في مرحلة يتصارع فيها أمراء الحرب في سوريا، تبذل مساع إقليمية لتوحيد المسلحين هناك، وإيجاد هيكلية موحدة لهم وفق تسلسل هرمي، تتيح للجهات الداعمة التأثير بشكل فعال في الميدان، وتجيير الأمر لصالح الدبلوماسية، وتعطيلها إذا لزم الأمر.
وفي خضم تلك المساعي، وقع الإختيار في ريف دمشق، انطلق من عقيدة سلفية وهابية، ورثها عن أبيه الشيخ عبد الله المقيم في السعودية والمقرب من العائلة الحاكمة، ودرسها في معاهد المدينة المنورة الشرعية، هو زهران بن عبد الله علوش، الملقب بالشيخ.
زهران علوش من مواليد دوما بريف دمشق عام 1970، متزوج من 3 نساء وله 10 أولاد، التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق، ثم أكمل الدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، ونقل أفكار محمد عبد الوهاب عبر الخطابة في المساجد، وكان قبل اندلاع الأحداث يعمل في مجال المقاولات، حيث أسس شركة للخدمات المساندة للإعمار.
وبعد عودته من السعودية في العام 2009، عمل على تشكيل خلايا سلفية مسلحة في دوما، حيث ألقي القبض عليه، ليتم الإفراج عنه في العام 2011 بموجب عفو رئاسي أصدره الرئيس بشار الأسد، بعد اندلاع الاحداث بأشهر … عفو كان بادرة حسن نية من القيادة السورية، لإعادة دمج أصحاب الأفكار التكفيرية في المجتمع السوري، وللم شمل الجميع تحت راية الدولة.
غير أن علوش كما آخرين ممن أطلق سراحهم، عمدوا فور خروجهم من السجن إلى تأسيس كتائب مسلحة، فكانت “سرية الإسلام” من إنشاء زهران علوش، ثم تطورت إلى أن صارت “لواء الإسلام”، وانتقل من نشر الفكر الوهابي من العمل الخطابي إلى الميداني عبر السلاح.
وذاع صيت لواء علوش في ريف دمشق، نظرا لإمتلاكه أفضل المعدات والتجهيزات التقنية والعسكرية من بين كل الجماعات المسلحة في سوريا، وألقيت على عاتقه “المهمة المستحيلة” بالسيطرة على دمشق، بحسب تقارير أمنية وإعلامية عديدة.
الدكتور حسام شعيب، علوش الذي لم يخف أثر التمويل في عدم توحد الجماعات المسلحة في احدى مقابلاته والمنشورة على موقع جيش الاسلام الالكتروني، اختار تزعم ما يقارب 50 كتيبة ولواء، جمعها تحت عنوان “جيش الاسلام” وبتمويل موحد مصدره السعودية، وهذا ما أشار إليه أيضا الباحث في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور حسام شعيب، الذي شدد في إتصال مع موقع المنار على أن علوش هو ذراع بندر بن سلطان في ريف دمشق، ويحمل فكراً سلفياً وهابياً، ويشكل الورقة الأخيرة للسعودية في وضع العصي في عجلة أي تسوية سلمية وسياسية للازمة السورية، من خلال تصاعد العنف والقتل في سوريا، واستشهد شعيب بما جرى في الأيام الأخيرة من تساقط لعدد من قذائف هاون على أحياء دمشقية بعينها، فتلك الجماعات تريد عرقلة حضور الدولة السورية على طاولة جنيف، أو أمام اي تسوية، من خلال إظهار ضعف الدولة في الإمساك بالواقع الميداني.
وقبل “جيش الإسلام” عمد علوش إلى تزعم ما سمي بـ “غرفة عمليات دمشق”، التي منيت بضربة تمثلت بإنسحاب أكبر الفصائل المسلحة في سوريا وهي حركة أحرار الشام، وألوية وكتائب الصحابة، وألوية الحبيب المصطفى، وكتائب الفرقان، وهنا أوضح الدكتور شعيب أن الخلافات الايديولوجية بين الحركات الإسلامية هي محرك للتوحيد والانشقاق، مبينا أن الغرفة مدعومة من مجلس الداعمين الكويتيين، وتتبع الفكر الإخواني، وليس الوهابي.
فالتوحد في كثير من الأحيان كان مرحلياً وليس ايديولوجية، فالجماعات الإسلامية في سوريا منقسمة إلى أجنحة عديدة، سلفي وهابي يتبع السعودية (جيش الإسلام …)، وآخر يتبع للإخوان المسلمين (لواء التوحيد، كتائب الفاروق …)، وجناح للقاعدة (جبهة النصرة، الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وجيش حر، يسمي نفسه معتدلا يتبع لتركيا، ويستنجد دعما غربيا له.
الضربات التي تلقتها الجماعات المسلحة في ريف دمشق وخصوصاً لواء الاسلام، دفعت به إلى إعادة تجديد نفسه، فجمع تحت رايته كتائب قاربت الخمسين، ممن لا صيت لهم في المعارك، وغير معروفين في الحسابات العسكرية، ما يشير بنظر متابعين للشأن السوري إلى أن ما سمي بجيش الإسلام ما هو إلا نسخة منقحة عن لواء الإسلام، كما كان الأخير نسخة عن سرية الإسلام.
غير أنه وبالنسبة إلى الجيش السوري، فإن الإعلان عن تسمية جديدة لتشكيل زهران علوش العسكري لا يغير في الحسابات العسكرية بشيء، فهو عازم على محاربة الجماعات المسلحة، موحدة كانت أو متشرذمة، والمعركة في ريف دمشق كما تؤكد مصادر الجيش السوري، لا تخضع للحسابات السياسية، فهي مستمرة حتى طرد جميع المسلحين من المنطقة، او إلقاء إسلحتهم والعودة إلى كنف الدولة.
والدولة التي يقاتل من أجلها الجيش ليست كما دولة زهران علوش، فهذا القائد يريد “خلافة إسلامية اموية “، كما صرح في مناسبات عديدة، وهو يحمل فكرا تكفيرياً، لا يقل حدة عن ما تعتقد به القاعدة، وهنا شدد الخبير شعيب على أن معظم الجماعات المسلحة تعتنق فكرا تكفيرياً، وتتبع بمعظمها لتنظيم القاعدة، غير انها اختلفت في الميدان، لحسابات مصلحية تتعلق بالسيطرة ومناطق النفود والسلطة.
والسعودية في سبيل الاحتفاظ بدور لها في الاحداث السورية، تحاول الإمساك بما أمكن بمفاصل المسلحين، من خلال دعمهم بالمال والسلاح، وحتى بالرجال، وهنا كشف الخبير في الحركات الإسلامية على أن الولايات المتحدة وبتنسيق مع بندر بن سلطان أطلقت سراح العديد من المعتقلين في غوانتانامو، معظمهم يمنيون وسعوديون وخليجيون، ليقاتلوا تحت عنوان “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، أو ما بات يعرف اختصارا بـ “داعش”.
معلومات صحافية أشارت إلى أن شخصيات قبلية سعودية أجرت اتصالات نيابة عن المخابرات السعودية، مع جماعات سلفية مختلفة في الأسابيع الاخيرة، وعرضت دعمها مالياً، مقابل تكوين جبهة موحدة لمنع حلفاء القاعدة من توسيع وجودهم حول العاصمة، فالإستراتيجية السعودية في الوقت الحالي هي “تقديم الدعم المالي مقابل الولاء والبقاء بعيدا عن القاعدة”، فيما ذكر دبلوماسيون أنه ما كان لمثل هذا التحالف (جيش الاسلام) أن يقام دون مباركة الرياض.
اسم “لواء الإسلام” ظهر مؤخرا في استخدام الكيماوي في الغوطة الشرقية، حيث ذكرت تقارير إعلامية أن هذا اللواء هو من استخدم الكيماوي وضرب به المدنيين، لوقف تقدم الجيش السوري في تلك الليلة، 21 آب / اغسطس الماضي، في وقت ذكرت مصادر دبلوماسية روسية أن العمل الإجرامي في الغوطة الشرقية، نفذته جماعة خاصة أرسلها الى سورية سعوديون من الأراضي الأردنية، وهي كانت تعمل في سورية تحت جناح مجموعة” لواء الإسلام”.
سيريان تلغراف | قناة المنار اللبنانية