صحيفة “السفير” اللبنانية تعيد تلسيط الضوء على وثائق تظهر سعي وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسينجر إلى ايصال رسالة للحكومة الإسرائيلية يحثّها فيها على التعاون أكثر في موضوع إتفاق فكّ الاشتباك مع سورية، مهدداً بالإنسحاب من المشاورات.
أراد وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر إيصال رسالة إلى رئيسة الحكومة الإسرائيلية آنذاك غولدا مئير، لعلّه يحثّها على التعاون أكثر في موضوع اتفاق فكّ الاشتباك مع سورية. فالأمر بالنسبة إليه لا يقتصر فقط على إنهاء الحرب، بل من شأنه أن يفتح الصفحة أمام تاريخ جديد لواشنطن في الشرق الأوسط.
وقال كيسنجر: «الشيء الوحيد الذي عليكم فهمه في إسرائيل، وهو رأيي كصديق، وليس كوزير خارجية، أنه إذا انفجر الوضع مجدداً وأسفر عن حرب جديدة، فإن النتيجة ستكون فرض تسوية على أساس حدود العام 1967».
وتظهر وثائق الخارجية الأميركية، والتي تنشرها الصحيفة، التقارب الذي نشأ بعد «حرب تشرين» ليس فقط بين مصر والولايات المتحدة، وإنما الجزائر أيضاً.
وخلال زيارته إلى واشنطن بدا الرئيس الجزائري هواري بومدين فرحاً من طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع الوضع بعد «حرب تشرين» ومحاولات التوصل إلى اتفاق فكّ الاشتباك. وينقل كيسنجر للرئيس ريتشارد نيكسون قول بومدين بعد لقائهما في الـ11 من نيسان/ آبريل 1974: «قلّ لرئيسك… إن التاريخ سيسجل أنه خلال فترة رئاسية واحدة كان واحداً من أعظم صانعي السلام في العالم».
وبحسب الوثائق، فقد بدا كيسنجر في بداية شهر نيسان/ آبريل متشجّعاً جداً من قدرته على التوّصل إلى اتفاق فك اشتباك مع السوريين، وكان يريد من بعدها، وخصوصاً إذا تم الاتفاق في شهر أيار/مايو، أن يقوم نيكسون بزيارة «تاريخية» إلى الشرق الأوسط، حيث سيكون لها «صدى سياسي» واسع في الشرق الأوسط، بحسب قوله. وليس ذلك فقط، فإن تلك الزيارة ستعكس التوّجه «الشرق أوسطي» الجديد تجاه واشنطن وبعيداً عن موسكو. وكان كيسنجر يقول لنيكسون: «كنت أتحدّث إلى وزير الخارجية المصري، وهو قال إنهم بحاجة إليها (الزيارة). فهم لا يريدونها فقط، بل أنهم بحاجة إليها لتشكل رمزاً لتوجههم الجديد. من الممكن القيام بالزيارة بعد رحلتك إلى روسيا، ولكن إن قمنا بها قبل، فإن ذلك من شأنه أن يغضب الروس كثيراً».
وقد طلب الجزائريون أن تشملهم الزيارة بعد التوصل إلى اتفاق فك الاشتباك، بحسب ما نقل كيسنجر عن وزير الخارجية حينها عبد العزيز بوتفليقة.
ووفق ما أوردته الوثائق، فقد وقف الإسرائيليون مرة أخرى في طريق كيسنجر. وقد طلبوا الحصول على المساعدة الأميركية المقدّرة بمليار ونصف مليار دولار. إلاّ أن كيسنجر، الذي بدا وكأنه ضاق ذرعاً بتصرفاتهم، قال للمستشار في البيت الأبيض لين غارمت «قلّ للإسرائيليين أن يبتعدوا، فهم يعلمون أنهم يدخلون مجدداً في فتراتهم الإنتحارية… لا يمكن أن نعطيهم المبلغ الكامل قبل اتفاق فكّ الاشتباك السوري. لدينا العرب أيضاً لنفكر بهم. لماذا نعطيهم ملياراً ونصف مليار دولار؟ على كل حال اتفقت مع (السفير الإسرائيلي في واشنطن سيمشا) دينيتز على مبلغ سيحصلون عليه الأسبوع الحالي، أما الباقي فلاحقاً. لدينا موقف من العرب علينا أن نقلق بشأنه».
تضيف الوثائق بحسب “السفير” “ليس ذلك فقط، بل وصل بكيسينجر الأمر كالعادة إلى التهديد بالانسحاب من المشاورات إذا لم يتحرك الإسرائيليون، وقال لغارمت «أطلب من الإسرائيليين أن يكونوا مفيدين في موضوع سورية، لأني سأنسحب من المباحثات في حال حصل العكس. ودعهم يختبروا الوقوف أمام العالم كله وحدهم». والموقف باختصار هو، بحسب كيسنجر، أن «الحرب مستمرة في هضبة الجولان من دون أي تطور على صعيد فك الاشتباك، فهل من الممكن أن يوافق الرئيس على دعم بمليار ونصف مليار؟».
ولكن يعود كيسنجر ويهدأ في المحادثة ذاتها، ويقول «لقد حصلوا على كلّ شيء منا طوال الوقت، وهذا سيستمر. المشكلة هي في التوقيت… يجب أن تعلمهم بضرورة التقدم في موضوع اتفاق فك الاشتباك». وما هي إلا ساعات حتى أجرى كيسنجر اتصالاً ليطمئن على المليار دولار التي يجب أن تصل إلى إسرائيل خلال أسبوع.
وبحسب ما ورد، فإن تخوف كيسنجر لا يقتصر على عدم التوصل إلى اتفاق على اندلاع الحرب مجدداً، بل أن ذلك من شأنه أن يدمر كل ما سعى من أجله لإخراج السوفيات من الشرق الأوسط. وهو يشرح نظرته تلك في وثيقة تعود إلى الـ18 من نيسان/ ابريل 1974، حيث يقول «أن المشكلة تكمن في أن عدم التوصل إلى اتفاق فكّ اشتباك من شأنه أن يشعل الحرب مجدداً، وبالتالي سيكون بمقدور الفرنسيين والسوفيات أن يقولوا للعرب: قلنا لكم ذلك طوال الوقت. ستفقد الولايات المتحدة مصداقيتها، لأننا إذا لم نستطع دفع إسرائيل على الانسحاب خمسة أو ثمانية كيلومترات فقط، فكيف لنا أن نزعم أنه بمقدرونا أن نفعل أي شيء».
وأخيراً، بداً من حديث كيسنجر أن السوريين ليسوا المشكلة، إذّ يقول «إذا كان لدى الإسرائيليين أي منطق، فإنهم سيقبلون بما عرضه السوريون… لو كنت أنا رئيس حكومة إسرائيل لوافقت على منح السوريين ثلثي ما طلبوه، وهذا سيلغي الوجود الروسي هناك… إذا تنازلوا بمرارة عن خمسة إلى ثمانية كيلومترات، فسيكون بمقدورنا على الأقل أن نمنع الانفجار… إذا فشلت، سأخرج من المحادثات، وسيرمون وحدهم في الدوائر العالمية». ويضيف محدثاً رئيس المصرف الفدرالي أرثر بيرنز «هل تظن أن هذه البلاد (الولايات المتحدة) ستؤمن جسراً جوياً آخر في مواجهة أيّ حظر نفطي في المستقبل؟».
سيريان تلغراف