Site icon سيريان تلغراف

كلام لا علاقة له بالأمور السياسية “45” .. بقلم برهان إبراهيم كريم

الحقد رأس العيوب

لا يرضى الله سبحانه وتعالى لعباده بكل ما هو عيب ومعيب, فكيف بالحقد رأس العيوب.

فبالحقد لا ينتصر دين من الأديان. ولا تبنى أوطان, ولا تشاد مجتمعات, ولا تستقيم حياة.

فالحقد هو المرحلة الأخيرة من العداوة, ولا يشفي غليل الحاقد سوى الانتقام. والحقد  ينال من صاحبه بأكثر مما ينال من خصمه, ويبعد عن الإنسان الأصدقاء, ويؤلب عليه الأعداء,  ويكشف عن خفايا مساوئه المستورة, وينقل صاحبه من زمرة العقلاء إلى حثالة السفهاء. ويجبره على العيش بكبد حسرى وقلب أسود ووجه اصفر,  وبرثي لحاله كل من يراه. الحقد إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها. والضغينة هي الحقد الشديد أو الحقد المصحوب بالعداوة. والنقمة وهي الكراهية التي تصل إلى حد السخط. والغِل هو الحقد الكامن في الصدر و العداوة المتغلغلة في القلب . ومن مرادفات الحقد الضغن، والشحناء، فهي جميعا كلمات تدور حول معنى واحد أو معان متقاربة، ترجع بوجه عام إلى معنى العداوة، مع بعض فروق في الدلالات. والعداوة هي كراهية يصاحبها رغبة بالانتقام من الشخص المكروه إلى حد إفنائه وإلغائه من الوجود.  والحقد حين يشوب نظام  أو معارضة, أو يجد له  من مكان في العقول أو الأفكار  إلا  وسخط الله والهزيمة من نصيبه, ولن يكتب له الفلاح.

الحاقد عدو لدود, تسكن في عينيه أخطاء الآخرين, فلا يبصر من حسناتهم شيئاً. ويرمي بأخطائه وراء ظهره, أو يعلقها على مشاجب الآخرين. الهنود يعتبرونه سهم سام يثقب درع السلحفاة. والفرنسيون يقولون بأن من به حقد لا يذوق طعم النوم. والإسبان يعتبرون أن ثلاث لا يمكن إخفائهم, وهما الحب والمال والحقد. والروس  يعتبرون أن أصل الحقد,  يكمن في كون أخطاء الآخرين أكثر لمعاناً من أخطائنا. والألمان يقولون: الشرر المخفي يخيف بأكثر من النار الظاهرة. لذلك إذا أردت ناراً فأبحث عنها في الرماد.  والدانماركيون يقولون: تحت الرماد الأبيض تلمع دائماً بقايا  النار. الحاقد يمكن توصيف حاله بهذه النقاط:

  1. الحاقد حاله لا ترضي الله, ولا تسر صديق وعدو, لأن الحاقد يتصف بهذه الصفات:

          كالسيل بالليل لا يدري به أحد **** من أين جاء ولا من أين يأتيه.

          الويل للعهد فيه كيف ينقضه ***** والويل للود منه  كيف يفنيه.

  1. الحقد يدفع بصاحبه إلى مصير مشؤوم, ونتائجه وخيمة, وهذا بعض منها:

   لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب *****  ولا ينال العلا من طبعه الغضب.

    إذا أنت لم تضرب عن الحقد لم تفز*** بشكر ولم تسعد بتقريظ مادح.

  1. الحقد داء عضال. الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله ** إلا جهولٌ مليءُ النفس بالعلل.
  2. الحقد لا يولد مع الطفل. وإنما يتولد من أسباب ومسببات كثيرة, وهذا يعض منها:
  1. والاساليب المتبعة لتجنب الحقد كثيرة وعديدة ومتنوعة. ومنها هذه الاساليب التالية:

 لما عفوت ولم أحقد على أحد ***** أرحت نفسي من هم العداواتِ.

          إني أحيي عدوي عند رؤيته ****** لأدفع الشر عنه بالتحياتِ.

          وأُظهر البشر للإنسان أبغضه ***** كأنما قد حشا قلبي محباتِ.

          الناس داء و دواء الناس قُربهمً *****  وفي اعتزالهم قطع الموداتِ.

        كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً ***** ترمى فتسقط بأطيب الثمرات.

  1. المؤمن  والمسلم صاحبا قلب سليم والقلب السليم هو من سلم من الشرك والنفاق، ومن الغلِّ والحقد والحسد. والمسلم من سلم الناس من لسانه وأفعاله التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى. ووصف الله عزَّ وجلَّ أهل الجنة بسلامة القلب بقوله: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (الحجر: 47). إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحس فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر.
  2.  وصاحب القلب السليم إذا رأى أذى يلحق أحدًا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج كربه، ويغفر ذنبه. وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى. والانسان السوي هو الذي يعرف كيف تنضج الامور في ذهن الآخرين، وكيفية التداخل المعرفي من اجل ان تقل مساحة الهوّة بين ما نملك وما نفكر به، وبين ما يملك الآخرون ويفكرون به.
  3. والمؤمن أو المسلم إذا رأى أذى يلحق أحدًا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج كربه، ويغفر ذنبه. وبذلك يحيا ناصع الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى، فإنَّ فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم.
  4. والإسلام يحارب الأحقاد ويقتل جرثومتها في المهد، ويرتقي بالمجتمع المؤمن إلى مستوى رفيع. وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل في أعماق النفس فلا يخرج منه، بل يظل يموج في جوانبها، كما يموج البركان المكتوم. والذين يحتبس الغل في أفئدتهم، لا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا، وآذوا وأفسدوا.
  5. حالة الحقد الملازمة للإنسان المقهور، وما ينتج عنها من عدوانية تطال محيطه. يمكن إرجاعها إلى دوافع بيولوجية يختص بها الإنسان دون الحيوان، مع الأخذ بعين الاعتبار شروط نموها وتحولها المفترض نحو العدوانية. فالأسباب الكامنة وراء تنامي الحقد لدى الإنسان، ليس لها ما يسندها في عالم الحيوان لأن تنافس الحيوانات فيما بينها يعود لدوافع أخرى لا تترك أثراً لتنامي الحقد. لكنها لا تخلوا من عدوانية بسبب التنافس على إشباع الغرائز الطبيعية، وتتلاشى تلك العدوانية بين أفراد المجموعة ذاتها حال خضوع الطرف الضعيف منها إلى الطرف القوي. ويصف  العالم أنطونيني الفارق بين عدوانية الإنسان والحيوان قائلاً: أن الحقد هو أهم ما يميز عدوانية الإنسان عن عدوانية الحيوان، فليس هناك حقداً بين الحيوانات، كما أنها لاتصل أبداً إلى درجة الاستغلالية عند الإنسان. فالحقد هو عدوانية تتجاوز حدودها البيولوجية لتصل إلى حالة نفسية خاصة. ويعبر توماس فريدمان عن الحقد الكامن في عيون المقهورين قائلاً: يظهر في عيونهم الحقد الدفين، يعبرون من خلاله عن كل الأشياء التي لا يستطيعون قولها جهراً، وعن كل الأشياء وما يحسون بها في داخلهم، يضعونها في أعينهم على شكل نظرات ثاقبة تنم عن حقد دفين.
  6. ولتخفيض وتيرة العدوانية بين أفراد المجتمع، يتطلب إجتثاثاً لمسببات الحقد من الجهل والأمية والفقر والقهر والتعسف والجور والاستخفاف بالناس والاستغلال  والمماطلة في إنجاز معاملتهم وتهرب المدراء والوزراء من مقابلة الناس,  وتفقد واقعهم وأحوالهم المعيشية, والتي يتعرض لها الناس في المجتمعات المتخلفة. فإحقاق العدالة والمساواة في المجتمع، كفيلاً بانتزاع مبررات الكراهية والحقد واللجوء للعنف والعدوانية لتحقيق الذات المستلبة. وهذا الأمر يتطلب سلطة قوية وعادلة، تفرض القانون على سائر فئات المجتمع دون استثناء وتعيد ثقة المواطن بالدولة كراعية لمصالح المجتمع.

أشتعل الحسد في قلب قابيل على أخيه هابيل وتطور حسده إلى حقد. وقص علينا القرآن قصتهما في عدة آيات, ومنها: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ  قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ. (سورة المائدة – الآية 27).وقص القرآن الكريم قصة النبي يوسف عليه السلام في سورة يوسف, ومنها: لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ. إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين. ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُم وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ. (سورة يوسف –الآيات7,8,9).وتفاقم الكبر في نفس إبليس فدفعه لعدم السجود لآدم, وراح يحسد آدم ويحقد عليه وعلى ذريته. ومازال إبليس مشحون بحقده على ذرية سيدنا آدم. وورد في القرآن الكريم آيات تبين للناس حقد الشيطان, ومنها هذه الآيات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ .إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.(سورة البقرة  – الآيات 168,169). وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا. قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً. قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً. (سورة الإسراء – الآيات61,62,63,64,65).

الحقد كان الدافع  لمعظم ما يشهده العالم من عمليات القتل والإبادة والتمثيل بالجثث. و الحقد كان الدافع لعمليات قتل سوريين في لبنان أثر حادث اغتيال رفيق الحريري, وهو الدافع  لعمليات القتل والتعذيب التي حرمها رب العالمين. وهو الدافع لانتهاك الأعراض والحرمات.  والحقد هو من دفع بأردوغان وحاكم قطر لإيقاد نار الفتنة بين المسلمين. وهو السبب فيما يلقاه السوريين من جور في دول الجوار , أو الدول التي تغلق حدودها بوجه السوريين.

سيريان تلغراف | العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version