Site icon سيريان تلغراف

وصلت الوقاحة بـ”عرب أميركا” المطالبة بإرسال سجناء من غوانتنامو إلى سورية ، بقلم أحمد زين الدين

تدخل المنطقة العربية مرحلة جديدة بعد سقوط كل المحاولات المسمومة لإسقاط النظام في سورية، وفشل الضغط على إيران والعراق، وبعد القمة في بغداد بات خيار التسوية السياسية في سورية متقدماً، إذ إنه بعد نجاح القوات العربية السورية في بابا عمرو، لا مجال إلا لتغليب لغة الحوار، خصوصاً بعد انفضاح فصول من المؤامرة، لكن ذلك لا يعني أن المؤامرة على سورية انتهت، لأن البعض لم يبرد رأسه، خصوصاً السعودي والقطري اللذين يعتبران انتصار سورية هزيمة مدوية، وفشلاً ذريعاً لأحلام كرتونية تورطا بها، ولهذا سيعملان لاستنزاف دمشق، عبر تقديم مختلف أشكال المقويات المالية للمعارضات الخارجية، بمختلف مكوناتها وأشخاصها، والذين باتوا لا يريدون نهاية للأزمة، لأنها “باب رزق” واسع لهم، وبانتهائها سيُكسر مزراب المال الذي غير حياة البعض، فمنهم من بدأ بتأسيس أعمال، ومنهم من كوّن رصيداً مصرفياً، وصار يتطلع إلى أدوار سياسية في البلدان التي يحملون جنسياتها، إضافة إلى مد هذه المعارضات بـ”الرجال” والسلاح، حيث تؤكد المعلومات أن هاتين الدولتين، بعد أن انفضح دورهما بتوريد الإرهابيين من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة للتخريب في سورية وقتل شعبها، بدأتا بمفاوضات مع السجناء الخطيرين في سجونهما، للإفراج عنهم وتزويدهم بمبالغ مالية خيالية، لقاء شرط واحد هو التوجه إلى سورية للتخريب فيها، وقتال الجيش العربي السوري، وتنفيذ عمليات تفجير واسعة، ووصلت الوقاحة بهما إلى مفاتحة الأميركيين بإمكان إطلاق سجناء غوانتنامو من أجل هذه المهمة، وهو ما لقي رفضاً من بعض “عقلاء” الإدارة الأميركية، الذين وجدوا فيه مغامرة خاسرة وهم المقبلون بعد سبعة أشهر على الانتخابات الرئاسية، لكن المفارقة أن زعيم 14 آذار 1978 في لبنان الحقيقي، وهو مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان، بدا متحمساً لفكرة الفيصل – حمد، مما يطرح سؤالاً حول مدى التورط في أبعد مما تريده الإدارة الأميركية، التي بدأت في مفاوضات بعيداً عن العيون مع دمشق وطهران وبغداد، وبالتالي فإن فيلتمان برأي العديد من المتابعين والمتخصصين في الشؤون الأميركية، لن يكون في الإدارة المقبلة التي عليها أن تواجه ملفات كبرى تبدأ من الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، وتمر بالطاقة والنفط، ولا تنتهي بالشرق الأوسط.

هنا يحضر أيضاً التركي، الذي ذهب في الانخراط في المؤامرة على سورية والعداء لها بشكل حرق كل مراكبه في الإبحار نحو دمشق، من دون أن يستطيع الاستراحة في طهران أو بغداد، بعد أن أعلن ولاءه المطلق للأميركي مجاناً، فبايعه بإعلانه نشر درع الصاروخية في أراضيه، وتوقيع عشرات الاتفاقيات العسكرية والاستراتيجية سراً مع تل أبيب، لكن في تصرفه الأرعن خسر الدنيا وما فيها، فما بقي له إلا الصراخ، ولهذا وجدناه في جميع مراحل الأزمة السورية يلوّح بشكل مبطّن بالتدخل العسكري في سورية، وبعدم الوقوف مكتوف اليدين، في وقت كانت مخابراته كالمخابرات الأميركية؛ لا تدخر جهداً في التدخل، فتشترك بالحرب الكونية ضد دمشق بقيادة الولايات المتحدة، وبالشراكة مع الأعضاء الفاعلين في الحلف الأطلسي، كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، بالإضافة طبعاً إلى السعودية وقطر ونبيل العربي، الذين أُجهضت كل محاولاتهم على مستوى جامعة الأعراب أو مجلس الأمن، وآخر البدع الفظيعة ما يسمى “مؤتمر أصدقاء سورية” بنسخته التونسية، والذي فضح عميل محطة الجزيرة المنصف المرزوقي، وحليفه الذي جاء من لندن وواشنطن على أنقاض بن علي.. ثم بنسخته التركية التي انتهت على عجالة، واكتشف “الصدر الأعظم” رجب طيب أردوغان وتابعه أحمد داود أغلو أن الباب العالي لم يعد في اسطنبول، إنما في واشنطن، التي حاول أن يدغدغها بالدرع الصاروخي، لكنه سرعان ما اكتشف أنها تخذله، وأن اللعبة أكبر منه بكثير، بل أكبر من بائعي الكاز العربي، وبالتالي ما عليه إلا أن يدير وجهه نحو الجدار، لأن أحلامه الإمبراطورية بالامتداد إلى سورية وما بعد بعد سورية، بالكاد تصل إلى عنصر المخابرات الفرنسية من أصل سوري برهان غليون، فيما حمد بن جاسم بعد أن عزلته العراق من رئاسة الجامعة العربية، لم يعد يجد سوى مستشار كامب دايفيد القانوني نبيل العربي، الذي طالب في حظيرة اسطنبول، مجلس الأمن بالتدخل في دولة عربية تحت البند السابع، لكنه سمع من رئيس الجامعة العربية نوري المالكي ما جعله وسيده حمد بن جاسم يشعران بصغرهما وقلة حيلتهما وبؤسهما.

في مجمل هذه التطورات ثمة سؤال بدأ يطرح بقوة: هل دخل خصوم سورية ونظامها التقدمي والمقاوم مرحلة تسمين العجول على الطريقة الأميركية؟

سؤال يجيب عليه خبير في السياسة الأميركية بحزم وحسم، بأن الأمر بات في صميم هذه المرحلة، بعد أن تمكنت القوات العربية السورية منذ إنجازها العسكري النوعي في بابا عمرو، وما تبعه من تطورات ميدانية نوعية.

وتقوم نظرية تسمين العجول على مفاوضة الخصم من وراء الستائر القاتمة، في الوقت الذي يوحون لعملائهم أن التدخل الأميركي عسكرياً مازال قائماً أو بات وشيكاً، حتى تتم المفاجأة الكبرى بالإعلان عن الحلول، فيحتار العملاء كيف يفرون ويتصرفون، بسبب ثقل حركتهم وارتباكهم، فتصدم رؤوسهم في الجدران، فتتورم وتشل الأدمغة، ويتم تقديم هؤلاء العملاء كأضحية أو جوائز ترضية.

ويعطي مثالاً على ذلك أمين الجميل حينما كان رئيساً للجمهورية، كيف لم يحمله رأسه حينما كان يزور واشنطن في العام 1983، فصرخ بأعلى صوته بأن مدافعه سترتد إلى دمشق، خصوصاً حينما سمع أن هناك عمليات إرهابية وتخريبية للإخوان داخل سورية، وأن نيوجرسي حضرت إلى الشواطئ اللبنانية، في وقت كان الأميركيون يفاوضون رجلاً صعب المراس وشديد المقدرة اسمه حافظ الأسد.

وحينما سئل مورفي: كيف “تكبّرون” رأس أمين الجميل، ثم تجعلونه يتخبط بالجدران، ضحك وقال: لو أعلمنا الجميل بالأمر لكان سبقنا إلى دمشق، وأعطى الأسد ما يريد.

هذا هو تماماً حال المعارضات الإسطنبولية، وحكام الخليج، تحديداً السعودي والقطري، وتركيا، لافتاً إلى محاولة تذاكي رجب طيب أردوغان قبيل ساعات من مؤتمر اسطنبول لأعداء سورية، حيث توجّه إلى إيران، عارضاً حفظ المصالح الإيرانية إن تخلوا عن النظام في سورية، ناطقاً باسم الأميركيين، بأن واشنطن اتخذت قراراً حاسماً ضد سورية، فسمع من مرشد الثورة ما لم يسره ولا يرضيه، فعاد بخُفيّ حُنين، ليجد أمامه في اسطنبول مؤتمراً تتناهشه المصالح، ومعارضات لا هم لها سوى الاستمرار من أجل المال القطري والسعودي.

قد يكون ما علّق عليه أحد الخبراء العسكريين الاستراتيجيين الكبار، فيه كثير من الدلالات البالغة، حينما رأى أن حمديْ قطر وسعود الفيصل أكثر ما يفهمونه من التاريخ العربي هو “حرب البسوس”، لكن بشار الأسد المشبع بتاريخ سورية المجيد، والتي تكسرت في شامها أعظم الإمبراطوريات، يعرف تماماً أن رئيس سورية في أول قمة عربية عقدت عام 1946 في أنشاص، هو من وزّع وأعطى الألقاب للملوك والرؤساء العرب، وهو يعرف تماماً أن جيشه في كل أزمة كان يخرج أقوى، وأن شعبه لم تزده الصعوبات إلا تماسكاً ومقاومة وإصراراً على النصر، وبهذا فالجيش العربي السورية يخرج من هذه الأزمة أكثر حزماً وحسماً، خصوصاً أنه اكتسب منها خبرات هائلة وعالية في مواجهة أساليب الإرهاب المتنوعة.

وحسب الخبير الاستراتيجي، فإن الجيش العربي السوري أصبح يُنظر له في العالم كقوة قتالية نوعية على المستوى الميداني في الجبهات العسكرية، وعلى مستوى مواجهات حرب الإرهاب والتخريب.

وفي المحصلة، فإن سورية المتجددة بقيادة الرئيس بشار الأسد، تقود مع حلفائها الكبار معركة إعادة التوازن الاستراتيجي والعالمي، فسورية العظمى تطلع من صراعها الآن لتتكامل مع روسيا والصين، ومع إيران الطالعة من صراعها مع الأميركي قوة نووية استراتيجية، ربما كان ضرورياً التذكير بما قاله الرئيس بشار الأسد لمفاوضه الأميركي حينما سأله عن تمديد بقاء الأميركيين في العراق، فكان الرد الحاسم أكثر بلاغة من الرد على غطرسة كولن باول حنيما جاءه من العراق إثر غزوها ليفرض شروطه، حيث قال: “من يقبل ببقاء المحتل يومين يقبل ببقائه قرنين”.

ثمة خبراء استراتيجيون يشبّهون ما تعيشه سورية الآن، بما عاشت به المقاومة في لبنان عشية 14 آب 2006، حيث تلاويح النصر على المؤامرة الكونية الكبرى واضحة تماماً، فالأميركي بدأ يستشعر ما ينتظره في نهاية الحرب، ولهذا فهو يساوم ويفاصل على بقائه في الخليج، لكن هل ترضى دمشق وطهران والمقاومة..؟

ثمة حقيقة واضحة، وهي أن السوريين يكتبون تاريخ العروبة المتجددة من رحم التضحية والصمود والمقاومة.. والممانعة، رضي وليد جنبلاط أم لم يرض، ترى: ماذا سيفعل سعد الحريري المنكوب بإصابته أثناء نقاهته في منتجعات جبل الألب..؟ انتظروا الجواب من خالد الضاهر أو أبو عبد الطرابلسي.

Exit mobile version