في حوار ملفت للدكتور جهاد مقدسي المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السورية لقناة CNN أوضح د.جهاد وجهة نظره من الأحداث الجارية في وطنه سوريا.
والحقيقة أنني حاولت التحقق من حقيقة ما ورد على لسانه، خصوصاً أنّ التحريف وارد جداً، وببعض الأحيان تحريف عبارة بسيطة يؤدي إلى عكس نتيجة متوقعة من قبل المُتحدث مما يسبب لغطاً كبيرا تسهم فيه القناة التي يتحدث إليها، وهذا بدوره يسبب إشكالاً كبيراً بين المُتحدث وبين المتلقي.
بعد اطلاعي على عدة مصادر وجدت أنّ كل نتائج البحث تقود إلى سياق واحد في الحديث “حديث د. جهاد لقناة CNN”.
وبما أننا عجزنا عن التواصل مع الدكتور جهاد فإننا سنناقش ما صدر عن القناة التي أجرت الحوار معه:
يركز د.جهاد خلال حديثه القصير ودائما حسب المصدر، على كلمة “النظام” وليس حكومة، و”فوز الشعب بالنقاط” و يشير بشكل علني: أنّ الرئيس بشار الأسد سقط تماماً بحسب اتفاق روسي أميركي، وأن “النظام” أي الحكومة السورية، ما زالت مؤمنة بالحل العسكري، والحل السياسي غير موجود في قاموسها، ويعترف تماماً بأن ما يحصل بسوريا هو “ثورة” ويوضح أنّ سبب فشل السياسة الأميريكية هو تركيزها على “الأسد” ودائما بحسب المحطة عن لسان د.جهاد أن الشعب يريد التركيز على سوريا، وفي معرض حديثه يقول بما معناه: القتل يمكن أن يتحقق بالطيران، والبنادق والسكاكين، في إشارة واضحة إلى أنّ الجيش العربي السوري هو من يقتل الشعب بالسكاكين والسواطير.
هذه هي النقاط الأهم في حديث د.جهاد، إذا وبعد التدقيق تجدر الإشارة إلى أن:
أولاً: د.جهاد يلقي اللوم كاملاً غير منقوص على الحكومة السورية.
ثانياً: هو لم يتحدث عن أفعال من ينتمون حسب زعمه إلى “الثورة”.
ثالثا: يقول أن مصير الأسد لم يعد مطروحا، أي أن على الرئيس الأسد مغادرة الرئاسة في نهاية المطاف “حسب اتفاق روسي أميركي”.
رابعاً: يميز بين الحكومة والشعب، وكأنه يقول: إن الشعب كله يقف وقفة رجل واحد، ضد حفنة من الناس تتمركز في القمة.
خامساً: يدين عمليات الجيش العربي السوري، ولا يتطرق أبداً إلى أفعال المنضوين تحت لواء الإرهاب المسلح، الذي اعترفت فيه معظم دول العالم خصوصاُ بالآونة الأخيرة.
“وبنهاية حديثه يقول: أنا مع التوافق، ومع إيجاد حلول وسطية للجميع.”
هنا لدينا عدة اسئلة:
أولهاً: هل فعلاً أميركا معنية بإنهاء ما يحدث في سوريا، وإنهاء المأساة، أم أنها تريد لهذه المأساة أن تستمر وتستمر حتى يسقط الجيش العربي السوري نهائياً، وتصبح سوريا مرتعاً وملعباً لتقاسم الدول، ” كما حدث ويحدث في دول كثيرة”؟
ثايناً: هل فعلاً الحكومة السورية مسؤولة مسؤولية كاملة عما يحصل في سوريا خصوصاً في آخر ثلاث سنوات، أم أن هناك أيدٍ كثيرة تدخلت، وأدخلت الإرهاب والعتاد والتمويل والكوادر المقاتلة إلى سوريا؟
ثالثاً: من أين للدكتور جهاد أن يعتقد أن الرئيس السوري سوف يسقط؟ هل هناك بوادر أو إشارات واضحة بهذا الخصوص؟ خصوصاً مع تراجع معظم الشعب السوري عن كل ما يحدث، والكل يعلم أن الشعب لم يعد يريد إلا السلام، وهناك حالات كثيرة وخصوصاً في ريف دمشق التي تريد أن تسلم الدولة مناطقها، وأكبر عائق أما هذا الحل هو الجماعات الإرهابية المسلحة؟
رابعاً: لا يمكن أبداً لحكومة إلا “حكومة الله” أن تقف بوجه شعب، فهل حقاً الشعب كله يقف ضد حكومة بلده؟
خامساً: نعم الجيش العربي السوري يقاتل ويدافع عن مواقفه وتحصيناته، ولكن هل رأيتم الجيش في أحد هذه الأيام الكثيرة التي مرت يهاجم منطقة “معارضة 100% وليس فيها سلاح ولا مسلحين؟” ثمّ، وعبر ثلاث سنوات من هو الطرف المهاجم أهو الجيش أم الجماعات الإرهابية المسلحة؟ وأخيراً، لا يمكن لطرف وسطي أن يلقي اللوم على طرف يمين أو يسار، وإنما لا بد له أن يقف موقف الصادق الذي يحاول لملمة الجراح، وإن كان ذلك على حسابه شخصياً، وأنا لم أجد في حوار الدكتور جهاد “المنقول” أي بوادر أنه يقف وقفة الحياد، بل أنه يظهر بشكل علني أن الحكومة قاتلة بكل معنى الكلمة، وأن الجماعات الإرهابية التي تحوي آلاف المسلحين الأجانب، “بحسب مصادر الأمم المتحدة، واعتراف السعودية اليوم” يصورهم د. جهاد على أنهم عصافير برئية وأن الجيش يصطادها.. وإذا صح كلام CNN عن لسان د.جهاد، فأنا اعتقد أنه غير منطقي أبداً في حديثه لا بالشكل ولا بالمضمون، وأنه على غير هدى يسير، وأنه لم يقرأ بالشكل الصحيح موقف أميركا، لأنها لا تريد مصالح الشعب، وإنما تريد مصالحها، ومصالحها تتجسد في إنهاك الجسد السوري، وأنه على ما يبدو لا يتابع أبداً إلا المحطات الثورية المتمثلة بالجزيرة والعربية وأخواتها، أو أنه يستقي معلوماته من عناصر مقاتلة ضد الحكومة السورية، ولم يكن أبداً موفقاً في إظهار نفسه أنه مع الحل الوسط، وإنما انحرف عن المسار الذي كان يخصصه لنفسه على أنه: إنساني.. لقد فقد بحواره المنطقية الإنسانية، وتحول إلى مدافع عن طرف ضد طرف، وأعلن هوية جديدة، لم أكن أعتقد أنه يملكها.
سيريان تلغراف | عيد كوسى
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)