Site icon سيريان تلغراف

رقصة الجنون إن بدأت على مسارح دمشق .. أين ستنتهي ؟؟ .. بقلم نمير سعد

خياران إثنان لا ثالث لهما ،  خياران مرٌ طعمهما ، وعلقمٌ مذاقهما ، يحلم سيد البيت الأبيض في الصحوة وفي المنام أن تأتيه الملائكة أو الشياطين لافرق ،، ببديلٍ لأحدهما ينقذه من تجرع المر أو الغوص في بحيراتٍ مياهها علقم  . مرةً أخرى يقف أوباما تصحبه رؤيةٌ مشتتة ، ونظرةٌ زائغة ، وتكتيكٌ مفكك ، وتيهٌ في ملامح الطريق . مرةً أخرى يجعل قادة الولايات المتحدة من عظمة دولتهم مثار تندرٍ وهزأٍ وسخرية ، فأوباما شارك في قمة العشرين على أمل سرعان ما تبين أنه كان وهماً وسراباً ، كل الرسائل السلبية الوقحة التي ارسلت بها إدارته إلى الكرملين قبل القمة لم تؤثر على موقف القيصر ولم تغير مقاربته ونظرته للحل فيما خص الأزمة السورية ، لم يجدي إلغاء أوباما للقاء القمة الذي كان مقرراً مع بوتين مطلع هذا الشهر ، ولم ينفع التجميد المؤقت للتنسيق بين لافروف وكيري ، ولم يحرك التهديد والوعيد الأوبامي مكامن القلق أو الخوف في نفوس من استهدفهم ذاك الضجيج من الحلف المناهض لعنتريات رعاة البقر ، على العكس من ذلك فقد ظهرت أثار كل ما ذكرت على وجه أوباما الذي بدا كمن يغفو على وسادةٍ ملقاةٍ في بطن إعصار … .

مرةً أخرى أقول أن أوباما ذاته واثقٌ من أنه يريد ، ذات ثقته  بأنه لا يريد ، هي حالة تنطق بها عيناه فيما ينطق فمه بغير حال . جميعنا يعلم أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تكترث عادةً  لرأي الشارع الأمريكي لحظة إتخاذها للقرارات التي تتعلق بمصالح مافيا شركات الأسلحة ورجال المال والأعمال  ،هذا الإكتراث الذي يتحول إلى شبه معدوم إن  تعارض مع مصلحة آل صهيون التي غالباً ما تتوائم مع مصالح أبناء عمومتهم من أعراب البادية وتترافق مع دعمهم ، بناءً على هذه الفكرة البسيطة لنا أن نستنتج أن إدارة أوباما لم تقم بما قامت به عبر نقل أزمة مسؤولية إتخاذ القرار إلى أروقة الكونغرس الأمريكي كرمى لعيون مواطني ذلك البلد وإنما لأسبابٍ أبعد وأكثر أهمية من إلتزام إدارة أوباما بخيارات شعب الولايات المتحدة وتطلعاته ، أولها فتح نافذة جديدة يلج منها أوباما وصحبه إما هاربين متراجعين أوغازين محاربين ، وثانيها كسب المزيد من الوقت لتحقيق إختراقٍ على إحدى جبهتين ، فإما الضغط على الخصوم للحصول على بعض التنازلات التي رفضوا تقديمها طوال أمد الحرب ، أو بذل جهود إضافية لتوسيع تشكيلة الحلف الذي قد يمارس العدوان على الوطن السوري إلى جانب الولايات المتحدة . حتى اللحظة وبإنتظار ما ستحمله الأيام القادمة من موافقة الكونجرس أو عدمها للعمل العسكري يبدو أن حال أوباما لا يختلف كثيراً عن حال بعض السوريين الذين يمارسون قراءة الفنجان لإستقراء ملامح القادم من الأيام  ، فيما لا يهتم فريقٌ آخر من السوريين سوى بمتابعة أنباء إنتصارات جيشهم الوطني العظيم ، متجاهلين الرسائل التي قد يأتي بها ساعي البريد السيد كروز وزميله توماهوك  ،  بعض مواقف أعضاء الكونجرس كانت واضحة وحاسمة ، فهي إما تزايد على تطرف وتهور وجنون صاحب عبارة ” نعم نحن نستطيع ” لتحولها على لسان زعيمي التطرف جون ماكين أو ليندسي غراهام إلى عبارة ” نعم نحن نستطيع أن نقتل ” ، هذين الرجلين ومعهما العديد من أعضاء المنظمات الصهيونية كمنظمة إيباك يمارسون كل أشكال الضغوط على أعضاء الكونجرس ممن لم يحسموا أمر تصويتهم بعد لتوجيه كفة القرار نحو الإقرار . ..

قد يتساءل سائل هنا وله كل الحق ، طالما أن كيان العدو الإسرائيلي مصابٌ بالهلع والذعر جراء التفكير بالأثار الكارثية التي تحملها هكذا خطوة على كيانه حالما يتم إعطاء أمر العمليات للقواعد الصاروخية السورية وختم صواريخها بتأشيرة تحليق نحو سماء الأراضي المحتلة ، وطالما أن الفرصة متاحة لهذا الكيان للضغط بالشكل المعاكس ومنع توجيه هكذا ضربة لسوريا والإكتفاء بمراقبة أداء أولاد العمومة في صحراء نجد والحجاز يساندها ويدعمها وينسق معها سدنة الصهيونية في أنقرة ،، الثنائي أردوغان أوغلو .. فلماذا يبادر قادة هذا الكيان إلى المجاهرة في غير مناسبة بتلهفهم وشوقهم وترقبهم لمعايشة تفاصيل ونتائج وحصاد هذه الضربة العسكرية العتيدة ؟؟؟ ، ( أعتقد أن السؤال طويل جداً .. لكن هذا لا ينفي حقيقة أنه في مكانه ) . إجابةً على هذا السؤال أقول أن من يتمعن جيداً في تفاصيل ومفردات ماضي وحاضر الكيان يعلم أنه يعيش كابوساً يدعى ” المستقبل المجهول ” ، بمعنًى آخر أقول أن خسائر كيان العدو الإفتراضية ” حسب حساباته الحمقاء ”  في حالة الدخول في حالة جنون الحرب يؤمل أن تكون محدودة وتحت السيطرة ، إذ يراهن قادة العدو على منع أو الحيلولة دون إيقاع خسائر فادحة بجيش الإحتلال ومنشآته وقواعده الحربية ومراكز تموضع أسلحته غير التقليدية ، أو أن العدو يراهن على أن القيادة السورية لن تقدم في حالٍ من الأحوال بهجوم مدمر على الكيان قد يدفعه لإستخدام أسلحته غير التقليدية دفاعاً عن وجوده . ويبدو أن العملية الحسابية الخاطئة التي يقوم بها كيان العدو تستند إلى فكرة أن خروج سوريا منتصرة من هذه المعركة سوف يخلد شعب هذه الأرض كأكثر الشعوب صموداً وسوف ينتزع الجيش السوري ما نسب يوماً للعدو الإسرائيلي ليغدو جيش هذا الوطن الجيش الذي لا يقهر ، وسوف يكرس هكذا نصر الرئيس الأسد قائداً مقاوماً تسجل أحرف إسمه في صفحات الخلود . هكذا هواجس سوف يتممها رعب ما بعد الإنتصارالسوري ، ما بعد إنتصار محور المقاومة ، أين ستكون ” إسرائيل ” ؟ وكيف سيكون حالها ؟ ، ومن يستطيع أن يتنبأ لمستوطنيها بألوان لوحة مستقبلهم وعنوانها ؟ انها إذاك لاشك كارثة ما بعد الكارثة .. من هنا نفهم حقيقة هذا الإستكلاب الصهيوني لشن هكذا حرب على الوطن السوري … .

يقودنا هذا للتنويه بأن هنالك من تلقف تنبيه وتحذير القيصر الروسي من الآثار الإشعاعية الكارثية التي قد تنتج عن الضربات العسكرية الأمريكية ” الصهيوأعرابية ” على سوريا ،  بطريقة مغلوطة وقاصرة ساعة إعتقد أن التحذير يؤشر مكانياً للوطن السوري وحسب ، فيما أكاد أجزم أنا أن التحذير كان يغمز بشكل ضاغط أكثر للكارثة التي لن تحدها حدود في ليلة الدخلة .. ” دخلة عريسنا فجر أو أخاه شهاب على المغناج المدللة ديمونة أو إحدى شقيقاتها  ” ، تلك هي الكارثة التي تفوق بعشرات وربما بمئات المرات ضرب موقعٍ سوري هنا أو آخر هناك ، حتى لو كان أحدهما  كيماوي الإختصاص أو الوظيفة ، ببساطة شديدة حاول بوتين أن ينعش إدراك الغرب الصهيوني أن كثيراً من الدماء التي سيحصدها هكذا هجوم هي دماء يهودية .. أن انتبهوا !!  ..

لقد بات اليوم معلوماً أن موانع أو محدودية القدرة الأمريكية على توجيه هذه الضربة لا تتأتى من ضعف إمكاناتها العسكرية ، وهي الدولة التي تمتلك أقوى ترسانة عسكرية في العالم ، لكن الموانع تتمثل أكثر في الخشية من عاملين أولهما القدرات العسكرية السورية ما هو معلومٌ منها وما هو مجهول ، وثانيهما هو المدى غير المعلوم لتوسع رقعة الإشتباك ودخول أطراف إقليمية طرفاً فاعلاً فيه ، لا شك أن مسؤولي القرار في واشنطن وتل أبيب وباقي العواصم الصهيونية قد راقبوا بكثير من القلق والإهتمام الرسائل الصاخبة التي قذفت بها طهران في وجوههم ، كما الرسائل التي أرسلتها قيادة حزب الله المقاوم للعالم أجمع بلغة الصمت   … .

معلومٌ أيضاً أن أوباما يحتاج اليوم للحلفاء في معركته الإفتراضية ضد حلف المقاومة كما حاجته للحلفاء في مفاوضاته مع ذات الحلف  ومن خلفه العملاقين الروسي والصيني . .. و الأيام القليلة القادمة سوف تصخب بالمفاوضات والإتصالات السرية والعلنية ، المباشرة وغير المباشرة ، والرسائل والضغوطات من قبل جميع الأطراف بإتجاه جميع الأطراف .. . أما عن الأهداف الحقيقية للهجوم المفترض فهي كما قال الرئيس الأسد  تدمير القدرات العسكرية السورية النوعية التي تهدد أمن إسرائيل إضافةً إلى قصف مواقع يسيطر عليها الجيش السوري ويتحصن فيها في وجه تقدم الإرهابيين لتسهيل ذلك التقدم المأمول للعصابات المتقهقرة  ، ولا ننسى الضغط النفسي والمعنوي عبر الإرهاب والترهيب على القيادة السورية لتقديم تنازلات رفضت تقديمها بشكل قاطع ومبدئي منذ بدء العدوان على سوريا  … .

يمكننا حتى ثواني ما قبل إنطلاق حفلات الجنون أن نعول على فكرة بسيطة ومعقدة في آنٍ معاً ، تقول الفكرة : ليس كل أبناء ” إسرائيل ” أو قادتها مجانين ، تماماً كما أن قادة الولايات المتحدة ليسوا كلهم معتوهين أو حمقى ، لنا أن نلاحظ هنا أن الرسائل الأمريكية الأخيرة تشي على لسان جون كيري بأن خيارات الرئيس أوباما لا تزال مفتوحة بما فيها اللجوء إلى مجلس الأمن للحصول على قرار يدين القيادة السورية ويجيز إستخدام القوة ضدها ، إضافةً لإعلانه أن إدارة أوباما قد تنتظر نتائج لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة ،  بمعنى آخر ورغم ما يظهر من جهود حثيثة في معظم ” العواصم الإسرائيلية ، – فإسرائيل اليوم باتت عواصمها تفترش الخارطة من صحراء أباعير النفط مروراً بمقر البيت العالي للوالي العثماني وصولاً لأحفاد نابليون وليس إنتهاءً برعاة البقر  – هذه حقيقة ” ، رغم كل تلك الجهود فليس كل من يسكن تلك العواصم هو أحمقٌ متهور ” بإستثناء سكان مضارب الحاخام بندر بن سلطان ورفيق دربه بندول الساعة الحاخام سعود الفيصل ، ، هنالك من يقوم بعملياتٍ حسابية دقيقة لآثار العملية و نتائجها المرتقبة ويجري تقييماً لميزان الربح والخسارة . من السذاجة في هذا الإطار الإعتقاد بأن الحديث عن خروج الوضع عن حالة السيطرة بعد بدء العدوان وإنفلات عقد سلاسل الصواريخ السورية المهاجرة في غير إتجاه هي مجرد أفكار تندرج في إطار التهويل والمبالغة ، انها الحقيقة الصرفة التي تنبئنا بها روح أرسطو  سيد المنطق والإستدلال السليم ، وهي ذات الحقائق والنتائج التي تأتينا بها روح الخوارزمي ترافقها روح فيثاغورث وأرخميدس  ، سادة علم الرياضيات والفيزياء ، انها الحقيقة التي تبرق بها أرواح كل من نبغوا يوماً في الإقتصاد و عوالم حسابات الربح و الخسارة  موتاهم كما أحياءهم  . الحسابات التي تتحكم بها عوامل كثيرة أهمها قاعدة إيمانية وجودية منطقية باتت تفترش عقول أغلب السوريين ، قاعدة من مفردتين إثنتين تعانق إحداهما الأخرى وتتزاوج معها في رباطٍ رباني لا يعرف طلاقاً ولا إنفصالاً ، قاعدة يغنيها إنتماء السوريون لتراب وطنهم قبل أي إنتماء ، ويحلق  بها في سماءات الوطن ذلك العشق الإلهي للشهادة في سبيل الوطن ، ويزرعها في الصدور والقلوب والأرحام ذلك الرباط المشيمي بين سوريا الوطن وبين أهلها … .

انها القاعدة التي تصرخ أخيراً .. أيها الكون فلتعلم انها معركة وجودي ، وفي معارك الوجود قد يحسب في فصولها الأولى للعقل بعض حساب ، لكن من يحاربك بنوبات جنونه يجبرك أخيراً على الإنتقال أكثر إلى عوالم  الربح والخسارة لتساير المجانين وتعيش معهم وأنت بكامل قواك العقلية جزءًا من حفلات جنونهم ، وترقص معهم على مسارحهم رقصة الجنون التي أرادوا أدائها على مسرحك ، رقصةً سوف يكتب لك مستقبلاً أن تؤرشفها في تاريخ الوطن  تحت عنوان .. رقصة موت المجانين وإنبعاث وطن … .

سيريان تلغراف | نمير سعد

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

Exit mobile version