأوكرانية التي أرادوا لها أن تورط الروسي وتدفعه للتنازل في سوريا ، ليفاجؤوا بها تعيد له بعضاً من مجدٍ كان ينقصه كي يكتمل تمام بدره. مجده الذي كان لسوريا الفضل الكبير في حقنه بمصل النمو واليناع على مدار سنواتٍ ثلاث . أوباما وصحبه يتحسبون لا شك لحقيقة أنهم خسروا في الأمس في القرم ، وغداً في شرق أوكرانيا ، وبعد غدٍ ربما في أوكرانيا بمجملها ، ويعلمون أن عقوباتهم على روسيا لا تأثير حيوي مصيري فاعل لها ، وأن خيارات القيصر الروسي في الرد عديدة وفاعلة , خيارات لم يتردد الكرملين في الإعلان عن بعض عناوينها الأولية. هم يعلمون أيضاً أن لعبتهم القذرة بإستخدام الحقد العثماني الأردوغاني واللحى الشيطانية للإسلام التكفيري للضغط على القيادتين السورية والروسية في آن ، باتت مكشوفة ومفضوحة وأن الرد عليها لن يكون إلا بمزيد من الدعم من الحليف و مزيدٍ من الصمود على الأرض لسوريا شعبها وجيشها . لا يحتاج على هذا الصعيد فهم وتحليل خلفيات ودوافع وأهداف إشعال جبهة كسب مع سوريا إلى عظيم عبقرية ونبوغ، فكل افرقاء معسكر العدوان محشورون كالفئران في زوايا صمود سوريا ومحور المقاومة الداعم لها ، و كل تلك الفئران تحتاج لمنفذٍ أو مخرج تفلت منه من عناوين الحقيقة التي تلاحقها ، العناوين التي تعلن أغلبها أنهم خاسرون خاسؤون تائهون، وكلهم يبحث عن قاربٍ أو سترة نجاة تنقذه من مستنقعات عار الهزيمة ، وعار السقوط المذل . اليوم بات مستقبل “عظمة ” ودور أكثر من دولة غربية ، بل ووجود كيانات أشباه الدول التابعة لها، يرتبط مباشرةً بنهايات الصراع ، في، وعلى، هذا الوطن الفريد ..
حال الصهاينة الأعراب ليس بأفضل ، وقد وصلوا إلى دركٍ غير مسبوق من الشرذمة بعد أن غطت فضائح إستزلامهم وتبعيتهم للسيد الصهيوني سماء الوعي الجمعي لمعظم أبناء شعوب المنطقة، وبعد أن عادوا إلى سابق عهد أسلافهم من الإقتتال والتناحر ، و تشكيل الأحلاف القبلية الشكل ، الجاهلية المضمون ، البدائية النهج والفعل والسلوك ، و دائماً على أسس خلافاتٍ مذهبية طائفية عشائرية وضيعة ، يمكننا أن نقول بما يكفي من الثقة بأن حال مجموع صهاينة العدوان بات كارثياً ، و بات مع كارثيته هدف إسقاط محور المقاومة والمستحيل صنوان . فمحور المقاومة الذي تشكل إيران سنده وجداره الاستنادي ، و يشكل عراق اليوم إمتداده وعمقه ، فيما تشكل سوريا دماؤه و نبض قلبه وأهم أوردته وشرايينه ، و يشكل حزب الله قبضته الفولاذية، هو المحور الذي حول الصمود السوري هدف إسقاطه إلى خرفٍ لا زال يلازم قلةً من خرفان نجد و الحجاز ، وجنونٍ لا شفاء لأصحابه منه بعد أن ركب رقاب “أدمغة” مجانينهم. أول أمس كانت قمة جامعتهم، وكانت، قمةً في القماءة، وصفحةً جديدة في كتاب عارهم . لكن أمرين لافتين كانا واضحين فيها ، الأول إنفلات عقد سيطرة قبيلة آل سعود على قراراتها وتحرر رقاب الدول من نير إستزلامها وتبعيتها بالمطلق للنظام الوهابي في الرياض ، والثاني هو إستيعاب ” قياداتٍ ” عربية جديدة لنظرية “وباء الإسلام السياسي” وانضمامها لمن سبقها ، أو لمن عانى في الأمس أو يعاني اليوم من وحشية وبدائية ودموية أتباع هذا الوباء ، واقتناعها بأن إتجاه عقارب النصر قد يممت وجهها نحو دمشق ، وأن ما يعانق الريح في أعلى سواريه هي ذات الأعلام التي ترفرف اليوم في ساحات دمشق .. فكان أن وجب تغيير العلم أمام مقعد سوريا تماشياً مع المتغيرات ،، أو تنفيذاً للأوامر .. لا يهم . ووجب منع “فخامة الجربا” من تدنيسه ، تماشياً مع المتغيرات أو تنفيذاً للأوامر ، هنا أيضاً .. لا يهم .
ما كان فاصلاً هزلياً ترفيهياً في جلسة العزاء والندب تلك هو مداخلة “فخامة الجرباء” التي قال فيها بلكنته الآل سعودية إن الشعب السوري يسأل ، إذا كان الغرب منع عنا المساعدات العسكرية الفاعلة، فما الذي يمنع الإخوة والأشقاء من منح مقعد سوريا للإئتلاف؟ . ليباغتنا المتحدث بإسم إئتلاف من “هب ودب” من عصف العصابات المجرمة والدواب المهاجرة نحو الجنان ، المدعو لؤي الصافي – صاحب مقولة “ما من مجزرة وقعت في معان “، ليقول هذه المرة: شعرنا بأن أمر حسم إعطاء مقعد سوريا للإئتلاف يهدد بإنقسام الصف العربي ففضلنا عدم الإصرار على المطالبة بتسلم المقعد حفاظاً على وحدة هذا الصف!! إضحكوا فالضحك في هكذا مناسبات يشفي القلوب الجريحة ، إضحكوا .. وترقبوا مع كل إطلالة لأمعةٍ منهم، فرصةً جديدة للترفيه والضحك .. .
ولا تختلف الألوان في هاتين اللوحتين عن لوحة العثماني الأردوغاني الذي فلقت أنصار “ربيع الإسلام الصهيوني” في سوريا بشكل خاص .. تصريحاته وإعلاناته و تطميناته التي تكررت عشرات المرات عن رحيل الرئيس الأسد ، وقرب تغيير النظام في سوريا، وأحقية وحتمية إنتصار ما أسماه ثورة الحرية، وتحديده لمواعيد متعددة عن قرب إمامته كسلطان عثماني للصلاة في المسجد الأموي، هذه الأهزوجة التي شاركه فيها معظم أفرقاء العدوان ، من رحل منهم و ما رحل الأسد، ومن لا زال الوهم يداعب عالم أحلامه بمعايشة رحيل الأسد. تقول اللوحة العثمانية اليوم إن بطلها يترنح، وإن دواراً عقلياً أصابه جراء فشله في قراراته وتموضعه على مدار أعوامٍ ثلاثة، وإنه منذ إعلانه عبر ضباعه عن “غزوة الأنفال” ، يحدوه الأمل أن تطيل نتائجها من عمره السياسي، يتكئ على وهمٍ وسرابٍ وأضغاث أحلام، تخادع جميعها بقايا عقله المريض ، وترسم له نوافذ مفتوحة على جدران الصمود السوري الفولاذي، وحبالاً تتدلى من “جبل النسر، أو المرصد 45 , من قمم النهايات التي لا ترتضي بغير العظام من الرجال على ذراها، إنه عته ما قبل الرحيل . رحيل من نادى وبشر بسقوط الآخرين .. بات جد وشيك ، ولا مفر أمامه البتة من اللحاق بمن سبقه ممن سقطوا من “زعامات “الحرب على سوريا .. ولن يختلف حاله عن حالهم ساعة خلفوا وراءهم وصمةً من إثمٍ وعار في جبين كلٍ منهم كما في جبين نظامه السياسي، امبريالياً إستعمارياً كان، أو قبلياً رعوياً بدائياً صحراوياً ،كمثل من يعض بعضهم بعضاً اليوم في مضارب بنو الآلات .. سعود وخليفة ونهيان وثاني .. .
قد يكون قدر السوريين أن يطفئوا نيرانهم ولهيب جحيمهم بدفق قلوبهم ونسيم أرواحهم ولحم أكفهم على صفيح روزنامة لا يجروء أيٌ منهم على تحديد مواعيد وتواريخ أعياد أيامها الأخيرة ، لطالما كان هذا في غابر الأزمان قدر الأوطان الفريدة . لكننا لن نفقد الأمل أننا سنحظى بفرصة تأريخ ما كان وما سيكون .. بحضورنا وأقلامنا وحبرنا .. حتى لو كان بعض الحبر سقيا التراب من الدماء المقدسة وكان بعض الحضور جمعٌ غفيرٌ من الأرواح الطاهرة . في هذه الأرض، وعليها، ومنذ آلاف السنين على الأقل .. كانت المشيئة دائماً، وكان القرار، لمن جبلت أرواحهم من تراب الوطن السوري، أولئك كانوا شركاء القدر في قراراته أحياناً، لكنهم في غير أحيان، كانوا يصادرون للأقدار حقها، ويرسمون وجهاً بهياً جديداً للوطن .. هم يرسمون اليوم لوحةً يشكل الوطن السوري جزءًا منها .. هي لوحةٌ جديدة مختلفة الألوان والتفاصيل والمعاني، للعالم بأسره. لهم الفخر ، كل الفخر، من يستطيعون الإدعاء هم أو أحفادهم في المستقبل أنهم كانوا أعضاءً في فريق عباقرة الفن والرسم السوريين ..
سيريان تلغراف | نمير سعد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)