صحيفة “السفير” اللبنانية ترصد عبارات “مفتاحية” لوزير الخارجية الأميركي، متحدّثة عن ترجيح تأجيل الإنتخابات الرئاسية السورية كمخرج للمجتمع الدولي، والإعتراف بالحاجة للأسد من أجل تسوية ملفات كبرى كثيرة، لا يمكن لها أن تتم من دون قبول رجل سورية الأقوى.
مرّ حوار وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مع قناة «سي بي اس نيوز» الأميركية من دون اهتمام يذكر، بل تجاوزته كل التصريحات الأميركية والروسية المرتبطة بالأزمة السورية. إلاّ أن الرجل قال أمام محاوره سكوت بيللي في برنامج «60 دقيقة» الأحد الماضي، عبارات «مفتاحية»، شبيهة بتلك التي «زلّ لسانه» بها خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره البريطاني وليام هيغ منذ شهر تقريباً.
وقال الكاتب، “قبل استعراض ما قاله كيري يمكن الإنتباه للانطباع الذي نقله عنه بيللي حين أشار إلى التناقض الذي حصل في موقف واشنطن بعد الإتفاق «الكيميائي»، والذي انتقل من مطالبة دامت عامين ونصف العام برحيل الرئيس السوري بشار الأسد إلى «عقد اتفاق معه»، وهو الأمر الذي يعني بتقديرات المحاور الصحافي «بقاء الرئيس الأسد حتى تنفيذ الاتفاق» بغضّ النظر عن الوقت الذي سيستغرقه ذلك”.
أضاف، تناولت مواقع إنترنت تصريحات كيري بخصوص هذه النقطة، حين اعتبر أن العقدة الرئيسية تبقى «هي نيّة الرئيس السوري الترشّح للانتخابات» في حزيران العام 2014. ووفقاً لما نقله موقع «صالون» الأميركي، قال كيري أن إعلان الأسد قراره بعدم الترشح «إذا كان له أن يتخذ هذا القرار، فإن كل عناصر الصراع في سورية ستتغير في ليلة واحدة»، بما يذكر بعبارته الشهيرة أمام هيغ حين طالب بنزع السلاح الكيميائي «كله» في سوريا كسبيل لوقف التهديد بالعدوان. إلاّ أنّ كيري، لم يذهب بعيداً في توّقعاته، بل أشار إلى أن كل ما يتعلق بسورية «معقّد جداً». ونقل عنه بيللي مجدداً أن الإدارة الأميركية تريد من الإتفاق «الكيميائي» أنّ «يتسع بحيث يجمع الجميع حول الطاولة للحديث عن السلام».
ووصف الكلام عن تنحي الأسد باعتباره «الصفقة التي تغيّر مسار الأزمة السورية» ليس جديداً، لكنه يشكّل عنصر الارتكاز الغربي والإقليمي اتجاه الأزمة السورية. وكان بدأ بالتشكّل حين بدأت منذ عام مراكز الإستخبارات الغربية، وفي طليعتها الفرنسية والأميركية، بالصراخ في وجه السياسيين أن النظام لن يسقط، لا خلال شهرين ولا عامين.
ووفقاً لمعلومات «السفير» وضع الأميركيون الجانب الروسي بصورة تصوّرهم للمخرج الممكن، خصوصاً في ضوء تصلّب حلفائهم، وأبرزهم السعودية وتركيا، ضمن نفق تصفية الحسابات الشخصية مع الأسد. وفي سياق المعلومات ذاته رفض رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان أيّة تسوية خارج هذا الهدف، معتبراً أن «الحرب على الإرهاب يمكن أن تنتظر لما بعد سقوط الأسد». إلاّ أن ثمة من يرى في مقدمة كيري، أكثر من اشتراط التنحي، نحو حرق هذه الورقة السياسية أيضاً.
واستناداً لتحليل بيللي، عن التراجع من طلب التنحّي إلى عقد صفقة، فإن نمو شجرة الأزمة السورية وتفرّعها لأزمات أخرى خطيرة، يجدد ضرورة الاعتماد على «الرجل القوي المتبقي في سورية». ومن بين هذه الملفات، الملف الأكثر وضوحاً وهو «الكيميائي» الذي سيغرق المشاركين في بحر من التفاصيل، الميدانية والتقنية.
أما الملف الثاني فهو النووي الإيراني، المرتبط بشكل عضوي بالتحالف الاستراتيجي بين دمشق وطهران، وبشكل يلقي بظلاله على عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وسورية وإسرائيل أيضا. ورغم أن دمشق قامت بخطوة رمزية صغيرة تراجعت عنها سريعاً، إلا أن موافقة دمشق المبدئية على زيارة منتخب سورية الوطني إلى رام الله ليس سوى تجسيد لمحاولة التفاف في السياسة السورية التقليدية، وإن دون نجاح.
يُضاف إلى تلك الملفات الأكثر حضوراً بالنسبة للغرب، ولاسيما الأكثر تداولاً في الإعلام، ملف تنظيم «القاعدة» والتطرف الإسلامي في الشرق الأوسط، وهو ما بات واقعا عسكريا وتهديدا جديا لأمن أوروبا، والأمن الإقليمي، ولا سيما أمن تركيا مستقبلاً.
وعلى صعيد تركيا، أيضا، يبرز ملف آخر بأبعاد إقليمية ودولية، وهو الملف الكردي، والذي تتصدّره فئتان، فئة تتحالف مع «الائتلاف الوطني» المعارض ومن خلفه الأتراك، وثانية تقيم علاقات تنسيق مع الجانب السوري وتعادي تركيا، والأخيرة هي الأقوى وتمثّل التحدي العسكري الأبرز في الشمال لمختلف القوى الميدانية.
واستنتج الكاتب، ثمّة من يميل إلى ترجيح كفّة مختلفة عن تلك المتداولة إعلامياً، نحو نظرة أبعد لأوراق الأزمة السورية المختلطة. نظرة، قد تخلص مع دخول العام 2014 إلى ضرورة تأجيل الانتخابات الرئاسية السورية، وهو ما يتيحه الدستور السوري أيضاً. فوفقاً للمادة 87 في بندها الثاني يمكن لرئيس الجمهورية الاستمرار في ممارسة مهامه في حال تعذر إجراء انتخابات. وهذا الإحتمال المرجح، في ظلّ الظروف الحالية والمرشّحة للاستمرار، وأبرزها، وجود ملايين المهجرين والنازحين السوريين، وانعدام وجود سفارات في معظم أرجاء العالم، والوضع الأمني المتردي، إضافة لانعدام سيطرة الدولة على مناطق كثيرة في سورية.
وأضاف، يرى ديبلوماسيون معنيّون عن قرب بالملف السوري، أن تأجيل الانتخابات، قد يكون، مخرجاً جديداً للمجتمع الدولي، للاعتراف، ولو ضمنياً، بالحاجة للأسد من أجل تسوية ملفات كبرى كثيرة، لا يمكن لها أن تتم من دون قبول رجل سورية الأقوى.
سيريان تلغراف