Site icon سيريان تلغراف

إغتيال الفكر ومحو التاريخ العربي .. بقلم هاني شاهين

” يقول المؤرخ البريطاني هوبل: “إن أردت أن تلغي شعباً ما تبدأ أولاً بشل ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه، ثم تكتب له كتاباً واحداً فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخاً من هذا الكتاب وتمنع عنه أي كُتب أخرى عندئذ ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان وينساه العالم”.

خسر العالم العربي والإسلامي العديد من العلماء البارزين في شتى المجالات العلمية والثقافية منذ فجر الإسلام وما زال الى يومنا هذا يخسر بسبب الجهل، الخيانة والعمالة المستشرية في هوائنا الذي نستنشقه. لا يمكننا إحصاء أو حصر هذه الكارثة الحضارية بعدد أو مكان معين في العالم العربي، فما حصل عبر التاريخ كان مجزرة بحق العلم والفكر والتطور والإزدهار، كان مجزرة بحق الإنسان والدين في كل بقعة من الأرض العربية والإسلامية بل في كل بقعة من هذا العالم، والوضع المزري الذي نعيشه اليوم هو أكبر برهان على الجرائم التي ارتكبت بحق العلم والعلماء العرب والمسلمين عبر التاريخ.

السبب الرئيسي الذي كان وراء الإغتيالات هو خوف الحكام من الفكر المستنير والعلم البليغ الذي يمكن أن يسبب بتعريتهم وإظهارهم على حقيقتهم وبالتالي خسارتهم لملكهم، كما كان للدول الغربية اليد الطولة في إغتيال العلماء العرب منذ أوائل القرن العشرين بالتعاون مع عملائهم في الداخل العربي، خاصة علماء الطاقة والصواريخ في سورية، مصر، لبنان، العراق وفي ظل الصراع الدائر في المنطقة. نستذكر هنا بما شهده علماء العراق وسورية بعد العدوان الصهيوني الأعرابي عليهما وتغلغل الموساد وأجهزة الإستخبارات الغربية وعصابات القتل المأجورة والتكفيرية.

سوياً سنغوص في أعماق التاريخ لنتعرف على أسماء هؤلاء العظام الذين قُتلوا ظلماً أو ماتوا حسرةً وقهراً. هؤلاء الذين ساهموا في نشر العلم والمعرفة في جميع أنحاء العالم  وكان لهم الفضل الكبير في عزة العرب ووضعهم على خارطة التنافس العلمي والثقافي.

إليكم بعض الأمثلة على هذه الفضاعات الوحشية التي دفعت ثمنها الشعوب غالياً، مع العلم أن هذه الأمثلة القليلة هي ما تم توثيقها في المراجع التاريخية، أما تلك التي تعرضت للنسيان و لم تذكر في أي مرجع فهي كثيرة جداً.

إغتيالات القرن العشرين

1.         أول العلماء الشهداء في القرن العشرين هو العالم اللبناني حسن كامل الصباح (أدونيس الشرق) من نوابغ المخترعين وكبار المكتشفين ورائد من رواد العلم البارزين على مستوى العالم والذي تنسب له مئات الاختراعات في مجال الكهرباء والطاقة والهندسة،  وهو الذي اخترع جهازًا لنقل الصورة عام 1930، ويستخدم اليوم في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليه السينما الحديثة، وخاصة السينما سكوب بالإضافة إلى التليفزيون. وفي العام نفسه اخترع جهازًا لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية مستمرة وأراد نقل هذه التقنية لإنارة الدول العربية ولكنه أغتيل في حادث سير مدبر في الولايات المتحدة عام 1935 وكان عمره آنذاك لم يتعدى الأربعين عاما، وأحاط حادث اغتياله الغموض إلى يومنا هذا.

2.         مصطفى مشرفة “اينشتانين العرب” كان واحد من اهم واشهر العلماء العرب فى القرن العشرين حتى ان اينشتاين عندما علم بوفاة هذا الرجل قال ان اليوم قد مات نصف العلم، وقد مات مسموما عام 1950.

3.         الفيزيائية المصرية وعالمة الذرة سميرة موسى التي تلقت عروضا مغرية لتبقى في الولايات المتحدة ولكنها رفضت حيث قالت عبارتها الشهيرة “ينتظرني وطن غال اسمه مصر” فتعرضت لحادث سيارة مدبر وتوفيت عام 1951.

4.         عالم الذرة المصري سمير نجيب الذي قتل أيضا في حادث سيارة مدبر في الولايات المتحدة عام 1967

5.         عالم الذرة المصري نبيل قليني الذي اختطف واختفى في براغ عام 1975 وما زال الى الآن.

6.         العالم النووي المصري يحيى المشد الذي عمل في العراق ووجد مهشم الرأس في غرفته في فندق المريديان في باريس عام 1980.

7.         عالم الذرة الفلسطيني نبيل أحمد فليفل الذي اختفى فجأة ثم وجدت جثته في منطقة بيت عور الفلسطينية عام 1984 وطويت القضية من دون أي تحقيق.

8.         عالم الفضاء المصري المختص في علم الصواريخ سعيد السيد بدير الذي هرب من امريكا بعد تهديده بالقتل ثم قتل في الاسكندرية عام 1988.

9.         العالم النووي اللبناني رمال حسن رمال أحد أهم علماء الذرة التي كانت الدوائر العلمية تعتبره أحد أهم الشخصيات التي ستصنع مستقبل فرنسا العلمي والذي قتل بعد تهديدات خلال عمله في فرنسا عام 1991.

10.        الباحثة المصرية في الوثائق الصهيونية الدكتورة سلوى حبيب التي تم ذبحها في شقتها بعد انتهائها من كتابة كتابها الأخير “التغلغل الصهيوني في أفريقيا”

11.        المؤلف والمؤرخ والباحث المصري الدكتور جمال حمدان الذي عثر على جثته عام 1993 نصفها الأسفل محروق.

12.        وجرّاحة الدماغ من الجزيرة العربية الدكتورة سامية عبد الرحيم ميمني التي كان لها أكبر الأثر في قلب موازين عمليات جراحات المخ والأعصاب وقد توفيت في ظروف غامضة حيث قتلت خنقا في شقتها ووجدت جثتها في إحدى المدن الاميركية داخل ثلاجة عاطلة عن العمل.

13.        وفي كارثة أقل ما يقال فيها أنها تمثل أكثر مآسي القرن الحادي والعشرين، تم استهداف وقتل أكثر من 350 عالما و200 أستاذ جامعي من العقول والأدمغة العراقية من مختلف الاختصاصات أثناء الإحتلال الأمريكي وكان هؤلاء يمثلون نخبة العراق المميزة التي كانت رأسمال العراق الفكري والعلمي على مر عشرات السنين من العمل والعلم المتواصل. ومن أهم العلماء الشهداء الذين استهدفتهم يد الاجرام الصهيونية نذكر محمد الراوي، عماد سرسم، محمد الدليمي، عبدالله الفضل، محمد حسين علي، علي عبدالحسين، محمد حسين طالقاني، محي الدين حسين، مروان الهيتي، محمد الازميرلي وآخرون كثر.

 باسم الدين والحُكّام يُقتل العلماء

1.         العالم والفقيه والحكيم الإمام علي بن أبي طالب صاحب كتاب نهج البلاغة (599م- 661م) ابن عم النبي محمد (ص) وزوج ابنته فاطمة ووالد الحسن والحسين، ضُرب على رأسه بسيف مسموم وهو يؤم المسلمين في مسجد الكوفة. والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب”، “من أحب أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته، و إلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرائيل في جلالته، وإلى آدم في سلمه، وإلى نوح في خشيته، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى يونس في سنته، وإلى عيسى في ورعه، وإلى محمد في حسبه وخلقه، فلينظر إلى علي، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمع الله فيه ولم يجمع لأحد غيره”.

2.         الجعد بن درهم (667م- 724م) تم ذبحه كأضحية في أول أيام عيد الأضحى.

3.         قُتل عبد الله بن المقفع وهو في مقتبل العمرولم يتجاوز السادسة والثلاثين عند موته (724م ـ 759م) وكان سفيان بن معاوية يبيّت له الحقد، فطلبه، ولما حضر فقيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور ويجبره على أكل جسده مشويًا حتى لفظ آخر أنفاسه ومات.

4.         سُجن أبو الكيمياء جابر ابن حيان حتى وافته المنية سنة 815 م.

5.         ضُرب عنق الإمام أحمد بن نصرالخزاعي سنة 846م وحُزّ رأسه وداروا به في الأزقة بقي الرأس منصوبا ببغداد والبدن مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن أُنزل.

6.         كفّروا وصلبوا الفيلسوف الحسين بن منصور الحلاّج سنة 922م.

7.         اضطُّهد وحُوصر الإمام أبو جعفر الطبري المؤرخ والمفسر والفقيه حتى توفي سنة 923م.

8.         نفيَ أبو الحسن ابن المنمر الطرابلسي (959م- 1000م) ثم تم هدم ضريحه ونبش قبره بعد أكثر من الف عام على وفاته من قبل ثوار الناتو في ليبيا.

9.         سُجن الشاعر والفيلسوف الأديب أبو العلاء المعري (973م-1057م) ثم تم قطع رأس النصب التذكاري من قبل ثوار الناتو في سورية.

10.        اتهم بالفساد وذبح الفقيه العالم شهاب الدين يحيى السهروردي سنة 1190م.

11.        اتهم الشاعر والكاتب والمؤرخ والفيلسوف والطبيب والسياسي لسان الدين بن الخطيب (1313م- 1374م) بالإلحاد فقتلوه خنقًا في سجنه واخرجوا جثته في الغد ودفنت بالمقبرة الواقعة تجاه باب المحروق أحد ابواب فاس القديمة ثم أخرجت جثته في اليوم التالي وطرحت فوق القبر وأضرمت حولها النار فأحترق شعر الرأس، وأسودت البشرة ثم أعيدت الجثة إلى القبر وتركت لتثوى الثواء الأخير.

12.        وتم تكفير الفيلسوف أبو نصر محمد الفارابي (874م- 950م)، وأبو بكر الرازي (865م- 925م) وهو أحد أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق، والفيلسوف وأبو الطب الحديث ابن سينا (980م- 1037م)، وفيلسوف العرب  يعقوب بن إسحاق الكندي (801م- 873م)، والعالم الفقيه أبو حامد الغزالي (1058م- 1111م). وحرقوا كتب أبو الفرج الأصفهاني (897م- 967م) والغزالي وابن رشد (1126م- 1198م).

حرق الكتب وتدمير المكتبات العربية عبر التاريخ لقد بنى العرب حضارات شامخة في البلدان التي فتحوها شرقاً وغرباً كالحضارة العباسية والفاطمية والأندلسية، إلا أن تلك الحضارات أخذت في الأفول بمجرد القضاء على المكتبات وحرق الكتب ومضايقة الأدباء والعلماء والمفكرين والكتاب. إن حرق الكتب وتدمير المكتبات يعد من بين أهم الكوارث التي واجهت الحضارة العربية والإسلامية منذ تاريخها الطويل وحتى يومنا هذا، وكانت أحد الأسباب الرئيسية في تخلف الأمة العربية عن النهضة العلمية وسر ضعفها، وجعلها نهباً للمستعمر الأجنبي.

 تعددت أسباب تدمير المكتبات وحرق الكتب أو دفنها في الأرض أو رميها في مياه النهر، حيث كان هناك أسباب شخصية بحتة، وأخرى تمثلت بالخوف من اقتناء الكتب باعتبارها محرمة وممنوعة خاصة كتب الفلسفة والكتب العلمية. أما الحقد والتعصب الأعمى والجهل فكان مصدرا آخر لهذه الكارثة، فضلا عن غزو البلدان العربية واحتلالها من قبل الأجنبي. الأمر الذي أدى إلى ضياع زهاء ثمانية ملايين كتاب على أقل تقدير، هي ثمرة جهود العلماء والفلاسفة ورجال الطب والفكر والأدب والفقه عبر عصور إسلامية مختلفة، ما أدى إلى ضياع الكثير من تراث الأمة العربية الإسلامية الفكري والثقافي بصورة خاصة، وضياع التراث الفكري والثقافي الإنساني بصورة عامة.

من بين الأسباب الشخصية التي أدت إلى حرق الكتب هو أن العلماء والأدباء لم يكونوا يينالون التقدير والإحترام فكانوا يصبون جام غضبهم على الكتب ويحرقونها.

من الفواجع التي لحقت بالمكتبات الخاصة في العصور الإسلامية مكتبة بني عمار التي تم حرقها من قبل الصليبييين في القرن العاشر الميلادي حيث أسس بنو عمار مكتبة ضخمة في طرابلس الشام تحمل اسمهم، ، فقد جمعوا لها الكتب الكثيرة والمخطوطات النادرة، وكانت الكتب في معظمها مجلدة تجليداً فاخرا، ومزخرفة بالذهب والفضة وقد قدر مقتنيات مكتبة بني عمار بثلاثة ملايين كتاب.

واستمر مسلسل حرق الكتب وتدمير المكتبات دون انقطاع، فقد شهدت مكتبة سابور التي أسست عام 992م في مدينة بغداد مصيراً مأساوياً لا يقل فداحة عما جرى لمكتبة بني عمار. كان عدد الكتب التي احتوتها بلغ زهاء 10400 كتاب، من بينها مائة مصحف بخط ابن مقلة. لقد استمرت المكتبة تقدم خدماتها للجميع طوال سبعين سنة، ثم أحرقت عند مجيء الملك طغرل بك السلجوقي سنة 1059م.

كما أن بعض حكام العرب ساهموا في حرق الكتب دون وازع من ضمير، فكانوا إذا أرادوا اضطهاد المعتزلة والفلاسفة أحرقوا كتبهم. فمن بين أهم المكتبات التي أحرقت على أيدي الحكام العرب (مكتبة ابن حزم الأندلسي) المتوفى سنة 1063م. ويعد ابن حزم أشهر ممثلي الثقافة العربية في الأندلس، وكان شاعراً ومحدثاً وخطيبا،و ألف العديد من الكتب، وكانت مكتبته من بين أضخم المكتبات الخاصة في الأندلس. فكان البعض يينظر إليه بعين الحقد والحسد فأثاروا حوله الجدل مما حدا بالمعتمد بن عباد صاحب أشبيلية أن يأمر بحرق كتبه علنا.

تم حرق مكتبة عبد السلام بن عبد القادر البغدادي المدعو بالركن، بأمر الخليفة العباسي الناصر لدين الله المتوفى سنة 1225م. لقد اهتم عبد السلام بجمع الكتب الخاصة بعلوم الأوائل، ومن بينها كتب الفلسفة واقتنى في هذا المجال وغيره كتباً كثيرة. ونالت مكتبته شهرة واسعة بخاصة أنه جمع من كتب الفلسفة والكتب العلمية ما لم يجمعه غيره، مما أدى إلى التشهير به وإحراق كتبه. وكما هو معلوم أن كتب الفلسفة خاصة كانت ممنوعة في تلك الأيام باعتبارها في نظر الجهلة والمتشددين تفسد العقل.

عندما فتح السلطان محمود الغزنوي مدينة الري وغيرها سنة 1030م، قام بقتل الباطنية ونفى المعتزلة وأحرق كتب الفلاسفة والاعتزال. واستخرج كتب علوم الأوائل وعلم الكلام من مكتبة الصاحب بن عباد وأمر بإحراقها.

كما حوربت كتب الغزالي في المغرب العربي من قبل أمراء المرابطين الذين تلقبوا باسم أمراء المسلمين، وأمروا بإحراقها، وتقدموا بالوعيد الشديد من سفك الدم واستئصال المال إلى من وجد عنده شيء منها. وقال إنه في زمن الموحدين وبخاصة في أيام مؤسس السلالة الموحدية محمد بن تومرت، جرى اضطهاد المؤلفين ممن كتبوا في علم المذهب والفقه وأحرقت كتبهم. وقد تعهد المنصور الموحدى (في القرن السادس الهجري) ألا يترك شيئاً من كتب المنطق والحكمة باقياً في بلاده، فأباد كثيراً منها بإحراقها بالنار.

لم تتوقف هذه المأساة التراجيدية عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى تدمير المكتبات الضخمة التي أسست من قبل الخلفاء أنفسهم، ورعتها الدولة من بيت مال المسلمين، وكانت بمثابة مكتبات وطنية أو مركزية عامة وفق مفاهيم العصر الحديث، فالمكتبات الرئيسية التي تأسست في العصور العباسية والفاطمية والأندلسية انتهت بشكل مفجع تماماً وضاعت الجهود التي بذلت في جمع الكتب والمخطوطات.

وكانت عوامل الحقد والجهل والتعصب الأعمى السبب الرئيسي في تدمير ونهب وحرق وضياع المكتبات الإسلامية الرئيسية. وذكر أن مكتبة بيت الحكمة في بغداد ظلت ردحاً من الزمن تمثل الإشعاع الفكري العربي الإسلامي منذ أن أسسها هارون الرشيد ورعاها ابنه المأمون إلى حين تدميرها. وقد ضمت المكتبة مجموعات ضخمة من الكتب على اختلاف أنواعها، منها كتب التراث الإسلامي، والسير والتراجم، والكتب العلمية والفلكية، وكتب الكيمياء والطب والرياضيات، وكتب الفلسفة والأدب واحتوت المكتبة على مرصد فلكي ومخطوطات ومصورات بلدانية. وصف ويل ديرانت في كتابه “قصة الحضارة” مكتبة بيت الحكمة أنها مجمع علمي، ومرصد فلكي ومكتبة عامة.

كما دمر المغول بالإضافة إلى مكتبة بيت الحكمة ستة وثلاثين مكتبة عامة أخرى في بغداد.  لم يكن مصير دار العلم بالقاهرة أفضل من مصير بيت الحكمة في بغداد، وكانت تعد أضخم مكتبة عرفها التاريخ الإسلامي. وقد أسس المكتبة الخليفة العزيز بالله الفاطمي في قصره، ثم بنى ابنه الحاكم بأمر الله مبنىً خاصاً للمكتبة في عام 1005م بجوار القصر. كانت أقسام المكتبة تتألف من قسم للفقهاء، وقسم لقراء القرآن الكريم، وثالثاً للمنجمين، وقسم رابع لأصحاب النحو واللغة، وقسم آخر للأطباء. وقد بلغ عدد قاعات المكتبة ثماني عشرة قاعة والمقتنيات تقدر بمليونين ومئتين من المجلدات، وهو ما يعادل عشرين ضعفاً مما حوته مكتبة الإسكندرية في عصرها. كانـت أضـخم مكتـبة عرفهـا التـاريخ فـي ذلك العـصر. تعرضت المكتبة للخراب والدمار، وضاعت مئات الآلاف من الكتب حين وقع الخلاف بين الجنود السودانيين والأتراك في عام 1068م وهو العام الذي شهدت فيه مصر مجاعة كبيرة ولم يستطع الخليفة آنذاك من دفع رواتب الجند، مما دعاهم للهجوم على المكتبة والعبث بمحتوياتها، فأتلفوا كتبها وعمد العبيد إلى الكتب المجلدة تجليداً فاخراً فنزعوا أوراقها واتخذوا من جلودها نعالاً وأحذية لهم. وعندما تولى صلاح الدين الأيوبي حكم مصر قضى على البقية الباقية من المكتبة وذلك إما بتوزيعها على رجاله وإما بعرضها للبيع بأي ثمن كان، كما أن العديد من المصادر التاريخية تؤكد أن صلاح الدين الأيوبي كان سبباً في القضاء على هذه المكتبة، حيث يذكر المقريزي أنه في عهد صلاح الدين قضي على خزائن مكتبات الفاطميين.

أما المكتبة الرئيسية الثالثة التي دمرت فهي مكتبة قرطبة التي اهتم بها الحكم الثاني وبذل الأموال الطائلة في جمع الكتب والمخطوطات وزودها بأنفس الكتب والإصدارات التي كانت تؤلف حينذاك وكان الحكم شغوفاً بقراءة الكتب، كما كان مهتماً بتنظيم المكتبة وتصنيفها وتزيينها بالزخارف الفنية، فعين عدداً من المجلدين المهرة لتجليد الكتب التي كتبت بحروف من الذهب، وزينت بالتصاوير الجميلة. وبلغ عدد الكتب التي ضمتها المكتبة قرابة أربعمائة ألف كتاب إضافة إلى دواوين الشعر التي غطت ثمانمائة صفحة من فهرست المكتبة.

لقد خسر العرب خسارة فادحة جراء حرق الكتب وتدمير المكتبات الرئيسية التي كانت مصدر إشعاع حضاري لجميع أبناء الإنسانية آنذاك. وجاءت الحروب الصليبية التي استمرت زهاء قرنين كاملين أي من عام 1096م إلى عام 1291م لتقضي على ما تبقى في العالم العربي من كتب ومكتبات. كما قام العثمانيون أثناء احتلالهم لمصر وانتزاعها من يد المماليك في القرن السادس عشر الميلادي بسلب ونهب وتدمير وحرق الكثير من المكتبات.

في تاريخ البحرين الحديث تعرضت مكتبة آل عصفور إلى النهب بعد استيلاء العُمانيين على البحرين. والمعروف أن هذه المكتبة تأسست في القرن الثامن عشر الميلادي وجمع كتبها الشيخ أحمد بن إبراهيم آل عصفور.

بعد دخول قوات التحالف بغداد في عام 2003م نُهبت المكتبات الكبيرة، ومنها المكتبة الوطنية، فضاعت الكثير من المخطوطات والوثائق والكتب النادرة والمراجع القيمة، والكثير من النتاج الفكري العربي والإسلامي، معيدين إلى الأذهان دخول المغول بغداد وتدمير مكتبة بيت الحكمة.

أما أحدث ما شهده الوطن العربي من حرق الكتب وتدمير المكتبات فكان على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية. ففي 12 يوليو 2006م قام العدو الإسرائيلي بالاعتداء على لبنان على مدى 33 يوماً، مدمراً الحجر والشجر، ولم تسلم منه مراكز طبع الكتب ونشرها. فقام بتدمير المطابع المنتشرة في جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، كما عمد عن قصد وسبق إصرار بتدمير المكتبات على اختلاف أنواعها في الضاحية والجنوب، مما أدى إلى حرق عشرات الآلاف من الكتب الورقية والكتب الإلكترونية. وقد دمر ما نسبته 70% من المطابع ودور النشر اللبنانية المتوافرة في الضاحية الجنوبية.

في مطلع سنة 2014 في شهر يناير، قام السلفيون المتشددون أعداء الفكر والثقافة والمعرفة ، أدعياء الدين وتجاره بحرق مكتبة ” السائح “، أضخم وأهم مكتبة في طرابلس لبنان ، يملكها ويديرها كاهن رعية الروم الأرثودوكسية الأب إبراهيم سروج، كانت المكتبة تضم ما يزيد على 80 ألف كتاب ، قضي الحريق علي الجزء الكبير منها وما تبقي أتلفته مياه المطافئ. لكن الأب الطيب الصالح وانسجاما مع إنسانيته ووعيه قال ” أسامح الذين أحرقوا المكتبة وأصلي كي يحمي الله طرابلس “.

سرقة ونهب المتاحف

منذ القدم كانت سوريا مهد التاريخ والحضارات والاديان، على ساحلها وجدت لوحات الأبجدية الاولى في رأس شمرا أوغاريت، وتعتبر دمشق اقدم مدينة مأهولة في العالم. اليوم، وتحت عناوين شتى، يدمّر هذا الارث الثقافي، وتخرّب الآثار وتنهب وتهرّب، تماماً مثلما حصل في العراق، فيمحى تاريخ الشرق وتدفن ذاكرة الزمان والانسان.

منذ اندلاع الحرب في سوريا، تتعرّض المواقع الاثرية والمتاحف في مختلف المناطق للنهب والسرقة على يد المهرّبين وتجار الآثار، كما تتعرّض الكنائس والاديرة والمساجد التي تعود الى مئات السنين للهدم على يد الاصوليين التكفيريين الذين يعيثون فيها نهباً قبل تدميرها.

كما إختف أكثر من (13864)  قطعة أثرية من المتحف العراقي ، لتكون أكبر سرقةَ لمتحفِ في التاريخ فمنها الإناء النذري لا يقدر بثمن إضافة إلى أهميته الفنية وهو يحكي قصة دينية في إطار من الأحداث حيث الشخصية الرئيسة والمتمثلة بالآلهة إنانا ( عشتار ) لها علاقة بأعياد الوركاء القديمة، ووجه الفتاة السومرية من الوركاء، وعاجيات القرن الثامن قبل الميلاد ومنها قطعة عاجية نفيسة مطعمة بالأحجار الكريمة ، عبارة عن  لبوة تُهاجمُ رجلاً نوبيا ، وهي صغيرة الحجم لا يتعدى حجمها كف اليد ، لكنها كنـز نفيس، إضافة إلى وجه لفتاة من العاج أو ما يسمى بين الآثاريين  بموناليزا نمرود.

نذكر أيضا في هذا السياق محاولة حرق المتحف المصري عبر رمي قنابل المولوتوف من قبل مدسوسين أثناء الإنتفاضة الشعبية.

 تدمير الأضرحة والمقامات ونبش القبور

مع انتشار أتباع الحركة الوهابية المتطرفة في العالم الاسلامي، تتسع اعمال هدم وتخريب ونسف المراقد والاضرحة والمساجد والكنائس والحسينيات، وهي بدأت بمقامات النبي صلى الله عليه واله وسلم واهل بيته واصحابه ولن تنته إلا بالقضاء على كل المعالم والاثار التاريخية التي ورثها المسلمون والمسيحيون في بلادهم.

قبل أكثر من 200 عام، غزت جحافل الوهابية ما يُعرف اليوم بالعراق، اجتاحوا مدينة كربلاء ذات القدسية لدى المسلمين وقتلوا 4000 من أبنائها. كما سيطروا دينياً بحلف مع آل سعود سياسياً على مكة والمدينة المنوّرة. هناك دمّروا أضرحة لصحابة النبي محمد بن عبد الله (ص)، حطموا ودمروا المقامات، ومنها روضة البقيع التي تحوي مقابر أئمة أهل البيت، حصل ذلك عام 1925. ومنذ ذلك التاريخ، لا يُقال «وهابية» إلا وتحضر فكرة هدم الأضرحة. هؤلاء حاضرون لهدم ضريح النبي محمد (ص) لولا خشيتهم من قيام العالم الإسلامي عليهم.

 هدم مقابر البقيع:

 عمد انصار الحركة الوهابية إلى هدم وتسوية اضرحة ومقابر (البقيع) وهي المقبرة التي دفن فيها بعض أهل البيت وازواجه واولاده وبناته ومرضعته حليمة السعدية، وعماته واصحابه، وتشير الوثائق والقرائن إلى أن الوهابيين لم يكتفوا بتلك الجرائم بل حاولوا مرارا هدم قبة الرسول الا انهم غيروا رأيهم بسبب حدوث ردود فعل إسلامية قوية من مختلف البلدان الإسلامية.

 تفجير المراقد والمساجد والحسينيات في العراق:

 شهد العراق بين (2003-2013) موجة من الاستهدافات المتواصلة لدور العبادة والمساجد والحسينيات والكنائس في اعمال تخريبية مستمرة استهدفت مكونات الشعب العراقي لخلق فتنة طائفية واجواء من القلق والخوف لاسيما عند اقليات الشعب العراقي التي تم استهداف اماكن عبادتها ورجال الدين فيها. ولعل الحدث البارز في العراق والذي كاد بسببه أن تحصل حروب طائفية بين المذهبين الشيعي والسني هو إقدام العصابات التكفيرية المتطرفة على تفجير الحرم العسكري في سامراء الذي يضم بين ثنايا تربته الإمامين المعصومين علي الهادي والحسن العسكري والسيدتين الطاهرتين حكيمة أخت الإمام الهادي ونرجس أم الإمام المهدي وأيضاً تفجير سرداب غيبة الإمام المهدي المنتظر.

 هدم المساجد والتعدي على الحسينيات في البحرين:

 تتكرر في البحرين ظاهرة هدم المساجد والتعدّي على الحسينيات التي يمتد عمر بعضها إلى نحو ألف سنة مضت. وتشير الإحصاءات إلى أنّ الجيش البحريني مدعوماً بالقوات السعودية هدم اكثر من (٢٧) مسجداً، إضافة إلى حرق نسخ من القرآن الكريم التي كانت متواجدة في هذه المساجد. بالحقيقة كيف يمكن للعالم الإسلامي أن ينقلب من أقصاه إلى أقصاه على قسٍّ أراد حرق مصحف واحد في أمريكا، بينما يصمت هذا العالم حين يحرق ويمزّق أكثر من 45 مصحفاً فيي البحرين على يد عصابات الوهابية؟

 هدم اضرحة الاولياء في تونس:

تم حرق وتخريب أضرحة الأولياء الصالحين بتونس، لتتجاوز حوالي 30 ضريحا بعد الثورة وآخرها مقام “سيدي بوسعيد الباجي”، العالم المتصوف الذي منح اسمه للقرية التي تطل على خليج تونس بالضاحية الشمالية للعاصمة وهي قبلة السياح الوافدين من مختلف دول العالم.

 هدم الاضرحة في ليبيا:

قامت مجموعات مسلحة بهدم الأضرحة في العاصمة طرابلس، وقال أمين عام هيئة علماء ليبيا خالد الورشفاني إن من قاموا بهذه الأعمال من “المتشددين” قد استندوا إلى بعض الفتاوى الدينية، وأن نبش القبور وتفجير الأضرحة بالمتفجرات مسألة “خطيرة” لم يعرفها العالم الإسلامي قبل هذا الوقت.

 هدم الاضرحة في مالي:

قام عناصر جماعة انصار الدين بهدم العشرات من المدافن والمراقد والاضرحة في تمبكتو في شمال مالي حيث احتوت مدينة تمبكتو على 333 ضريحا من بينها 16 تم تصنيفها من طرف اليونسكو كمواقع للتراث العالمي، كضريح سيدي محمد بن عمار الذي يحظى بمكانة رفيعة لدى سكان تمبكتو.

 بعد أن حطّ هذا الفكر الوهابي الظلامي رحاله في جميع البلاد العربية وصل الى سورية .

هدم الاضرحة في سوريا:

في شهر آذار (مارس) من عام 2013 تم تفجير المقام التاريخي للصحابي عمّار بن ياسر في محافظة الرقة في سورية.

في شهر نيسان (أبريل) 2013 نبشت مجموعات تابعة لـ«الجيش السوري الحر» قبر الصحابي الجليل «حجر بن عدي الكندي» في منطقة عدرا بريف دمشق واستخراج الجثمان ودفنه في مكان غير معروف.

 هناك تعمد منهجي لتدمير التراث الاسلامي والمسيحي والعربي حتى في مكة والمدينة وفي كل مكان في العالم، فقد تم تدمير اكثر من 90% من تراث الرسول وتراث أهل بيته (ص)، وتاريخهم وتاريخ الصحابة، فلم يبق إلا الكعبة المشرفة وقبرالرسول (ص)، وحتى هذه المعالم التي تعبرعن العقيدة الاسلامية هي الان تحت خطر التهديم بحجة تطوير الحرمين، فالكعبة محاطة بالابنية الشاهقة التي اخفت معالمها تماماً وقبر النبي (ص) يمكن أن يهدم في أي وقت تحت حجج واهية.

 سيريان تلغراف | هاني شاهين

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version