Site icon سيريان تلغراف

رسائل أوباما لمن يفهم .. الهزائم السرية ، والموت رحيمه ورجيمه .. بقلم : نمير سعد

 لا شك أن هناك من جافاهم النوم ليلة البارحة من أعداء الوطن السوري ولم تعرف السكينة طريقاً إلى صدورهم ، فيما إستوطن الصداع والقلق والشعور بالضياع والتيه رؤوس آخرين وعقولهم . فليس ثمة إعلان واضحٍ أو مبهم لحربٍ قريبة قد تشن على الوطن السوري ، الأمر الذي لطالما كررت أنه يسكن دواخل قناعاتي رافضاً مغادرتها لأسبابٍ عرضتها مراراً  ، بل على العكس من ذلك فإن عربة الأحداث باتت تسير وفق أوامر وأداء من يمسك بلجام جيادها ، الثلاثي السوري الروسي الإيراني ، إضافةً لباقي الفريق الداعم والمساعد … .

لا يمكننا الإنتقال إلى الخطاب المقتضب الذي توجه من خلاله الرئيس أوباما للشعب الأمريكي دون التوقف أولاً عند المبادرة الروسية التي فرملت إندفاعة راعي البقر ” الشكلية ” فيما هي إنتشلته من مستنقع مأزقه وفتحت له كوةً يلج منها بأقل خسائر ممكنة لماء وجهه الذي سكب على مذبح الكيماوي . لا أريد هنا الخوض بكثير من التفصيل أو الشرح أو التحليل في عناوين المبادرة الروسية السورية ، وأصر هنا أن الروس لم يبادروا سوى بعد تنسيق كامل مع القيادة السورية ، ما يهمني قوله لكل من تمكنت من نفسه خيبة أملٍ ما أو صدمة ما أو رسمت في ذهنه بعض إشارات الإستفهام والتعجب أن القيادة السورية أثبتت على مدار زمن الحرب أنها القيادة التي حار معها العالم شرقه وغربه ، دوله المتحضرة ودويلاته الصحراوية البائدة ، القيادة التي لا زالت صامدة على أرض الوطن كما في قلوب ساكنيه فيما قياداتٌ عديدة نقلها التاريخ إلى مستودعات أرشيفه تحت عنوان القيادات التي كانت . هكذا قيادة تستحق دون أدنى شك الثقة المطلقة التي يوليها لها شعب الوطن ، ليس من اختصاص الفرد في العموم أن يضع كل قرارات قيادته على المشرحة ، فبعض القرارات المصيرية لا تنشر دوافعها وموجباتها واثمانها في الجرائد الرسمية ، هكذا هي السياسة في كل البلدان ووطننا ليس إستثناء . ما أود أن أؤكد عليه أن قبول القيادة السورية لوضع السلاح الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية ليس هزيمةً عسكرية ولا هو تقهقرٌ ميداني أو تصدعٌ في المعنويات أو تراجع عن المبادئ ، وإن بدا على قسماته خليطٌ مما ذكرت … .

ذكرتني الأيام الماضية بما يعرفه معظمنا عن أزمة خليج الخنازير ، أو أزمة الصواريخ الروسية في كوبا عام ١٩٦٢ ، إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي ، و بعيداً عن تفاصيل الأزمة أصل مباشرةً إلى حلها الذي بدا آنذاك للكون أجمع نصراً أمريكياً مؤزراً أجبر السوفييت من خلاله أن يسحبوا صواريخهم البالستية من كوبا ” تلك الصوريخ التي كان مداها يطال معظم أراضي الولايات المتحدة ” ،وذلك تفادياً لحربٍ عالمية نووية كادت أن تقع ، ما يهمني هنا ليس ماكسبه الأمريكان في العلن وانما ما كسبه السوفييت في السر ، حيث كان شرط قيامهم بسحب تلك الصواريخ هو قيام أمريكا جون كنيدي آنذاك بسحب صواريخ ” جوبيتر ” و  “ثور ” التي كانت تهدد الإتحاد السوفييتي إنطلاقاً من بريطانيا وإيطاليا و تركيا ، فيما كان شرط الولايات المتحدة أن تتم العملية بعد أشهر عديدة وبشكل سري و بعيداً عن الإعلام .. لا أفهم أنا هكذا شرط سوى عبر ” نظرية أو عقدة المحافظة على ماء الوجه الأمريكي ” . أو هي ربما عقدة الجيش الأسطوري الذي لا يقهر ، ذات العقدة التي انتقلت إلى جيش العدو الإسرائيلي ، أو أقله الجيش الذي لا يعترف بالهزيمة في العلن حتى لو تجرع مرها في السر …. .

ما أود الوصول إليه أن الأهم بعشرات المرات من كل ما تتناقله الفضائيات ووضعته  الصحف عناوين عريضة على صفحاتها الأولى حول ” التنازل أو الإنكسار السوري ” هو ما يقوله التاريخ والمنطق من أن تفاصيل ما دار خلف الستائر والأبواب المغلقة من مفاوضات واتفاقات غير قابلة للنشر ” لحفظ ماء وجه طرفٍ ما !! ” هو أهم بعشرات أو مئات المرات مما سمعنا أو قرأنا ، أؤمن أنا أن الأسابيع والأشهر القادمة سوف تشي بملامح تفاصيل هكذا إتفاقات ولو على إستحياء . وأؤمن أيضاً أن من حق القيادة السورية وجيش الوطن العظيم أن لا تهتز ثقتنا بكلتا القامتين ، وأن علينا أن نتعلم من دروس التاريخ وعبره ، فما قد يبدو للبعض مخيباً للآمال أو تراجعاً أو إنكساراً أو هزيمة هو في مكانٍ ما تحقيقٌ لمكسب ما وإنجازٌ لهدفٍ ما و خطوةٌ في الإتجاه الصحيح ، لنا أن ننتظر الاسابيع والأشهر القادمة التي ستنبأ دون أدنى شك بغير ما تبنأ به فضائيات الدعارة الإعلامية ، لنا في هذا الخصوص أن نتعلم من التاريخ درساً إضافياً ،، لا ينتقص إعلان الأمريكي تحقيقه نصراً تاريخياً على سوريا ومن خلفها روسيا من المكاسب الإستراتيجية التي انتزعها محور المقاومة من حلق الأمريكي ، المهم هو واقع الميدان وحقيقة كفة الميزان ، ونتائج المعارك وخواتيمها … .

وبالعودة لخطاب أوباما فقد كان لافتاً تحديده لمحاور التهديد السوري للأمن القومي الأمريكي بشكل غير مباشر من خلال تهديده لحلفاء الولايات المتحدة ، الأردن وتركيا و”إسرائيل ” ، هو كان يقصد دون شك “إسرائيل وإسرائيل وإسرائيل ” فلا فرق بين أنظمة البلدان الثلاث في موقفها من سوريا وتماهيها مع المصالح الصهيونية ، ولو أراد مسيو أوباما أن يكمل لأضاف دون أدنى شك عشر أنظمة أعرابية تتسابق لتقديم شروط الطاعة والولاء لراعي البقر ومن وراءه . كانت إستعانة أوباما بالرسائل التي وجهت إليه عميقة الدلالة ، فقد لفت من خلالها انظار من لم تخطر بباله هكذا تساؤلات إلى حقيقة بسيطة مؤداها أن أمريكا لا تستطيع القيام بدور الشرطي في العالم ولا هي قادرة على شن حربٍ على شاكلة حرب العراق وأفغانستان التي لم تندمل جراحات ذاكرة الأمريكيين من دموية فصولها وقبح مشاهدها ، مسلماً في ذات الوقت ” عبر رسائل الآخرين ” على أن حلولاً أخرى يمكن أن تحل ذات المشاكل بعيداً عن الحروب أو اللجوء للقوة … .

ذكرني أوباما أيضاً بمضمون مقالة كتبتها منذ بضعة أسابيع بعنوان ” سوريا ولبنان ،، ما بين القتل الحلال والقاتل الحرام ” ، ساعة طلب وبإلحاح وبكثيرٍ من التأثر من أعضاء الكونغرس أن يشاهدوا الفيديوهات الخاصة بضحايا السلاح الكيماوي في الغوطة قبل أن يقوموا بالتصويت لصالح أو ضد مشروع خطته لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا  ، المهزلة كانت أن أوباما بدا وكأنه يعيش بعيداً عن الواقع أو هو إختار طواعيةً أن يبتعد عنه ، فتركيزه على تلك الفيديوهات وبغض النظر عن مدى دقتها وصحتها ومصداقيتها وعدم وجود أدلة دامغة  لدى إدارته على مسؤولية الجيش الوطني السوري عن تفاصيلها البشعة ، تحدث عن الأمر واستفاض في شرحه وكأن تلك الجريمة هي أولى وآخر الجرائم الجماعية التي إرتكبت في سوريا على مدار عامين ونصف ، فلا إعدامات جماعية لأسرى الجيش السوري ، ولا إبادات جماعية لسكان قرى بأكملها ، فأوباما لم يسمع يوماً عن مجزرة جسر الشغور ولا عن خان العسل، ولا عن قرية اسمها حطلة تم نحر جميع سكانها وإغتصاب كل ما ملكته أيمان المجاهدين من النساء والأطفال قبل فصل رؤوسهم عن أجسادهم ،  ولا هو سمع عن الحمبوشية وبيت الشكوحي والرمسة ونباتة وبلوطة وغيرها من القرى التي أباد حلفاء أوباما معظم سكانها وقدموا حالة من الوحشية لا عهد للبشرية بمثلها ، لم يسمع سيد الأبيض عن آلاف حالات الإختطاف ومثلها من حالات الإغتصاب على مساحة الوطن السوري ، وهو أخيراً لم يشاهد تلك الفيديوهات التي يظهر فيها أشباه بشرٍ يقتلعون قلوب وأكباد أسراهم ويتناولوها طعاماً حلالاً . تعجز اللغة حقيقةً عن إعطاء الرئيس الأمريكي حقه من المديح بعد تأثره العميق والوجداني إزاء مشاهد الموت البارد في غوطة دمشق ، وتعجز ذات اللغة عن وصف حالة النفاق الأوبامي الذي بز نفاق عبد الله بن أبي بن سلول وتفوق عليه . لا بد أخيراً من القول أن ثائرة أوباما قد ثارت ربما لأن ضميره لم يستطع تحمل مشاهد ضحايا الكيماوي وهو في عرف الولايات المتحدة وربيبتها سلاحٌ محرم وبالتالي فالموت به هو  موتٌ محرمٌ .. بل موتٌ رجيم ، والقنابل الفوسفورية العنقودية الإسرائيلية تشهد ، وقبلها تشهد هيروشيما وناغازاكي ، أما ضحايا باقي المجازر الذي قضوا رمياً بالرصاص أو ذبحاً أو حرقاً على يد من يجاهد على الأرض السورية بإسم آلهة أوباما وصحبه ،  فأولئك لهم الله ، الله الذي أفتى بعض الناطقين بإسمه بأن  موتهم هو موتٌ رحيم … .

أخيراً أقول ..  إن ترحيل ملف الحرب الموعودة إلى توقيتٍ غير معلوم كان صادماً لبعض الأعراب ومخيباً لآمال بعضهم الآخر ، ولأن الأعراب لا تعرف الخجل ولا تخجل من العار ولا يعيرها خزيها ولا يخزيها سفالة وعمالة خيالات المآتة التي تتربع على عروشها ، أتى بيان دول مجلس التعاون في خدمة الصهيونية كخير مثال على تلك الحالة التي يعجز العقل عن فهمها بعيداً عن قراءة تاريخ أجداد وأسلاف تلك المخلوقات التي تشبه الإنسان في أشياء كثيرة ولا تشبهه في إنسانيته . لقد كان إعلان أوباما طلبه من أعضاء الكونغرس تأجيل التصويت على مشروع حربه المحدودة وما رافقه من الإعلان عن الإنتظار حتى صدور تقرير لجنة المحققين التابعين للأمم المتحدة في سوريا ، والرغبة الحقيقية الجادة للولايات المتحدة في ” تدارس ” المبادرة الروسية ، دليل آخر على تورط أوباما في ورطةٍ لن يتمكن من الخروج منها دون تورطٍ آخر . إن الإخراج السريع والمستعجل لواقعة المبادرة الروسية والسرعة غير المألوفة في التفاعل والتعامل معها من قبل جميع الأطراف في زمنٍ قياسي وبشكل إيجابي يعطي دليلاً إضافياً على أن تدارسها والبحث فيها والخوض في بنودها وتفاصيلها قد تم مسبقاً ، وأن لا أطراف فوجئت بها بحق عدا الأعراب الذين لا يحسب لهم في هكذا مفاصل هامة ذات الحساب الذي يحتسب لغيرهم ، انها المؤشرات التي تقوي وتدعم ما يأخذني إليه عقلي من أفكارٍ قد يشاطرني بعضكم إياها فيما لا يفعل بعضكم الآخر ولكلٍ حججه ونقاط إستنداه ، الأفكار التي تقول أن القيادة السورية لا شك قد حصلت على مكتسبات سياسية ستتجلى في المدى المنظور والبعيد ، وعسكرية ستظهر ملامحها في قادمات المعارك لقاء تقديمها هكذا تنازل تكتيكي على مذبح إستقلال الوطن وحماية وحدته الجغرافيا والحفاظ ما أمكن على ما لم يدمر من مستقبله وما لم يشوه من ملامح وجهه .. لنا كل الثقة في قيادة الوطن وجيش الوطن ،، هذا هو ما تنطق به أرواح السوريين شهداؤهم كما أحياؤهم .. المجد لسوريا والنصر لثلاثية شعبها وجيشها وقيادتها .

سيريان تلغراف | نمير سعد

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version