بقدر ما يسعد أحدنا أنه تطرق منذ وقتٍ قريب أو بعيد لبعض العناوين التي يذكرها أو يتطرق إليها القادة السادة ، وأن أحدنا نظر إليها وتناولها من ذات الزاوية التي يستند إلى درجاتها سماحة الأمين العام لحزب الله في خطاباته ، أو الرئيس المقاوم بشار الأسد في لقاءاته ، يسعده بذات القدر توقع الأثر المترتب على هذا التلاقي ساعة حصوله . فأحدنا ساعة يكتب وجهة نظره أو رأيه في مسألةٍ ما ، يكون الهدف الأهم هو إيصال الفكرة إلى أذهان أوسع شريحة ممكنة من البشر و إيداعها خزائن عقولهم ، علهم يخضعونها بعد القراءة لمحاكمةٍ من نوعٍ ما ، علها بعد المحاكمة تؤثر إيجاباً في مقاربتهم لهذه القضية أو تلك . المشكلة هنا محدودية من ستصلهم الكلمات والأفكار مهما بلغ شأن كاتبها وذاع صيته و إتسعت شعبيته . ببساطة شديدة .. لأن أعداد من يهب القراءة حقها من الإهتمام والوقت هم بكل تأكيد أقلية ونسبة ضئيلة من مجموع من يتوجه الكاتب إليهم . ما أود أن أصل إليه هنا أن المكسب كبير جداً ساعة تتناول عقول القادة العظام ذات القضية ، ساعة تتوجه قامة بمستوى القادة العظام إلى جموع ذات الشعب من خلال التلفاز بكلامٍ وأفكارٍ و حقائق تتلاقى وتلك التي يتناولها آخرون .. كتابةً .. فأعداد من يتابع المفردات في العموم ويتعمق في دلالاتها ومغازيها قراءةً ” بغض النظرعن صاحبها ” ، لا تقارن بأعداد من يترقب إطلالات ومواقف وأحاديث قادةٍ عظماء … .
أجراس فلسطين تقرعها أيادي السادة .
إن أردنا التوقف عند خطاب سماحة السيد حسن نصر الله ، وتحليل كل ما جاء فيه لتوجب علينا كتابة صفحات عديدة ، لذا فقد قررت الخوض في أصوات بعض النواقيس والأجراس التي قرعها سماحته .. وحسب ، نواقيس وأجراس تكون عناويناً أعبر من خلالها إلى ضفة مفرداتي وكلماتي لتصافح بدورها أعينكم وأذهانكم . سوف أكتفي بجرسي إنذار كانا الأهم في تصوري ، وتحديداً تحذيره من الخطط الجهنمية التي تحاك في هذه الأيام لتصفية القضية الفلسطينية إلى غير رجعة ، و خوضه في مسألة وحش الإرهاب الذي يهوى إلتهام عقول من يؤمن به ، وقلوب من لا يؤمن به . ففي ظل تفرد الولايات المتحدة بإدارة ملف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وغياب أية شراكة دولية أو أعرابية ” ما عدا أدوار التآمر التي ينفذها أشقاء وخلان وأبناء عمومة الصهاينة وخدمة الكنس اليهودية .. الأعراب عموماً وقبيلة آل سعود الوهابية خصوصاً ” . علينا أن نبدأ بالحديث عن خطة أو مشروع أو مساعي “جون كيري” في هذا الخصوص . ولا بد أن نذكر هنا أن الجاهل والعاقل على حدٍ سواء يعلمان أن طرفاً غير حيادي في أي نزاع لا يمكن له أن يكون وسيطاً نزيهاً ، ولا يمكن له إلا أن ينحاز إلى مصالح حليفه في هذا النزاع ، هذا في العموم ، فما بالكم إن كان لصهاينة الحليف الأصغر هيمنةٌ شبه تامة على إرادة وسياسة الحليف الأكبر من خلال شركائهم في الصهينة . ولا بد أن نذكر أيضاً أن ” كلا طرفي الصهينة ” يستغلان أولاً إنشغال الدول العربية الوازنة بالتصدي للحروب التي تشن عليها ، ” سوريا والعراق ومصر ” ، وإنشغال الصهاينة الأعراب بالتآمر على تلك الدول ، ويستغلان ثانياً ضعف وتشرذم وضياع وتيه وتفكك القيادة الفلسطينية لتمرير أكبر قدر ممكن من الضغوط التي يتوقع لها أن تثمرعن إنصياع ورضوخ وقبول “محمود عباس” لمشروع “كيري” الجهنمي … .
ومشروع هذا الأخير لمن لا يعلم .. يكرس الغالبية الساحقة من المستوطنات واقعاً أبدياً وقدراً يجب على فلسطينيي اليوم والمستقبل أن يتعايشوا معه ، و لن تكون القدس بموجبه بأي حال من الأحوال عاصمتين بإرادتين مستقلتين ، إحداهما لدولة الكيان والأخرى لفسطين ، التي ستكون حكماً هزيلةً ضعيفةً عاجزةً واهنةً محاصرةً و منزوعة السلاح ، فيما تنزوي حماس مع زحام البشر على رقعتها الصغيرة منبوذةً ومعزولةً ، خصوصاً بعد خسارتها للحضن الداعم للمقاومة بشكلٍ عام ، وفي سوريا بشكلٍ خاص ، وتداعيات إفتضاح تورطها بشكل مباشر بأعمال الإرهاب والعنف والدم والقتل في مصر وعلاقتها المباشرة بتنظيم ” أنصار بيت المقدس ” الإرهابي القواعدي ، و إعلانها السافر من خلال أفعالها وتصريحات وأقوال قادتها عن الإنتماء أولاً وقبل كل شيء للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، الإنتماء الذي يسبق كل إنتماء ويتفوق على أي إنتماء وطني أو قومي . أخيراً .. وبحسب مشروع ” كيري ” ، فإن حق العودة سوف يتحول إلى ذكرى لمطلبٍ .. كان . لنا أن نلاحظ هنا التصريح الأخير لمحمود عباس الذي حرص من خلاله على طمأنة قيادة العدو بأن السلطة الفلسطينية لا تسعى على الإطلاق إلى – إغراق إسرائيل باللاجئين الفلسطينين – . إنه المشروع الساقط قبل أن يكرس بتوقيع عباس وخضوعه ، هو ساقطٌ حكماً لأن إرادة البقاء والعودة ونيل الحقوق لا تشطب بتوقيع هذا – الزعيم المؤقت – أو ذاك .. .
نواقيس الإرهاب والتكفير .. تدقها عقول السادة .
ننتقل هنا إلى ناقوسٍ آخر عميق الدلالة ، خطيرالأبعاد والنتائج ، يتعلق في الجوهر بالشام المباركة المصطفاة التي كانت ولا زالت وستبقى كما عند الإله صفيةً ، كذا في أرواح من سكنها أو زارها أو سمع بها أو قرأ عنها ، ويتعلق في العموم بسائر شعوب وبلدان وأشباه بلدان المنطقة . نقف أولاً عند مسألة وضع سماحته لكل النقاط التائهة فوق قواعد ونواصي حروفها ، بدءًا بتفصيل شرح خارطة الإرهاب وإحتمالات تبدل وتغير خطوطها وحدودها ، بحكم أنه إرهابٌ لا يعترف أصلاً بحدود أو معابر أو حواجز أو عوائق ، ولهذا نراه ينتشر في سوريا و لبنان والعراق وتونس وليبيا ومصر واليمن ، وما هذا سوى مقدمة لانتشاره كالوباء ، كالطاعون ، ليعانق في مرحلةٍ لاحقة أرواح من صنعوه ومولوه وأرضعوه الشر والحقد والتكفير ونبذ الآخر ، من ثديين أحدهما صهيوني وهابي والآخر وهابي صهيوني . إنه الإرهاب الذي لا يقبل خضوعاً لمعايير إنسانية أو أخلاقية من أي نوع . يقوم سماحة السيد بوضع تلك الخارطة تحت عدسات الحقيقة على الأرض لتظهر موبقاتها ، ويفوح العفن من رجسها ، وتنزوي الآثام في حضرة آثامها . جرس الإنذار سمعه الجميع ، الجميع دون إستثناء . لكن هنالك من يسمع ويتفكر وهنالك للأسف من أصيب بالصمم في سمعه ، والموت السريري في وعيه ، والتفسخ والتلاشي في إرادته . كلام السيد كان يشير في بعض جوانبه إلى حقيقة وطبيعة الصراع الدائر في سوريا ، شارحاً وجود ما هو أكثر فتكاً وتدميراً من المدافع والطيران والرصاص في الحرب الدائرة هناك . إنها الفتنة الطائفية وتكفير شركاء الوطن . فمن يؤمن بغير نبي فهو كافر ومن يقتنع بأقوال ومواقف خليفة أكثر قليلاً أو كثيراً من قناعته بأقوال غير خليفة فهو كافر ، ومن يفضل أن يتفكر قليلاً ويعمل عقله قبل أن يسلم بما هو عند الآخرين من المسلمات ويفضل أن يناقش بعض جزئياته قبل أي تسليم ..هو أيضاً كافر ، وغني عن القول أن كل ما يخص هؤلاء الكفرة حلالٌ زلال .. أموالهم وأعراضهم ودماؤهم وأجسادهم وأشلاؤهم وأرواحهم ، وما على الثوار ” الصادقين الصديقين البررة ” إلا أن يقوموا بدورهم بالفعل الحلال في هذه الحال ..
هل ثمة من يسمع ويفقه ؟
الحال يأخذ أحياناً بعداً مأساوياً وهزلياً في آنٍ معاً .. فمن قد يختلف من الإرهابيين مع ” آخرين ” من شركاء الإرهاب ، على الغنائم من أموالٍ وسبايا وآبار نفط ، هو في نظر أولئك الآخرين كافر وزنديق وجب قتاله وحز رقبته ، هي مهزلة جهادية تداعت العصابات الإرهابية التكفيرية لتسجيل أسمائها في سجلات دمويتها ووحشيتها . كما هو المشهد على مدار الأسابيع الماضية بين إرهاب الجبهة الإسلامية ، وذباحي جبهة النصرة ، وإنتحاريي داعش . إنه حالٌ لا يبتعد كثيراً عن حال من قد يختلف مع ” آخرين ” بخصوص حادثة أو واقعة ما ، قد يكون عمرها عشرةٌ وبضعة قرون من الزمن و قد يكون أبطالها وشخوصها من شركائنا في الأرض من المخلوقات غير الآدمية كالهر أو الهريرة أو الكلب أو الكليب أو الخنزير أو الخنزيرة ، أو بعض مفرزات تلك الكائنات ، كما هو الحال .. أعزكم الله .. مع ” أصول وأحكام وضوابط ومعايير التعامل مع بول البعير ” فيصنف هذا الفريق أيضاً لمجرد الإختلاف ، في قائمةٍ عنوانها الكفر أو الكفرة ، بموجب فتوى تصدر عن هذا الشيخ التكفيري الوهابي أو ذاك ، تلك الفتاوى التي غزت الوطن السوري شعباً وجيشاً وقيادةً ومقدرات على مدار أعوامٍ ثلات ، وأما متبعيها ومنفذيها فلهم الأجر والثواب في الجنان .. وفي أحضان الحور الحسان ، وغني عن القول هنا أيضاً إن كان هذا هو الأجر ” مضاجعة لا تنتهي .. بقوة أربعين حصان .. لعشرات الحور الحسان ” أن تتسابق قطعانٌ من السلفيين والوهابيين التكفيريين للإنخراط في جيش الجهاد على الأرض السورية وتحت راية الإسلام و-” إعلاء كلمة الله ” … .
وكأن الزمن قد عاد بنا إلى عهد الفتوحات الإسلامية ، وكأن كل من لا يعلن تأييده لثورة الناتو بات كافرٌ .. كافر ، وبالتالي فغالبية شعب هذه الأرض كافر وزنديق ، يعبد الأصنام ، فكل من يؤمن أن بعضاً من روح الله يعانق أرواح بشرٍ على هيئة جنود ، هؤلاء قومٌ كافرون ، وجبت محاربتهم و قتالهم وقطع رقابهم ، ( هكذا تقول شياطين الأرض ) ، أو بالكاد إعطاء – بعضهم – فرصةً وحيدة يتيمة على قاعدة .. إن لم تكن معنا و مثلنا فأنت ضدنا ، وأنت عدونا !! ، ونقول بعضهم – لأن لا حظوظ لآخرين ولا أمل بأن تشملهم هكذا فرص لأسبابٍ تتعلق بما بات يتنافس على معرفته القاصي مع الداني – . إنه نهجٌ يذكرنا ربما بالمقولة التي أطلقها الشيخ ” جورج دبليو بوش ” بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ( إما معنا أو ضدنا ) ، بعبارة أدق سلم تسلم ، سلم قناعاتك ومبادئك وانتماءك وإقطع جذورك وغير لون علمك وبدد حلمك ، وبدل آيات كتاب إيمانك ، وإسجد بدل الله للآلات ، ولشيوخهم ومفتييهم ، ورمالهم وخيامهم وبعيرهم ونفطهم وغازهم ودنانيرهم وريالاتهم ، ولا تنسى قبل هذا جميعه ، أن جميع ما قد فعلت ، أو ما قد تفعل ، لن يقبل ما لم تقم أولاً بتبجيل وتقديس أسيادهم .. حكماء بني صهيون ، ومواثيقهم .. بروتوكولات حكماء بني صهيون ، والداعسين على رقابهم .. قادة الصهيونية في الكون بأسره ، عندها فقط .. قد تسلم .. .
لكن كلام السيد كان واضحاً لجهة التحذير من أن ما من صكٍ دائمٍ ومضمونٍ وموثوق للسلامة ، فمن قد يسلم اليوم من سكاكين و سواطير و براثن وأنياب الوحوش الآدمية ، قد يكون لرقبته موعدٌ ما ، في مرحلةٍ ما ، مع ذات البراثن و الأنياب والسواطير والسكاكين ، والعبرة أخيراً أن .. إعتبروا يا أولي الألباب .. إن كان ثمة ألباب في جماجم بعضكم ؟ . أخيراً ، عن ملامح الميدان ، ماذا تقول الصورة اليوم ؟ ..ولمن يهب الزمن نياشين المجد والخلود ؟ ، هنالك اليوم من يحتكر هذه وتلك ، أبطال هذا الوطن ، محاربيه ، المدنيين منهم .. بصبرهم وتضحياتهم ودمائهم ، والعسكريين ، حماة الديار السورية ، بصمودهم وبسالتهم وإنتصاراتهم وإنجازاتهم . ببساطةٍ شديدة لأنها – نياشين البطولة والنصر – تهوى تسلق صدور أصحاب الجباه الشامخة ، و لأنها -أوسمة الشرف – تعشق من ينتزعها من قلب النار واللهيب وليس من يستجديها على أبواب الأمراء والملوك والسلاطين … و أحفاد ” ثيودور هرتزل ” . عن الشام نقول : كما للتاريخ في عقارب الزمن دواره ، كما إنبلاج عتمة ليلنا بصبحنا ونهاره ، كذا لعشق الشام في قلوبنا ، كما أبداً ، وهجه وأجيجه ولهيبه … وناره .
سيريان تلغراف | نمير سعد