معنيون في القطاع السياحي : لن نحضّر لأي فعالية مراعاة لمشاعر السوريين
أعياد نهاية العام تأتي بضائقة اقتصادية .. والأسواق تفتقد زبائنها لصالح المولات !!
لم تعد أضواء الأعياد وزينتها تضيء شوارع وبيوت السوريين كما في كل عام. ففي مثل هذا الوقت من كل سنة تشارف على نهايتها، كنا نرى زينة الأعياد التي تتكون من رمز العيد وهو الشجرة، إلى الهدايا وغيرها من دلائل العيد، ظاهرة في شوارع سورية. أما هذا العام، فيأتي خافتاً، بل نستطيع القول مظلماً؛ حتى الأنوار المزيفة لم يجرؤ أحد على وضعها أو تزيين بيته أو حتى الشرفة، لأن من لم تصبه نائبة خلال الفترة الماضية، اضطر إلى احترام حزن جاره أو الحزن على الوطن بأكمله.
كانت الأعياد في سنوات سابقة تشكل موسماً للتسوق، ومن لم يرد التسوق لغرض محدد، يتجه نحو الأسواق فقط للسير والتمتع برؤية مظاهر العيد، لكن حتى السير في الشوارع أصبح خلال الفترة الأخيرة نوعاً من المحظورات على السوريين، الذين أصبحوا يتجنبون السير في الشوارع، وتحولوا إلى التسوق ضمن المراكز التجارية كونها أماكن مغلقة بدلاً من السير في الشوارع المعرضة لسقوط القذائف فيها في أي وقت.
المولات تسرق زبائن الأسواق التقليدية !
واليوم يستطيع أي متابع أن يرى خلو الأسواق الأشهر في دمشق من زبائنها المعتادين، حتى من كانوا يتجولون للفرجة فقط ..مقابل اكتظاظ المولات بالناس الذين لا يبدو أنهم جميعا ممن جاء بغرض التسوق.
تقول سماح : كنت أذهب عادة إلى أسواق الصالحية والحمرا والقصاع، لكنني هذا العام امتنعت وغيري من الأهل والأصدقاء عن الذهاب إلى هذه المناطق بسبب كم القذائف الكبير الذي استهدفها، وبتّ مؤخراً إحدى الزائرات الدائمات لهذا المول، فهو أكثر أماناً، وفيه أجد كل ما أحتاج إليه دون أن أعرض نفسي لمخاطر القذائف .
سهير كانت إحدى السيدات التي التقيناها في المول أيضا برفقة أختها وأطفالهما تقول: لم أعتد الحضور إلى هذا المول أو غيره سابقا، فنحن لسنا قادرين على الشراء بالأسعار الموجودة هنا، لكنني أجد نفسي هنا بسبب أولادي الذين يحتاجون إلى الخروج والتنزه، ولم أجد مكانا أكثر أمنا من المول، وأحيانا يستطيع الأولاد اللعب ببعض الألعاب الموجودة هنا.
إذ تحولت المولات إلى المكان المفضل للزيارة من قبل الجميع، حتى الشرائح التي لم تعتد زيارته والتسوق منه سابقاً، ومن هنا استشعر التجار وأصحاب المحال التجارية ذلك، فبدؤوا باستقطاب هذه الطبقات والعائلات محدودة الدخل عبر تقديم عروض أو عبر عرض منتجات تلائم حالتهم المادية، حيث يقول أبو سامر: نعم بت أشتري العديد من حاجيات عائلتي من هذا المول، فالتشكيلة المعروضة واسعة وتناسب كل الدخول تقريباً، وهي لاتختلف كثيراً عن الأسعار في الخارج؛ فلماذا أذهب إلى الأسواق المفتوحة بما هي عليه من خطورة، وأنا أستطيع شراء ما أريد من مكان واحد آمن ومحمي.
الأعياد تتحول من الاقتصادي إلى الإنساني ..
من المعروف أن مناسبات الأعياد على اختلافها تعطي زخماً للقطاعات الاقتصادية، وتشكل فرصة تساعد هذه القطاعات على زيادة مداخيلها والتعويض عن الركود الذي يمكن أن تمر به خلال أشهر محددة من العام، وهذا ما حاول الاقتصاد السوري وجميع الفعاليات الموجودة فيه الاعتماد عليه في فترة الأزمة، لكن التراجع الحاد في إمكانات الأسر السورية حدّ من هذا الأمر وأصبح هناك نوع من التشاركية. فنسبة كبيرة من المعنيين بالعمل الاقتصادي يرون أن الأجواء العامة غير مناسبة ومن غير المنطقي القيام أو التحضير لأي فعالية يظهر من خلالها نوع من أنواع الاحتفال تقديراً لمشاعر السوريين أجمعين، بغض النظر عما كانت تشكله هذه المناسبات من مصادر للدخل لمختلف القطاعات.
في هذا العام أخذت الأعياد في سورية طابعاً إنسانياً، بغض النظر عن الجوانب الأخرى التي تظهر خلال مواسم الأعياد وترتبط بها؛ فضعف الأحوال الاقتصادية وحالات الحداد والحزن تسيطر على الأجواء العامة، وهي العنصر المتحكم، ولم يبق للسوريين سوى مشاعر التعاطف مع بعضهم.
وفي هذا الاطار، يقول الخبير الاقتصادي محمد سعيد الحلبي، إن هذه الفترة من الأعياد كانت تشكل محطات لتجديد حالات التآلف والمحبة والتعاون بين جميع الأطراف والطوائف والشرائح في المجتمع السوري، وكنا ننتظر أعياد الفطر والأضحى لتجديد العيش المشترك في ما بيننا، وكل ما يؤدي إلى التشاركية، وبالتالي ننتظر هذه الفترة من الأعياد لنرد بالمقابل التبريكات والتهاني، لكن تأتي مناسبة الأعياد في هذا الوقت بشكل مختلف عن السابق؛ لعدم القدرة على توفير متطلباتها بسبب الأزمة التي تمر بها سورية وضيق ذات اليد عند السوريين.
كما يضيف الحلبي، أن المعاني التي كانت تشكلها هذه الأعياد اختلفت، كما تغير الهدف من هذه المناسبة؛ فلم تعد فقط فرصة لتبادل المشاعر والمباركات، إنما اصبحت تجمع جميع الطوائف لتشد أزر بعضها، مع التمني بأن تكون المناسبات القادمة عند الجميع للفرح، نخرج فيها من الأزمة ومداواة ماتركته الأزمة من وفيات وجرحى، وما مر به السوريون من أمور معيشية صعبة، حيث يشكو جميع السوريين من ارتفاع الأسعار وعدم قدرتهم على الحصول على عدد من المواد والسلع، إما بسبب المبالغة من قبل التجار برفع الأسعار، ما يؤدي إلى عدم قدرة المواطن السوري على الشراء، لكن ما يمكننا التشارك فيه هو التعاون مع مختلف الطوائف لتعميق العلاقات الودية، خاصة وأن جميع السوريين يتشاركون اليوم في الحزن والمعاناة، والكل ينتظر للتغلب على هذه المحنة.
الفعاليات السياحية : الاحتفالات غير جائزة
شكلت الأعياد في سنوات سابقة دخلاً مجدياً للفعاليات الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها القطاع السياحي الذي كان يعتمد في جزء من عمله على مثل هذه المواسم. ففي مثل هذه الأيام، كانت تمتلئ الشوارع بإعلانات الحفلات والعروض التي تحضر بشكل خاص لهذه المناسبة في الفنادق والمطاعم.
أما اليوم، وعند سؤال أصحاب الفعاليات الاقتصادية السياحية عن وضع المنشآت خلال هذه الفترة، سنجد أن الاقتصاد السوري ومن يعمل فيه أصبح يتحول بطريقة أو بأخرى من الاهتمام بجانب تحصيل الأرباح واعتبار أن مثل هذه المناسبات هي فرصة لإعداد البرامج الترفيهية والعروض الغنائية وغيرها والسهرات؛ لعلها تعوض خسائر هذا القطاع عن الفترات الماضية.
لكن من خلال سؤال المعنيين في هذا القطاع، تبين وجود تحول كبير في عقلية العمل الاقتصادي السوري، والاهتمام بالجانب الانساني ومراعاة الأوضاع العامة التي يمر بها السوريون، وأن الأجواء العامة لا تساعد على الاحتفال بأي شكل من الأشكال، كذلك من غير المنطقي التفكير بهذا الأمر وهو غير جائز، لأنه من المفترض أن يراعي كل سوري مشاعر غيره والصعوبات التي يعاني منها.
وفي هذا الاطار، يقول نائب رئيس غرف السياحة السورية يسار كيوان، إن هذا العام لن يشهد تحضيراً لأي فعالية كان يهتم بها القطاع السياحي في مثل هذا الوقت خلال السنوات السابقة. وبالإضافة إلى توقف قدوم السياح من الخارج، لايمكن للقطاع السياحي أيضاً الاعتماد على السياحة الداخلية، بسبب صعوبة التنقل بين المحافظات، وحتى داخل المدينة نفسها.
ويشير كيوان إلى أنه خلال السنوات السابقة، وفي مثل هذه المناسبات كانت سورية تستقبل أعداداً كبيرة من السياح الخارجيين؛ ما كان يشكل دخلاً جيداً للقطاع السياحي في سورية. أما الآن وفي الوضع الراهن، فجميعنا نرى كيف آلت الظروف، ونأمل أن تكون السنوات أفضل حالاً.
بدورهم أصحاب الفنادق، لم يفكروا في عمل أو تحضير أي فعالية تتناسب مع أعياد الميلاد ورأس السنة، لأنه وبحسب ما يرون، لا مجال لذلك، وهناك أجواء عامة من الحزن تعيشها البلاد ومن فيها من السوريين.
وفي هذا السياق، يوضح مدير أحد الفنادق في مدينة دمشق: لا نرى في البلاد أي أجواء للاحتفال أو الفرح، وهناك حزن عام تعيشه البلاد بشكل عام وحتى لو امتلكت الفعاليات الاقتصادية القدرة والإمكانية على تنظيم الاحتفالات، لن تقوم بذلك تقديراً للظروف الصعبة، إلا في جوانب تكون ضرورية، لكن الفرح حالياً غير مناسب والجو لا يسمح بإقامة أي برامج ترفيهية.
ويضيف صاحب المنشأة السياحية، من وجهة نظري لا يجوز الاحتفال؛ حرصاً على مشاعر السوريين، خصوصا مع وجود أعداد كبيرة من المهجرين السوريين من جهة، وهناك من فقد أحد أفراد عائلته من جهة أخرى. وفي مثل هذه الظروف، نجد أنه حتى المناسبات الأخرى، مثل الزواج أصبحت تقام في حدود ضيقة، وبذلك يكون من واجب القطاعات الاقتصادية ومن بينها القطاع السياحي، أن يأخذ في الاعتبار الظروف العامة في البلاد؛ كوننا تعوّدنا على التشاركية وألا يكون هناك فصل بين الجانب الإنساني والجانب الاقتصادي، لأن الدورين متكاملان، ولايمكن القيام بأمور فيها تجاهل لمشاعر الآخرين.
سوريو الخارج والداخل لن يحتفلوا
تعرضت مناطق القصاع وباب توما وجرمانا، وجميع المناطق المحيطة بها لأحداث، من سقوط للقذائف وغيرها، ما أدى إلى تضرر أعداد كبيرة من المقيمين في هذه المناطق وأصبح لا يوجد بيت وإلا وفيه حزن على شخص وبالتالي تأتي هذه المناسبة في ظروف صعبة جداً دفعت العائلات السورية إلى الاستغناء عن مظاهر الاحتفال بشكل نهائي.
وعند سؤال الأصدقاء عما إذا كانوا سيحتفلون، تكون الإجابة أنه من الصعب الاحتفال في مثل هذه الأجواء الصعبة، ومن الضروري مراعاة مشاعر السوريين بعضهم لبعض، وبالتالي كان القرار أن لا أعياد في الميلاد أو رأس السنة هذا العام لدى الغالبية من السوريين، وبذلك اختفت مظاهر العيد التي كنا نراها في كل عام في البيوت والشوارع من أضواء وزرينة.
الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون في الداخل يمر بها أيضا السوريون في الخارج؛ أي المشاعر واحدة، وهم يفضلون عدم الاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة، لأن أجواء الحداد والحزن موجودة في كل منزل، وحتى من غادر البلاد قد يكون فقد أحد أفراد عائلته .
ومن خلال أحد التقارير الصحفية التي ترصد أوضاع اللاجئين السوريين في الخارج، ومن بينها دولة مصر، وكيف ينظرون إلى الاحتفال بهذه المناسبة هذا العام، يوضح التقرير أن مشاعر متضاربة تسيطر على الكثير من اللاجئين السوريين حيال الاحتفال بعيد الميلاد في ظل استمرار الأزمة السورية
ويقول أحد السوريين”صبوح” الذي لجأ من منطقة باب توما في العاصمة دمشق إلى مصر مع شقيقه الأصغر، حيث تسكن العائلتان في منزل واحد للحد من المصاريف، إلى أن الأجواء في المنزل حزينة على ما يجري في سورية، والكل منشغل طوال الوقت في متابعة الأخبار المتلاحقة لمعرفة أي جديد، إلا أن وجود الأطفال الستة، ثلاثة منهم أطفال أخي وثلاثة أطفالي، يضفي جواً من البهجة.
ومع أن القرار كان بعدم الاحتفال بهذه المناسبة، لكن بعد إلحاح الأطفال الشديد، قاموا بتعليق الزينة ونصب شجرة الميلاد بزينتها وأنوارها وسيجعل السوريون في الخارج من الصلاة فرصة للدعاء لبلدهم؛ لذلك يقول صبوح، سأتوجه إلى الكنيسة مع جميع أفراد العائلة ليلة الميلاد، لإحياء صلاة منتصف الليل على نية سورية والسوريين للخلاص من حمام الدم اليومي.
سيريان تلغراف | بلدنا