تؤكد مصادر المخابرات الإسرائيلية، أن الجيش الحكومي السوري شن في ليلة 7 أكتوبر هجوما جديداً – وهذه المرّة في الجنوب. اثنين من الألوية المدرعة (حوالي 200 دبابة وناقلة جنود مصفحة) تحركت باتجاه القنيطرة. ويعتقد الإسرائيليون أن الهدف المباشر لهذه العملية، واسعة النطاق، هو استعادة الأراضي المتاخمة لمرتفعات الجولان المحتلة، التي سيطر عليها المتمردون.
ومن المنتظر أن تؤدي هذه العملية لقطع كل اتصال للجماعات المسلحة غير الشرعية مع الجيش الإسرائيلي، ووقف امكانية تلقيها مساعدات عسكرية من إسرائيل.. على أن تندفع هذه القوات، في وقت لاحق، نحو المثلث الاستراتيجي من الحدود الإسرائيلية الأردنية السورية في محافظة درعا، للقضاء على ثغرة العبور التي تستخدم من أطراف خارجية وتمثل موطئ قدم للمتمردين للهجوم على دمشق، علماً أن هذه المنطقة تخضع لغارات من قبل سلاح الجو السوري.
كانت قيادة الجيش السوري، حتى تاريخه، تتجنب مثل هذه العمليات الكبرى في هذه المنطقة من البلاد، تحاشياً لايجاد ذريعة لتدخل إسرائيلي أو أردني؛ ولكن يعتقد المحللون العسكريون أن القيادة السورية أصبحت بعد “مبادرة الكيماوي” الروسية أكثر ثقة وإصراراً على تحقيق النصر الكامل.
هذه الخطوة وجدت انعكاسها على أرض الواقع فعلاً في الجانب الأردني من خلال حالة تأهب ونشر فرقتين عسكريتين على طول الحدود مع سوريا، بالإضافة إلى تقدم فرقة دبابات سعودية إلى الحدود الأردنية، في استعداد لعبور سريع عبر الأراضي الأردنية باتجاه سوريا. ويترافق ذلك مع أخبار تتردد في وسائل الإعلام حول أن السعوديين زودوا المتمردين السوريين بـ 100 دبابة داخل الأراضي الأردنية. وهو ما يرجح وجود لواء مدرع سعودي واحد على الأقل مباشرة على حدود سوريا، وربما مع طاقم يرتدي زياً عسكرياً سورياً. ومع ذلك، فإن وقت هذه الأعمال قد فات أوانه على الأرجح.
عمّان، بطبيعة الحال، حليف إقليمي هام للولايات المتحدة وجزءاً رئيساً من استراتيجيتها السورية. كما كانت من بين أول العواصم العربية التي دعت إلى استقالة بشار الأسد، وهو ما يمكن توضيحه بالعلاقات المعقدة تاريخياً بين سوريا والأردن. علماً العداء بين النظامين يعود إلى تاريخ الأبوين المتناحرين لقائدي البلدين الحاليين؛ أي، الراحلين: الرئيس حافظ الأسد والملك حسين.
من المعروف أن الأراضي الأردنية سبق استخدامها من قبل جهات أجنبية، وعلى وجه الخصوص الاستخبارات الخارجية البريطانية، للقيام بأنشطة تخريبية ضد سوريا لا سيما في ستينات القرن الماضي. ومنذ عام 1982 تحولت إلى قاعدة خلفية لنشاطات جماعة “الإخوان المسلمين” السورية. وليس من الغريب أن الصراع المسلح الحالي في سوريا بدأ مارس 2011 في درعا المدينة الحدودية المحاذية للأردن، وهي تعتبر نقطة التهريب الثانية من حيث الأهمية، وتمر من خلالها أهم إمدادات الأسلحة التي تصل المتمردين.
نقل مركز الثقل في الأعمال العسكرية إلى جنوب سوريا يعني أن القيادة العسكرية السورية، برئاسة وزير الدفاع الجنرال الفريج، تتغلب مرة أخرى على خصومها الكثيرين المحنكين في البنتاغون، الذين يقفون وراء تكتيكات الجماعات المسلحة المعارضة. والجنرالات السوريون الذين ركزوا، خلال الأشهر القليلة الماضية، الاتجاه الرئيسي للعمليات العسكرية بمحيط حلب في شمال البلاد وحمص في الوسط، أرادوا على ما يبدو أن يخلقوا عمداً الشعور لدى العدو أنهم تركوا دمشق ضعيفة وغير محمية، وهو ما ثبت أنه مجرد انطباع خادع.
الإعتقاد بأن الجيش السوري منشغل بكليته في الشمال، أغرى المتمردين بدعم من الغرب والممالك العربية، بما فيها الأردن، لحشد القوات سراً في منطقة العاصمة ضمن مساحة صغيرة بالكاد تتجاوز المائة كيلومتر تمتد من الحدود الأردنية السورية.
من جهتهم عمد قادة الجيش السوري فور تشكل هذا الواقع إلى تعليق العمليات النشطة باتجاه الحدود التركية، لجهة التركيز على حماية دمشق. ووفقاً لتقديرات مختلفة فإنه كان قد تمركز، بحلول نهاية شهر أغسطس، على مشارف العاصمة في الغوطتين الشرقية والغربية، ما بين 17 و25 ألفاً من المتمردين، جاهزين لاقتحام وسط دمشق، على أن يتبع ذلك، كما كان مفترضاً، تدفق للقوى الرئيسية للمتمردين من جهة الأردن.
الهجوم الوقائي من القوات الحكومية السورية كان مقرراً على وجه التحديد في 21 أغسطس. وقبيل موعد تنفيذه وقعت عملية الكيماوي في الغوطة، التي كانت تهدف، على ما يبدو، إلى منع تنفيذ هذا الهجوم. مؤخراً، بدأت تتواتر معلومات تقول أن الذي يقف وراء عملية كيماوي الغوطة هي قوة كوماندوز سعودية توغلت في سوريا من خلال الأردن، وعملت جنباً إلى جنب مع متشددين من جماعة “لواء الاسلام” الإرهابية.
أدت حادثة كيماوي الغوطة، بالفعل، إلى تباطؤ عملية القضاء على الجماعات المتشددة حول العاصمة السورية، ولكن ليس أكثر من ذلك. وبالمقابل، فإن الجيش السوري، على إثر تحريره ضواحي دمشق الكبرى، ضاحية بعد ضاحية، في عمليات قتالية ضارية، أصبح اكثر قدرة وعزماً على القضاء على إسفين خطير يتدفق منه المتمردون من جهة الأردن. خصوصاً أن القيادة السورية تدرك جيداً أنه على الرغم من واشنطن اضطرت إلى الكف عن اطلاق البيانات العدوانية ضدها، إلا أنها لن تتوانى عن إحياء مخططات إسقاط النظام، إن لاحت لها لحظة مناسبة.
في الظرف الذي تقع فيه الحدود السورية مع تركيا، لمسافة كبيرة إلى الشرق تحت سيطرة وحدات كردية، وإلى الغرب تحت سيطرة جهاديين موالين لتنظيم “القاعدة”، فإن تحقيق الأفكار الأمريكية لإحتلال دمشق بواسطة القوات الموالية للغرب وعلى رأسها الجيش السوري الحر، انتقلت إلى الجنوب، وتركزت في الأردن. تقارير وسائل الاعلام العربية تتحدث عن “عمليات نشر وحدات أردنية وأمريكية” جارية على طول الحدود بأكملها (370 كيلومترا مع سوريا).
صحيفة الرأي الكويتية، على سبيل المثال، كتبت أن “قبضة” قتالية تتركز في أكناف بلدة الرمثا وتتكون من بضعة آلاف من الجنود وعشرات الدبابات. والمعروف أن الرمثا على بعد كيلومترات معدودة من مدينة درعا السورية. هذا في حين قالت قناة “سكاي نيوز – عربي” أن القوات الأردنية “تدربت منذ عدة أشهر على عملية تحاكي الظروف القتالية في سوريا”. ويمكن لهذه العملية أن تصب في جهود إنشاء “منطقة عازلة” في درعا.
وتؤكد بعض المصادر العربية، على خلاف التصريحات الرسمية الأمريكية حول طبيعة “محدودة” للعملية المجهضة ضد سوريا، أن المخطط له في الواقع كان شيئاً أكبر بكثير من مجرد ضربات “توماهوك” لدمشق والقواعد العسكرية المحيطة بها. وتؤكد هذه المصادر تلك المعلومات التي تشير إلى أن مجموعات دبابات (واحدة أردنية وأخرى سعودية) تمركزت على الحدود مع سوريا، كما كان تم كذلك نشر 3000 عنصر مسلح من الجيش السوري الحر، كانوا قد خضعوا على مدى الأشهر السابقة على ذلك، لتدريب مكثف من قبل مدربي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
كان الغرض المفترض من العملية، ليس فقط إنشاء “منطقة عازلة”، ولكن إعلان حكومة مؤقتة في “الأراضي المحررة” وتشكيل تهديد مباشر لدمشق بالتعاون مع الجماعات الإسلامية. وعلى طول الحدود مع سوريا كان تم نشر بطاريات باتريوت لإستخدامها في حالة لجوء دمشق للرد بضربات انتقامية. وأفيد كذلك عن إمكانية استخدام القواعد الجوية ومحطات الرادار في شمال الأردن في حالة الهجوم على سوريا. وفي الوقت نفسه، تواردت أنباء عن نقل عدد كبير من الطائرات العسكرية وطائرات بدون طيار إلى شمال الأردن.
ومن جهتها، ذكرت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مصادر خاصة بها أن وكالة المخابرات المركزية أرسلت، في الأسابيع القليلة السابقة، مجموعة عسكرية إضافية إلى قواعد سرية في الأردن لمضاعفة عدد المتدربين هناك، ولتعزيز كميات الأسلحة المرسلة للمقاتلين من الولايات المتحدة. إذ تخشى واشنطن أن “المتمردين المعتدلين” يفقدون بسرعة مزعجة مواقعهم في الحرب.
ووفقا لمصادر الصحيفة، فإن الهدف الحالي من عملية وكالة الاستخبارات المركزية يعكس رغبة البيت الأبيض التحوط لسيناريو حرج يتمثل بوصول المواجهة إلى نهاية مسدودة، لا منتصر فيها. إذ أن دعم وكالة المخابرات المركزية قد يكون كافياً لضمان أن لا يخسر المتمردون، لكنه لن يكون كافياً لضمان انتصارهم، كما تقول الواشنطن بوست. وربما في هذا السياق يمكن فهم الغاية من وصول 1000 من وحدة مشاة البحرية الامريكية 26 إلى الأردن، في أوائل يونيو 2013 عبر ميناء العقبة، ونقلهم بعد ذلك إلى الحدود السورية الأردنية.
في أواخر سبتمبر المنصرم، استغلت وحدات المتمردين المدربين من قبل الأميركيين، تركيز القوات الحكومية على مناطق حلب وحمص وانشغالها بعملية تحرير ضواحي دمشق، ففرضت سيطرتها على المعبر الحدودي بين سوريا والأردن، وعمدت في بعض المقاطع إلى توسيع نطاق سيطرتها في الأعماق الداخلية لمحافظة درعا. وأعلن قادة الجيش السوري الحر أن هدفهم هو الاستيلاء على الطريق السريع الاستراتيجي عمان – دمشق. ومع ذلك، فإن الهجوم المضاد الذي بدأه الجيش الحكومي سوف يضع، على ما يبدو، حداً لنجاحات قوات المتمردين في المنطقة.
وهنا، فإن ضمانات الغرب حول حصر دعمه ومساندته بـ”المعارضة المعتدلة” في سوريا لا تصمد أمام أي تدقيق. في الواقع، فإن القوى الغربية تعمد وبشكل متزايد لتقديم الدعم والمساندة لأكثر الجهاديين تطرفاً. ولهذا، فإنه من غير المستغرب ما أكدته صحيفة “الحياة” العربية حول أن مسلحي “جبهة النصرة” المتطرفة لعبوا دوراً حاسماً في السيطرة على المعبر الحدودي بين سوريا والأردن. وبهذا فإن القول بأن المعارضة الموالية للغرب لا تتعاون مع “تنظيم القاعدة” وقادرة بنفسها على تحقيق انجازات خاصة، هو مجرد خرافة لم تصمد أمام الواقع حتى هنا.
ومن الملفت أن زعيم السلفية الأردنية، التي تشارك بنشاط في الحرب السورية إلى جانب المتمردين، محمد الشلبى، المعروف أيضاً باسم أبو سياف، يعترف صراحة أنه حالما يتم القضاء على الرئيس السوري، فإنه ورفاقه سيطلبون من المعارضة الموالية للغرب تسليم أسلحتها على الفور، وبدء بناء الدولة الإسلامية. وبالمناسبة، شاركت جماعة أبو سياف، في الماضي، في تنظيم هجمات إرهابية ضد القوات الأمريكية في الأردن. وعلى ما يبدو أن معتقداته لم تتغير منذ ذلك الحين.
المؤلف : ديمتري مينين . موقع مركز دراسات الثقافة الاستراتيجية – موسكو .
منشور بتاريخ 10.10.2013
سيريان تلغراف | ترجمة ياسر قبيلات