لم يعد احتساب معدّلات الفقر في سورية يحتاج إلى عمليات حسابية كبيرة ودراسات إحصائية، بعد أن بات بإمكاننا رؤية الكثير من حالات الفقر بالعين المجرّدة في الشوارع العامة والطرقات، حيث تآلفنا منذ بداية الأزمة وإلى اليوم، لنرى، بشكل يومي، العديد من الأسر التي تحوّلت إلى حالات فقر، وهي في الأساس لم تكن كذلك؛ أي أنّ الأزمة التي تمرّ بها سورية، نتيجة الظروف التي تعرّض لها العديد من الأسر من حالات تهجير وفقدان للأعمال والممتلكات، جعلت هؤلاء يصبحون في عداد الفقراء، وهذا شمل الكثير من المحافظات السورية، ما أوصلنا إلى أن يصبح نصف سكان سورية في عداد الفقراء بحسب آخر إحصائيّة ذكرها برنامج الأمم المتحدة الانمائي، بينما في سنوات سابقة كانت نسبة الفقر في سورية تشكّل 12 %.
وهناك اختلاف في بعض الأسباب، التي أدّت إلى وجود هذا العدد من الفقراء في سورية، والأزمة، بالطبع، السبب الأساسي، فيما كانت، في وقت سابق، تدخل عوامل أخرى من بينها عوامل مناخية، كحالات الجفاف التي أصابت بعض المناطق في سورية، وأدّت إلى حدوث هجرة داخلية.
أرقام أمميّة : نصف سكان سورية فقراء
يعاني أكثر من نصف سكان سورية البالغ عددهم نحو 23 مليون نسمة، من الفقر، حسبما أكّدت نائبة المدير القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دمشق اليسار شاكر، وهو رقم يمثّل ضعف عدد الفقراء قبل الحرب.
كما أضافت شاكر أن أكثر من نصف سكان سورية فقراء، بينهم 9.7 مليون سوريّ يعيشون على خط الفقر، و4.4 مليون في فقر مدقع.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعرف الفقر بأنّه الحرمان من الخيارات والفرص المتاحة في مجالات رئيسية كالتعليم، والصحة، وتوليد الدخل، ما يعني نقصاً في القدرة الأساسية على المشاركة الفعالة في المجتمع.
وتحيل شاكر أسباب هذا الارتفاع في عدد الفقراء السوريين إلى أنّ معظم النازحين داخل سورية، والبالغ عددهم 6.3 مليون شخص، استنفدوا مدّخراتهم، ولم يعد بإمكانهم التأقلم مع الأزمة والصعوبات الاقتصادية الناجمة عنها.
يضاف إلى أنّ ذلك يحمّل أعباء من حيث الوصول إلى الخدمات الأساسية ليس فقط للنازحين، وإنما المستضيفين؛ لأن الفترة طالت، وأصبح من الصعوبة بمكان التكيّف مع هذا الوضع.
وبحسب المكتب المركزي للإحصاء في سورية، تعريف الفقر هو الحصص من الدخل أو الإنفاق التي يحصل عليها أفقر وأغنى %10، أو ٢٠ % من السكان، وطريقة احتسابها تتمّ بترتيب الأفراد حسب مستويات الدخل أو الإنفاق تصاعدياً، ثمّ حساب النسب المئوية من مجموع الدخل، أو الإنفاق، التي يحصل عليها أفقر ١٠ %، و٢٠ %، وكذلك أغنى 20 %، و10 % من السكان.
الفقر سيوصلنا إلى الجريمة
في هذا المجال، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور سامر أبو عمار، إنّ الأرقام، التي صدرت مؤخراً، غير رسمية، وتشير إلى أنّ نصف سكان سورية أصبحوا من الفقراء، لكن علينا، هنا، أن نأخذ في الاعتبار أنّ لكلّ دولة مفهومَها الذي تحدّده في تعريف الفقر، لكنّ التشابة في هذا التعريف هو أنّ الفقير من لا يستطيع تأمين قوت يومه.
وإذا ما أخذنا الوضع السوري، في الوقت الحالي، يضيف أبو عمار أنّ أرقام الفقر في سورية ربّما سترتفع، وأسباب ذلك لها انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية، وفي حال استمرار الأزمة سنواجه مشكلات أخرى، مثل البطالة إلى جانب مشكلات اجتماعية تتمثّل في الجريمة والمجاعة، وغيرها، وكلها تؤدي إلى ازدياد أعداد الفقراء.
ويوضح أبو عمار أنّه كلّما طال أمد الأزمة، أثّر ذلك على كلّ مفاصل الاقتصاد السوري الذي يعاني معاناة طويلة، وما يحصل عليه السوريون من دخول في حدوده الدنيا، ولذلك سيكون هناك تدفّق وازدياد في أعداد الفقراء، وهذا يعني ازدياداً في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مع استمرار التأخر في عجلة الاقتصاد السوري، لا سيما في مناطق كانت تعدّ مناطق اقتصاد حقيقية مثل حلب وريف دمشق.
وعن فكرة أنّ الأزمة أدّت إلى تحويل بعض الطبقات الاجتماعية السورية إلى فقراء، يقول أبو عمار: بغضّ النظر عن أي أسباب أخرى للفقر، الأزمة تعتبر المحرك الأساسي لكلّ المشكلات، ومن بينها، أيضاً، موضوع الدخل والأسعار، وما حصل من حالة تضخم في الاقتصاد السوري، الأمر الذي ترك أثراً على الطبقة المتوسطة في المجتمع السوري، وسحقها، بحيث تحوّلت إلى طبقة فقيرة، وبعضهم أصبح دون خط الفقر.
ويصف أبو عمار استمرار الوضع بهذا الشكل بأنّه يشكّل كارثة في حال ازدياد الفقراء السوريين، لأنّ الفقر في أيّ بلد يشكّل تحدّياً للحكومات والمجتمع، وعلينا وضع السياسات والإجراءات اللازمة أمام مسؤوليات المجتمع، وحتى نعالج الفقر، يتوجّب علينا معالجة قضايا أخرى، لأنّ الفقر يعدّ نتيجة لوضع ما يتحوّل فيما بعد إلى سبب تنتج عنه أمراض اجتماعية.
كما يجب معالجة الأسباب المتجانسة والمعقدة، والتي تجمع بين الجانب الأمني والسياسي والايديولوجي، وبالتالي بداية الحلّ تكون عندما نصل إلى حلّ على الصعيد السياسي والأمني، والبدء بالحوار الوطني، وتراجع القوة المدمرة على الأرض، عندها يمكن البدء بالحلول، والنظر إلى حجم التخريب الذي لحق بالقطاعات المتعددة، وحجم التخريب الحاصل، وبالتالي سنبحث عن حلّ متجانس لأسباب غير متجانسة، بحيث يكون على صعيد القضايا الإجرائية؛ أي بمجرّد أن تضع الحرب أوزارها، وتعود عجلة الإنتاج إلى الدوران، ستكون هناك قضايا يمكن حلها بشكل آنيّ، وأخرى تتطلب العمل على إنجاز البنى التحتية، أو إعادة الهيكلة، وبالتالي يمكن العمل على دمج هذه الأعداد من الفقراء في الدورة الاقتصادية من جديد.
العام 2012 أٌحصي أكثر من ثلاثة ملايين فقير
وأشارت دراسات سابقة إلى دخول 3.1 مليون شخص دائرة الفقر في العام 2012 منهم 1.5 مليون شخص دخلوا دائرة الفقر الشديد
وأوضحت الدراسة أنّ هذه الزيادة في الفقر المادي، بشكل أساسي، نتيجة الزيادة في أسعار البضائع والخدمات، وتراجع مصادر الدخل، بما في ذلك نقص فرص العمل، وخسارة الوظائف، والأضرار المادية للمتلكات، ومن المتوقع، أيضاً، أن يتأثر الفقر نتيجة الأعداد الكبيرة للاجئين، حيث وصل عدد اللاجئين، الذين عبروا الحدود في كانون الأول 2012، إلى 542250 شخصاً، ويقدر عدد النازحين داخلياً، خاصة من حمص، وإدلب، ودير الزور، ودمشق، وريفها، وحلب، بأكثر من 2 مليون شخص، ويعاني النازحون من الحرمان بأوجه متعدّدة، من حيث عدم توافر المأوى الملائم، وافتقاد الخدمات الأساسية، مثل مشتقات الطاقة التي أثرت في حياة الكثيرين، خاصة أنّ أسعارها تضاعفت أكثر من مرّة خلال الأزمة، وازدادات الصعوبة في الحصول على الغذاء والدواء في مناطق متعدّدة بسبب ارتفاع الأسعار، والنقص في العرض، والقدرة على النفاذ، ويتوقّع أنّ أربعة ملايين شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية خلال السنة المقبلة.
معالجة الفقر ستتطلب سنوات عدة
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي، مظهر يوسف، إنه لا يتوقع حصول أيّ زيادة في أعداد الفقراء في سورية بما يتجاوز الحدّ الذي وصلت إليه في الوقت الحالي، والسبب في ذلك ما ظهر من بوادر لحسم الأزمة على الصعيد السياسي والعسكري، لكن هذا لا يعني أنّنا سنرى نتائج ذلك بالسرعة التي نأملها، بل إنّ المعالجة ستتطلب وقتاً يمتدّ إلى سنوات طويلة، لا سيما أننا تجاوزنا مرحلة الذروة في كلّ المجالات، سواء في ارتفاع الأسعار أم في معدلات البطالة، وحتى بالنسبة إلى أعداد الفقراء، وبالتالي يمكننا القول إن المرحلة الأسوأ مرّت، وبحسب الظروف الحالية، ومن المؤشرات التي تظهر على أرض الواقع، لن يكون هناك ازدياد في أعداد الفقراء.
كما يضيف يوسف أنّ النسبة الأكبر من الفقراء السوريين، حالياً، كانوا، غالباً، من الطبقات المتوسطة، والمشكلة التي حصلت هي الفجوة الموجودة بين الدخل والاستهلاك، تلك الفجوة التي كانت كبيرة في وقت سابق بنسب لا بأس فيها، لكنها ازدادت بشدة خلال الأزمة، لذلك معالجة مسألة الفقر ستحتاج إلى فترة طويلة، وستفرض على الحكومة اتخاذ اجراءات يمكن من خلالها تحسين الدخول، بعد أن خلقت الأزمة طبقات اجتماعية استفادت من الأزمة على حساب طبقات أخرى، وتأثيرات الفقر هذه سنراها من ناحية نسب الطلب على المواد والسلع، من غذاء والبسة وأدوات كهربائية وغيرها، المواد التي سينخفض الطلب عليها بشكل كبير، ما سيؤثر في القطاعات المنتجة، وبالتالي حتى نعود إلى مرحلة التوازن سنحتاج من 3-5 سنوات، خاصة بعد دخول شرائح إضافية في عداد الفقراء السوريين تأثّرت بشكل أساسي من ناحية استهلاكها الأساسي، وهو الغذاء، حيث أصبحت الأسعار تفوق القدرة الشرائية لبعض الطبقات.
ويوضح يوسف: على الرغم ممّا مررنا به، ومع أنّ نصف سكان سورية من الفقراء، يعتبر وضعنا أفضل بكثير من بلدان مرّت هي أيضاً بأزمات، مثل ليبيا، والعراق، وأووربا الشرقية، حيث تأثر الوضع الاقتصادي فيها بشكل أكبر ممّا حصل معنا، وكانت التأثيرات لديهم أسوأ من ذلك.
هكذا كان يقاس الفقر في سورية
لم تتجاوز نسبة الفقر في سورية٪12 حيث بيّن التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية الألفية في العام 2010 أنّ ثمة عدداً من العوامل التي تؤثر في حدوث ظاهرة الفقر، بيد أنّ التغييرات المناخية الناجمة أساساً عن تدهور وخلل المنظومة البيئية أثّرت في زيادة معدلات الفقر في سورية، حيث انخفضت معدلات هطل الأمطار خلال مواسم السنوات الماضية، مترافقة مع عواصف رملية قللت من المساحات المزروعة، وأسهم ذلك في تزايد نسب الفقر في ريف الإقليم الشرقي (الحسكة، الرقة، دير الزور)، وفي مناطق واسعة من بادية حمص بشكل خاص، كما أدى ذلك إلى نزوح العديد من الأسر نحو الجنوب طلباً للعمل.
وهكذا، فإن عوامل داخلية متمثلة في تغيير المناخ والفقر، أثرت في نقص الإنتاج المحلي من الغذاء بسبب مواسم الجفاف المتلاحقة، وما أفرزه ذلك من هجرة داخلية، حيث كان هؤلاء المهاجرون، الذين يقصدون في الأغلب المنطقة الحضرية الجنوبية، من الشريحة الأفقر، ولعب ذلك دوراً في التأثير على نحو كبير في ديناميكيات الفقر.
سيريان تلغراف | بلدنا