بينها أنواع نادرة ومعمرة تحتاج إلى خمسين سنة لاستعادتها..
أفضل غابات سورية تحترق والتنوّع الحيوي في خطر.. والخسائر بمليارات الدولارات!
علاوة على التخريب وعمليات الحرق والاعتداء على مكوّنات التنوّع الحيوي التي تسبّبت فيها المجموعات الإرهابية خلال الأزمة، وقعت اعتداءات جائرة على الغطاء النباتي السوري، حيث تحتلّ الغابات في سورية حيّزاً جغرافياً ضئيلاً، إلا أنّ هذا لا يقلّل من أهميّتها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والسياحية في آنٍ معاً. هذه حقيقة لا يمكن الهروب منها أثّرت الأوضاع الراهنة بشكل كبير في الأحراج والغابات السورية والمشاتل، وكلّ ما له علاقة بالتنوّع الحيوي الغني. مساحات خضراء واسعة وأشجار معمّرة نادرة تعرّضت للتدهور والحرق، فما هي أهمّ الأضرار التي وقعت، والتي تعرض لها قطاع الغابات في سورية، وهل من تعويض للفقدان الحاصل فيها وكيف؟
تتطلّب مئات السنين..
تعرّضت ثروة سورية من الغابات لاعتداءات وحشية على يد المجموعات الإرهابية المسلحة، وكان النصيب الأكبر من هذه الاعتداءات الوحشية للغابات السورية الحدودية مع تركيا في الشمال والشمال الغربي، كما يقول مدير الحراج، حيث تتركّز الثروة الغابية الرئيسية في سورية، وتشكّل المناطق الغابية مخبأ ملائماً للمجموعات المسلحة للتواري عن الأنظار نتيجة كثافة المجموع الخضري لتيجان الأشجار؛ إذ تقوم هذه المجموعات بافتعال الحرائق لإشغال الجهات المختصة بمكافحتها، وفي الوقت نفسه يتمّ مرور مجموعات مسلحة من مناطق أخرى يغطّيها الدخان.. وما يلفت الانتباه جاهزية الجانب التركي لإطفاء الحرائق فور نشوبها، أو توقع احتمال نشوبها، ما يشير إلى علم مسبق بمكانها، إضافةً إلى الحرائق اليومية التي تنجم عن الأعمال المسلحة والتفجيرات في عدد من الغابات الحدودية، منها قرى الملند، وعين البيضا، وغيرها، وكان أصعبها الحريق الذي نشب في غابات الزعينية غرب جسر الشغور، حيث امتد الحريق شرقاً مع اتجاه الرياح، وأتت النار على مساحات كبيرة من الغابة، وحين قدّرت القيمة الاقتصادية لشجرة متوسّطة العمر (حوالي 50 سنة) بـ 196,250 ألف دولار أمريكي، تبين أن الخسارة المادية كبيرة، علماً بأنّ استعادة هذه الغابات تتطلّب مئات السنين..
7000 شجرة.. قطع جائر
أمّا في مجال الزراعة والتنوّع الحيوي، فقد أكد المهندس بلال حايك، مدير التنوع الحيوي والأراضي والمحميات في وزارة الدولة لشؤون البيئة، أن التعدي على خطوط نقل المشتقات النفطية التي تزوّد محطات نقل الطاقة يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي، وتالياً لجوء العديد من السكان إلى القيام بقطع جائر للأشجار الحراجية لاستخدامها في عمليات التدفئة، وهذا ما حدث في موقع عين الزرقا الحراجي في حماة، كما تمّ التعدي على ممتلكات وغابات محمية البلعاس، وبعض المواقع الحراجية في منطقة سلمية، وتم الاعتداء على التنوع الحيوي الموجود فيها، ويقدر عدد الأشجار التي تم قطعها بحوالي 5000 – 7000 شجرة على الأقل، إضافةً إلى حرق غابات الصنوبر والسنديان والبلوط والقطلب في غابات الصنوبر في منطقة أبو قبيس بمساحة تقدر بـ 60 دونماً، حيث تشكّل بقايا غابات البطم الأطلسي في تلك المناطق قيمة بيئية وتاريخية للمنطقة منذ مئات السنين.
غاباتنا تموت قطعاً وحرقاً..
مدير التنوع الحيوي والأراضي والمحميات في وزارة الدولة لشؤون البيئة، أكد أنّه خلال العام 2011 حتى الآن، تعرّضت المناطق الغابية والحراجية والمحميات الطبيعية إلى الكثير من التعديات نتيجة الظروف التي تمرّ بها سورية، وكان للمناطق الحراجية النصيب الأكبر من التعديات، وذلك لأسباب عديدة منها: التعدي على خطوط نقل المشتقات النفطية، وانقطاع التيار الكهربائي، وهذا أدّى إلى لجوء العديد من السكان إلى القيام بقطع جائر للأشجار الحراجية لاستخدامها في عملية التدفئة، كما تشكل المناطق الغابية مخبأ ملائماً للمجموعات المسلحة للتواري عن الأنظار، واستغلال بعض ذوي النفوس الضعيفة هذه الظروف، والقيام بعملية المتاجرة بالأخشاب من خلال القطع غير القانوني للأشجار الحراجية، والعمل على حرق مساحات من الغابات بقصد التفحيم، كما تعرضت المحميات إلى اعتداءات كمحمية البلعاس في محافظة حماة، حيث تعرض مبنى إدارة المحمية للسرقة، إضافة إلى قطع المئات من الأشجار الحراجية المعمرة، والتي يصل عمرها إلى مئة عام، إضافة إلى الغابات الحراجية الممتدة من منطقة تلكلخ حتى الوصول إلى محافظة طرطوس، وتم التعدي على مساحات كبيرة من الأشجار الحراجية، ولاسيما في فصل الشتاء، بقصد التدفئة، وحرق الأخشاب للطهو، وتقدر أعداد الأشجار التي تم قطعها في محافظة حماة، وفي منطقة تلكلخ بحوالي «7000» شجرة حراجية. أيضاً، تعرضت منطقة أبو قبيس إلى حريق أتى على 60 دونماً من الأشجار الحراجية من الصنوبريات والبطم الأطلسي، وكان لمحافظة الحسكة نصيب كبير من هذه التعديات، فقد بلغ عدد الأشجار الحراجية التي تعرّضت للقطع حوالي 7500 شجرة حراجية توزّعت هذه الأعداد بين محميّة جبل عبد العزيز، التي تتمتّع بوجود نوعين من البطم هما البطم الأطلسي، وبطم كونجوك، وهذه الأنواع مستوطنة في محمية جبل عبد العزيز، كما طالت التعديات مناطق حراجية أخرى في موقع غابة الأسد ومواقع تحريج منطقة «السراقة»، منطقة مغلوجا، ومواقع تحريج الشهيدي.. أيضاً امتدت التعديات إلى الحدائق العامة الداخلية في المدينة، مثل حديقة غويران غربي، وقطع أشجار الصنوبر وأشجار الكينا فيها وعمرها حوالي 30 سنة.
وفي محافظة اللاذقية، نشب حريق في منطقة كسب امتد إلى الحدود السورية التركية على حدود محمية الفرنلق، أتى على حوالي 150 هكتاراً كحصيلة أولية، وكانت تنتشر فيها أشجار الصنوبريات والسنديان شبه العذري المعمرة، حيث تبلغ مساحة محمية الفرنلق 4500 هكتار… ويعدّ السنديان شبه العذري النبات السائد في المحمية، إما بشكل نقي وإمّا يكون مختلطاً مع الصنوبر البروتي، ومع هذين النوعين السائدين يوجد نحو 325 نوعاً نباتياً وعائياً.
وفي محافظة القنيطرة، انتشرت مجموعة من الحرائق في النصف الأول من حزيران 2012 في منطقة بئر عجم – بريقة – عين التينة – الحميدية – غابة طرنجة، كانت حصيلتها احتراق آلاف الدونمات المزروعة بالسنديان والبلوط ناهيك عن احتراق الكثير من الأنواع النباتية النادرة المنتشرة في هذه المناطق.
أمّا محمية جباتا الخشب، وهي محمية غابة طبيعية مساحتها 133 هكتاراً، فقد تعرّضت فيها أشجار البلوط والسنديان لعمليات القطع الكامل على مستوى سطح التربة بلغت كحصيلة أولية 100 – 300 شجرة حراجية، إضافة إلى التخريب الجزئي من خلال تكسير الأغصان.
وقد تعرّضت منطقة الشحار جنوب جباتا الخشب لعمليات قطع للأشجار، أيضاً، قدّرت بحوالي 100شجرة صنوبر ثمري عمرها حوالي 15-20 سنة.
تأهيل المساحات المتدهورة
بيّن مدير الحراج في وزارة الزراعة، وجيه الخوري، أنّ الحرائق التي حدثت في سورية هذا العام أقلّ ممّا حدث في العام الماضي، حيث بلغ عددها أكثر من 100 ألف دونم للعام السابق مقارنة بـ14600 دونم هذا العام، لكن هذا لا يعني ـ حسب قوله ـ أنّ الإدارة المستدامة تعرضت للخطر خلال هذه الأزمة، لذا تمّ العمل على تنفيذ خطة حراجية للموسم الحالي، تركز على إعادة تأهيل المساحات الحراجية المحروقة بفعل المجموعات الإرهابية المسلحة والعوامل البيئية، التي طالت مساحات واسعة، مشيراً إلى أنّ الخطة تركز بشكل أقلّ على إدخال مساحات حراجية جديدة، لافتاً إلى أنّ مساحة الغابات الطبيعية في سورية تبلغ 232.8 ألف هكتار تعرض جزء مهم منها للتدهور والحرق، وأشار خوري إلى أنّ المديرية تنفذ خطة إنتاج الغراس المقرر زراعتها للموسم، والتي تضمّنت الأصناف المتلائمة والظروف المناخية المحلية للمناطق المختلفة من الحراج الموجودة في القطر، ونوّه خوري إلى أنّ خسائر القطاع الحراجي نتيجة الحرق المتعمد لمساحات واسعة لا تقدّر من الناحية المادية، إضافة إلى تهديد الحرائق للتنوع الحيوي النادر الذي تتمتّع به الحراج في سورية، والقضاء على موائل من الصعب تعويضها خلال سنوات طويلة، مضيفاً أنّه بينما كانت خطة التحريج المقترحة لموسم 2011 _2012 تقدّر بـ 7438 هكتاراً، منها 1800 هكتار مساحة جديدة، و5638 هكتاراً مساحة قديمة، وقد تمّ تنفيذ مساحة إجمالية 6329 هكتاراً منها 1423 هـ مساحة جديدة، و4906 هـ مساحة قديمة، أصبحت الخطة المقترحة لعام 2012 _2013 تبلغ 6613 هكتاراً، منها 1670 هكتاراً مساحة جديدة و4943 هكتاراً مساحة قديمة قيد التنفيذ، وتم تخفيض الخطة المقررة لموسم 2013 _2014، التي تبدأ في أوائل تشرين الثاني من هذا العام وتبلغ 3138 هكتاراً، بسبب الأوضاع الراهنة.
التحريج مخاطر وتحديات..
أما بالنسبة إلى الأخطار التي تهدّد التنوع الحيوي وغيره من الموارد الطبيعية، وإمكانيّة التصدي لها، فيؤكد المهندس بلال حايك أهمية تطوير التجهيزات اللازمة لمكافحة حرائق الغابات والتعدي الجائر عليها، ومشاركة المجتمع. أمّا توسع العمران والزراعة، فعلى الجهات المعنية إعادة النظر في تخطيط استعمالات الأراضي عن طريق وزارات الزراعة، والإدارة المحلية، والبيئة، والجهات الوطنية المعنية الأخرى، والرعي العشوائي، ووضع سياسة رعوية مدروسة، والتحكم فيها حسب الطاقات الرعوية للغابات ومناطق التحريج.. وبالنسبة إلى قطع الأخشاب العشوائي لغايات الوقود، فلا بدّ من دعم تأمين البديل عن طريق الطاقات البديلة وزيادة الرقابة على الغابات، ودعم مشروعات مولدة للدخل حول الغابات ومناطق التحريج لاستبدال هذا النشاط بالتدريج.
وفي ما يتعلق بتدهور الغطاء النباتي، وتعرية التربة نتيجة الرعي الجائر، لا بد من تنظيم مناطق الرعي، وتوسيع المناطق المحمية، واستزراع المناطق المتدهورة، ومشاركة السكان في التنمية، وتأمين بدائل علفية للحيوانات كاستثمار المخلفات الزراعية في إنتاج الأعلاف، وتقاسم المنافع مع السكان المحليين، والحد ما أمكن من مصادر التلوث، وإنشاء محطات معالجة للمياه العادمة قبل صبها في الأنهار والمناطق الرطبة، وكذلك مراقبة مياه السفن (الصابورة)، ومنع إلقاء النفايات النفطية، وتطبيق تقويم الأثر البيئي على المشروعات الصناعية.
وهناك صعوبات تواجه الحفاظ على التنوع الحيوي؛ إذ أشار التقرير الوطني الرابع إلى عدم تكامل التنسيق بين الجهات الوطنية المعنية ونقص الدراسات المرتبطة بالقيمة والأهمية الاقتصادية للتنوع الحيوي البري، وعدم توافر الموازنات المالية الوطنية الكافية المخصصة لإدارة مكونات التنوع الحيوي وفقاً للمعايير الدولية الحديثة.
تعاون بيئي زراعي..
وقّعت وزارة الدولة لشؤون البيئة، مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، أمس، مذكرة تفاهم في مجال حماية البيئة والتوعية البيئية في مبنى وزارة البيئة، وبيّنت وزيرة البيئة، الدكتورة نظيرة سركيس، أنّ مذكرة التفاهم تهدف إلى توسيع مجالات التعاون بين الوزارتين، ووضع أسس لتفعيل وتطبيق الأنظمة والقوانين والتشريعات التي تعنى بشؤون الزراعة والبيئة، وإعداد وتنفيذ الخطط اللازمة للتعاون في مجال حماية البيئة.
من جانبه، أكّد المهندس أحمد فاتح القادري، وزير الزراعة والإصلاح الزراعي، أنّ هناك أهدافاً مشتركة بين الوزارتين، وخاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الموارد الطبيعية في هذه الفترة، من خلال برامج التعاون بين الوزارتين في مجالات استدامة الموارد، ومكافحة التصحر، والاستخدام الآمن للمبيدات، وتشجيع الزراعة العضوية، حيث تقوم وزارة الزراعة بدعم الزراعة العضوية لتشمل 33 ألف هكتار في الخطة الزراعية، إضافة إلى نشر تقنية الزراعة الحافظة في أكثر من محافظة..
وبين وزير الزراعة أنّ مذكرة التفاهم سوف تعطي انطلاقة جديدة للعمل المشترك، وسيكون للإرشاد الزراعي دور مهم في المرحلة القادمة من خلال وجود كوارد فنية من المرشدين الزراعيين لنشر الوعي البيئي وحماية البيئة، من خلال النشاطات المشتركة التي ستنفذ، إضافة إلى عمل المديريات المتخصّصة في حماية البيئة، ومكافحة التصحر، وحماية الحراج، وموضوع التعدي على الحراج، واستدامة الموارد، والتصدي للممارسات الخاطئة ومنعكاساتها السلبية على البيئة..
اتفق الطرفان على التعاون في مجال الحراج والغابات من خلال دراسة ومراقبة ورصد حالة النظم البيئية أو الحراجية، وظاهرة تدهور المواقع الحراجية، وإيجاد الحلول المناسبة لها، ومراقبة حالة التنوع الحيوي، ورصد تغيراته، وتحديث أطلس التنوع الحيوي، وتوثيق الأنواع النباتية والحيوانية في الغابات والمحميات الطبيعية، وإشراك المجتمعات المحلية في حماية الغابات، وصيانة التنوع الحيوي فيها، ودراسة ومراقبة ظاهرة حرائق الغابات وأثرها على تلوث الهواء، ورصد تغيراتها، وتحليل الفجوات، واقتراح الحلول المناسبة لها، وآليات تنفيذ النهج التشاركي لمكافحة حرائق الغابات بمشاركة المجتمع المحلي، إضافة إلى التعاون في مجال تطوير البادية ومكافحة التصحر، من حيث المشاركة مع الجهات المعنية في إدارة المناطق الهامشية (البادية) لمكافحة التصحر، ودراسة ومراقبة ورصد حركة الرمال وظاهرة العواصف الغبارية، وحالة الجفاف، وإيجاد الحلول المناسبة له، وتدخل المذكرة حيّز التنفيذ اعتباراً من تاريخ توقيعها، وتبقى سارية المفعول لمدة خمس سنوات..
سيريان تلغراف | ريم فرج – بلدنا